شفقنا- ربما يتصوّر بعض الماديين – بمقاييسهم- أن ثورة الإمام الحسين سنة 61هـ، كانت ثورةً خاسرةً من النّاحية العسكريّة، ولكن وبالرجوع إلى آثارها وما تركته من آثار انعكست على واقع الأمة الإسلامية سيتأكد له خطأ تصوّره، خاصة إذا ما تعمّق في دراسة مسبّبات ونتائج هذه الثورة التي عُدّت من بين أشهر الثورات الإصلاحية التي حصلت في تاريخ البشرية إن لم تكن أشهرها على الإطلاق.. فمن مُنطلقاتٍ ارتكزت وركّزت على الخطّ الأصيل الّذي يحفظ للمبادئ الإسلامية هيبتها، إلى تأكيد عميق لقِيم العدل الإنساني في داخلها، مروراً بالواقع المرير الذي كان قد وصل إلى مرحلة استرخت فيها كل هذه المبادئ والقيم تحت تأثير حكم يزيد، وانتهاءً بفرضية أن الوضع الإسلاميّ كان مهيّأً لأن يستمرّ الظّلم فيه، كل هذا وغيره قد أشعل فتيل هذه الثورة الخالدة..
الغريب أن البعض لا يزال يحاول بشتى الطرق تحوير أهداف هذه الثورة وطرح عناوينها بصفة تفصلها عن المبادئ الإسلامية، فاتَّجه البعض لوصفها بأنها قامت لمآرب دنيوية، فهل يعقل أن يكون لسيد شباب أهل الجنة مطامع دنيوية لدرجة أنها قادته إلى القيام بالثورة؟ وقد أخطأ البعض الآخر -كائناً من كان- ممن أراد أن يُضفي على هذه الثورة صفة المذهبية أو الطائفية ووجها ضد طرف دون آخر، بل هي ثورة إسلامية عامّة بانطلاقتها ومواقفها وآثارها.
وهناك من يتحيّن الفرص محاولاً تحوير الموضوع ليس إلا لخلق خلافات تجاوزها الكثير منِّا، فيحاول مثلاً أن يستوقفنا في مناسبة كعاشوراء ليخترق صفوفنا المتجانسة والمتآلفة ببعض الإشكالات التي عفا عليها الزمن.. ونسي أو تناسى أن الانخراط في صفوف الوحدة لا يعني بالضرورة تنازل فريق عن قناعاته، بل تعني الالتقاء على ما اتُّفِقَ عليه، مع التعاون في بقية القضايا المشتركة، وألا يتوقف الحوار العلمي والعقلاني لكل قضايا الخلاف أيّاً كان أساسه أو اتجاهه.. خاصة ونحن في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا الإسلامية.
إنَّ المتأمّل للشعارات التي رفعها الإمام الحسين في ثورته كالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوقن أنها ليست عناوين مرحلية كان يعيش فيها لوحده، بل هي مبادئ حياتية شاملة، وعناوين إسلامية صالحة لكل الأزمنة.. ولو نظرنا إلى واقعنا المرير الذي نشاهده بأم أعيننا وكيف تُنفّذ خطط هدم المُثُل العليا وإفساد الفرد والمجتمع من خلال الاتجار بالأخلاق، لشاهدنا الكثير من شواهد الانحراف وتمزّق العلاقات وتفشّي الفتن على كل المستويات، كل هذا يقودنا إلى التفكير في فكرة التغيير ولو بأبسط ما نملك، من هنا ومن هذا الشعور انطلق الحسين في ثورته بعد أن استنفد كل طرق الإصلاح ليقرر القيام بهذه الثورة.. الثورة التي جسّدت كل القيم والمُثل العليا في المحافظة على عزة الإنسان وكرامته، فمثلما أنها تحوي المشاهد المأساوية التي تُدمي القلب قبل العين، مشاهد اختلطت فيها المأساة بالجهاد.. والتقت فيها الثورة بالذات، كمشهد رمي طفلٍ رضيعٍ لم يتجاوز عمره الستة أشهر وهو بين يدي أبيه ليخترق السهم رقبته ويودي بحياته، وغيرها من تلك المواقف التي تخللت تلك الثورة من بشاعة وعُنف قلّ نظيره..
ورغم كل ذلك أراد الإمام الحسين لثورته أن تبقى تتحرك في إطار إسلامي، بحركتها وعمقها وقضيتها، لأنها كانت تمثل قضية من قضايا الوحدة في الأمة، فحتى لو اختلفنا في فهم وقائعها فهي أتت لتوحد الأمة، ومن الخطأ أن يتصور البعض أن هذه الثورة موجّهة لفريق دون آخر، لذا لا ينبغي أن نجعل من عاشوراء مُنطلقاً للإساءة للوحدة الإسلامية.. بل هي مناسبة للتآلف والاتحاد.. فالكل يلتقي عند الحسين، والكل يتّفق على محبته وهي حتماً موجودة في قلوب كل المسلمين، وإن اختلفت الرؤى بينهم، فإذا ما انطلقنا من هذه الأسس المتينة والراسخة؛ فسننظر لهذه الثورة كفكر أضاء الحق للناس، وننظر إليها بقلبٍ محبٍّ يحمل الحب للناس جميعاً، وننظر لها كحركة باقية نستلهم منها المبادئ، وسنراها بقلبٍ يحبّ الحق والعدالة.. ونراها بأعيُنٍ تبتغي العزّة وأفئدة تهوى الكرامة، حين نراها وننظر إلى قائدها بهذا العمق.. فحتماً سنبكيه بدموع الوحدة، ودموع الانتصار للإسلام، ودموع تُخلّد هذه الثورة، ودموع المحبة لآل محمد..
*جريدة الرؤية العمانية- عبد الله العجميانتهى
تعليق