بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
نظلّ في رحاب الصّحيفة السجاديّة للإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، حيث كلّ الابتهال إلى الله تعالى وحده، بما ينعكس ذلك تهذيباً نفسياً وروحياً وأخلاقياً عالياً، يفتح آفاق المؤمن على كلّ ما يربطه بصدق وإخلاص بالله تعالى.
يقول الإمام السجاد(ع): "بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ، الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ، الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ، وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ، حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ، وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ، تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهِر نَقِيٍّ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ، قَدْ تَطَأطَأَ لَكَ فَانْحَنى، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ، وَيَا مَنْ كَافى قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَم مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَم مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ".
في هذا الدّعاء، يتوجّه الإمام السجاد(ع) إلى خالق الأكوان والعباد، الخاضع بكليّته لله من منطلق عبوديّته له، بلسان العبد الظالم لنفسه بالمعاصي، والمعتدي على حرمة الله بالذنوب العظيمة، ولكن إلى متى؟ فها قد ولّى العمر وأدبرت أيامه، فتيقّن المؤمن التائب المنيب إلى ربّه، أنّ عليه العودة الصّادقة إلى الله، من خلال تطهير القلب والدعوة المخلصة، والخشوع له بكلّ جوارحه، والنّدم على ما مضى من طيش وغفلة.
قام هذا المؤمن الفَطِن إليك يدعوك، وأنت واسع الرّحمة، يا من يسترحمه العباد، ويا من تستغفره الخلائق، فأنت ـ يا ربّ ـ خير من دُعِيَ، وأنت صاحب الفضل والعفو والرّضا والتجاوز عن ذنوب عبادك، ويا قابل التّوب، ويا من يقبل العمل اليسير، والمكافئ عباده على القليل، يا مجيب الدّعوات، إنّ عندك كل الرحمة والتفضل والتكرّم والمغفرة مهما كانت المعاصي.
"أنا العبد الذّليل الذي ظلم نفسه بالمعصية، وأذلّها بالابتعاد عنك.. أنا العبد المستخفّ بحرمة ربّه.. وها هو بين يديك وجهاً لوجه، فلا مجال له إلا باللّجوء إليك، ولا موقع لديه في الهروب عن ساحاتك.. إنه الآن يؤكّد رجوعه إليك، ويقدّم بين يديك توبته الخالصة.. إنّ قلبه مفتوح للأفكار الطّاهرة والمشاعر النقيّة..
وبدأت الكلمات الصارخة الصائحة الملهوفة تدعوك بما يوحي بالصّراخ اللاهث، في صوته الذي يستعجل الوصول إليك، في تعبير متنوّع يستعطفك ويهفو إليك.. ثم إني ـ يا ربّ ـ أسألك من موقع السنّة الواقعيّة العمليّة، في ما عاملت به خلقك الذين عصوك فغفرت لهم، فهل أنا أشد معصيةً منهم لترفض غفران ذنبي؟! أو الذين كانوا في موقع اللّوم في انحرافهم عنك، فاعتذروا فقبلت عذرهم، فهل أنا الأكثر ذنباً بما تلوم به المذنبين على أفعالهم السيّئة، فلا تقبل اعتذاري عمّا بدر مني؟! أو الّذين ظلموا أنفسهم بالتمرّد عليك فعدت عليهم بالمغفرة، فهل أنا أشدّ ظلماً منهم فلا تعود عليَّ بالرضوان؟!
إنني لا أنكر ـ يا ربّ ـ خطورة ذنبي، وشدّة انحرافي، وسوء عملي، ولكني ـ يا ربّ ـ أدرك أن هناك الكثير من عناصر التخفيف التي يمكنني الحصول عليها من خلال رحمتك ولطفك".[آفاق الروح، ج:1، ص:307-311].
فهلاّ انطلقنا في جوّ التّوبة النصوح، وأنبنا إلى الله، وأخلصنا في توجّهنا إليه، عبر تأكيد الإخلاص والخشوع والإيمان في كلّ حركتنا وأوضاعنا، كي نستحقّ عفو الله ولطفه ومغفرته، فالأيّام تسرع وتنقضي، والمؤمن الفطِن من يعتبر ويؤكّد حضوره في كلّ السّاحات التي تستوجب رحمة الله ولطفه وعفوه...
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
نظلّ في رحاب الصّحيفة السجاديّة للإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)، حيث كلّ الابتهال إلى الله تعالى وحده، بما ينعكس ذلك تهذيباً نفسياً وروحياً وأخلاقياً عالياً، يفتح آفاق المؤمن على كلّ ما يربطه بصدق وإخلاص بالله تعالى.
يقول الإمام السجاد(ع): "بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ، الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ، الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ، وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ، حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ، وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ، تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبٍ طَاهِر نَقِيٍّ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ، قَدْ تَطَأطَأَ لَكَ فَانْحَنى، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ، وَيَا مَنْ كَافى قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَم مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَم مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ".
في هذا الدّعاء، يتوجّه الإمام السجاد(ع) إلى خالق الأكوان والعباد، الخاضع بكليّته لله من منطلق عبوديّته له، بلسان العبد الظالم لنفسه بالمعاصي، والمعتدي على حرمة الله بالذنوب العظيمة، ولكن إلى متى؟ فها قد ولّى العمر وأدبرت أيامه، فتيقّن المؤمن التائب المنيب إلى ربّه، أنّ عليه العودة الصّادقة إلى الله، من خلال تطهير القلب والدعوة المخلصة، والخشوع له بكلّ جوارحه، والنّدم على ما مضى من طيش وغفلة.
قام هذا المؤمن الفَطِن إليك يدعوك، وأنت واسع الرّحمة، يا من يسترحمه العباد، ويا من تستغفره الخلائق، فأنت ـ يا ربّ ـ خير من دُعِيَ، وأنت صاحب الفضل والعفو والرّضا والتجاوز عن ذنوب عبادك، ويا قابل التّوب، ويا من يقبل العمل اليسير، والمكافئ عباده على القليل، يا مجيب الدّعوات، إنّ عندك كل الرحمة والتفضل والتكرّم والمغفرة مهما كانت المعاصي.
"أنا العبد الذّليل الذي ظلم نفسه بالمعصية، وأذلّها بالابتعاد عنك.. أنا العبد المستخفّ بحرمة ربّه.. وها هو بين يديك وجهاً لوجه، فلا مجال له إلا باللّجوء إليك، ولا موقع لديه في الهروب عن ساحاتك.. إنه الآن يؤكّد رجوعه إليك، ويقدّم بين يديك توبته الخالصة.. إنّ قلبه مفتوح للأفكار الطّاهرة والمشاعر النقيّة..
وبدأت الكلمات الصارخة الصائحة الملهوفة تدعوك بما يوحي بالصّراخ اللاهث، في صوته الذي يستعجل الوصول إليك، في تعبير متنوّع يستعطفك ويهفو إليك.. ثم إني ـ يا ربّ ـ أسألك من موقع السنّة الواقعيّة العمليّة، في ما عاملت به خلقك الذين عصوك فغفرت لهم، فهل أنا أشد معصيةً منهم لترفض غفران ذنبي؟! أو الذين كانوا في موقع اللّوم في انحرافهم عنك، فاعتذروا فقبلت عذرهم، فهل أنا الأكثر ذنباً بما تلوم به المذنبين على أفعالهم السيّئة، فلا تقبل اعتذاري عمّا بدر مني؟! أو الّذين ظلموا أنفسهم بالتمرّد عليك فعدت عليهم بالمغفرة، فهل أنا أشدّ ظلماً منهم فلا تعود عليَّ بالرضوان؟!
إنني لا أنكر ـ يا ربّ ـ خطورة ذنبي، وشدّة انحرافي، وسوء عملي، ولكني ـ يا ربّ ـ أدرك أن هناك الكثير من عناصر التخفيف التي يمكنني الحصول عليها من خلال رحمتك ولطفك".[آفاق الروح، ج:1، ص:307-311].
فهلاّ انطلقنا في جوّ التّوبة النصوح، وأنبنا إلى الله، وأخلصنا في توجّهنا إليه، عبر تأكيد الإخلاص والخشوع والإيمان في كلّ حركتنا وأوضاعنا، كي نستحقّ عفو الله ولطفه ومغفرته، فالأيّام تسرع وتنقضي، والمؤمن الفطِن من يعتبر ويؤكّد حضوره في كلّ السّاحات التي تستوجب رحمة الله ولطفه وعفوه...