بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الشهيدة السيدة رقية بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليها السلام) هي حفيدة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، هي الطفلة ذات السنوات الخمس، والتي شهدت مع والدها الحسين والعترة الطاهرة تلك الملحمة العظيمة.. ثم تلك القسوة في التعامل معاهن كسبايا..
الكلمات تعجز عن وصف مأساة الشهيدة السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام التي تحولت الى صوت اخر للحسين عليه السلام...الى دم أخر للحسين عليه السلام وديمومته... طفلة لأهل البيت كانت كالحسين عليه السلام في مظلوميتها... بل هي الحسين عليه السلام في قالب طفلة، وليس هذا فحسب بل حبها لأبيها الحسين وتعلقها به يذكرنا بحب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وأله بأبيها، بكاءها يذكرنا ببكاء الزهراء بعد وفاة أبيها، مظلوميتها يذكرنا بمظلومية الزهراء، عليها السلام ورحيلها الى الرفيق الأعلى يذكرنا برحيل الزهراء عليها السلام، وفي جملة واحدة كل شيء فيها يذكرنا بفلذة كبد الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله كما سيأتي بالرغم من أن التاريخ لا يذكر لنا من أخبارها الكثير.. سوى قليل يمكن منه الاستشفاف.. عظمة تلك الطفلة رغم سنيها الخمس!
الولادة والشهادة:
يبدو من مجمل التواريخ أن السيدة رقية (عليها السلام) ولدت ما بين عام (57 هـ و58 هـ) ووفاتها في (5 صفر 61 هـ)، وذلك بحسب الشيخ علي الرباني الخلخالي.
وذكر عبد الوهاب بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى عام 973 هج ) مقام السيدة رقية (عليها السلام) في كتابه (المنن: الباب العاشر):
هذا البيت بقعة شرّفت بآل النبي (صلى الله عليه وآله) في دمشق وبنت الحسين (عليه السلام) الشهيدة (رقية).
وقد ذكر العلامة الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي (المتوفى عام 1294 هـ) إسم رقية (عليها السلام) عن لسان أبي عبد الله الحسين (عليه السلام):
ثم نادى (يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي عليكنّ مني السلام).
حيث ناداها الإمام الحسين (عليه السلام) ونطق بإسمها في أكثر من موضع وحادثة، وخصوصاً في الساعات الأخيرة من عمره الشريف عندما أراد أن يودّع أهله وعياله نادى بأعلى صوته:
(يا أختاه! يا أم كلثوم، وأنت يا زينب، وأنتِ يا رقية، وأنتِ يا فاطمة، وأنتِ يا رباب، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيباً، ولا تخمشن عليّ وجهاً، ولا تقلن عليّ هجراً)
كما في (اللهوف في قتلى الطفوف).
وكذلك جاء في (مقتل أبي مخنف) الذي هو أقدم مقتل لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، نادى في يوم عاشوراء لكي يودع أهله وعياله:
(يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي عليكن مني السلام).
وفي الفصل الخامس من كتاب روائع التراث في دمشق لمؤلفه الدكتور عبد القادر الريحاوي:
ذكر المؤلف السيدة رقية عليه السلام ضمن مجموعة العظماء المدفونين في دمشق خلال عصور التاريخ وذلك في طبقة آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام.
رقية في اللغة:
إن للإسم تأثيراً عميقاً على نفس الإنسان كما ثبت ذلك في علم النفس، ولذا ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إن من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن إسمه، ويعلمه الكتاب، ويزوجه إذا بلغ). وأما كلمة (رقية) - كما جاء في اللغة - فهي تصغير راقية بمعنى الارتفاع والسمو والتصغير هنا للتحبيب.
وهكذا جميع أسماء ربائب الوحي فهي جميلة ورزينة ترمز وتشير إلى معاني الرفعة والطهر والنقاء والخير والصلاح، وأقل ما نقول للمستهزأ بها إنه لا يعرف العربية.
قصة الشهادة:
قصة شهادة يتيمة الحسين (عليه السلام) رقية في الخربة بدمشق تؤلم كل ذي قلب حنون، وكل من يحمل المعاني السامية الإنسانية، ويستطيع الزائر لمقامها المبارك أن يحسّ بمظلومية هذه اليتيمة وما جرى عليها وعلى أهل بيتها (عليهم السلام) بمجرّد أن يدخل مقامها الشريف خاشعاً متواضعاً، فسرعان ما ينكسر قلبه ويجري دمعه على خدّيه، إنها المظلومة التي تحرّك الضمائر الحية وتهزّ الوجدان من الأعماق وتجعل الإنسان ينحاز إليهم ويلعن ظالميهم وغاصبي حقوقهم.
وقد كانت خلال ملحمة كربلاء تعالج المرض دون علم بما جرى لأبيها الحسين (ع)، وأثناء الأسـر... في الشام حين شفيت.. قامت بما هي معتادة عليه من إعداد السجادة لوالدها (ع) وقت الصلاة..وانتظرته كثيراً دون جدوى.. فظلت تسأل عنه وهي تبكي.. و نساء أهل البيت في حيرة بما يخبرنها وحين سمع نداءها يزيد..سأل عما تطلبه فأجيب بأنها تطلب والدها الحسين (ع) وهنا أرسل لها الرأس على طبق وهو مغطى.. فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه.
فقالت: ما هذا الرأس ؟
قالوا: إنه رأس أبيك، فرفعته من الطّشت حاضنة له وهي تقول:
يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريدك؟
يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني؟
يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟
يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟
ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديداً حتى غشي عليها.. وهنا قال الإمام السجاد (ع) لعمته زينب:
يا عمة ارفعي رقية عن رأس أبي فقد فارقت الحياة !.
فلما رأى أهل البيت (عليهم السلام) ما جرى عليها أعلوا بالبكاء واستجدوا العزاء وكل من حضر من أهل دمشق، فلم ير ذلك اليوم إلا باك وباكية.
ودفنت في مكان وفاتها بالشام.. وقبرها معروف ومشهور ويقصده الآلاف.
ولم يعرف في التاريخ سابقة لتعلق ابنة بوالدها إلا جدتها فاطمة الزهراء (ع) وتعلقها بأبيها رسول الله (ص) وذلك لما تميز به الإمام الحسين (ع) من رحمة وحنو.. على الجميع وخصوصاً أطفاله.. ونساءه.
موقع المرقد المقدس:
يقع مقام السيدة رقية (عليها السلام) على بعد (100 متر) أو أكثر من المسجد الأموي بدمشق، وعندما تريد الدخول إلى صحنها المطهر أول ما يلفت نظرك، اللوحة التي على باب مقامها الشريف مكتوب فيها: (هنا مقام السيدة رقية بنت الحسين (عليه السلام) الشهيد بكربلاء ترى مقامها كالدّر الأبيض الذي يلمع، وفي حينه تتذكر تلك الأيام الرهيبة والنفوس الخبيثة التي أرادت إطفاء نور فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (عليهم السلام) ولكن هيهات، قال سبحانه وتعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وقد دأب المسلمون شيعة وسنة على زيارة مقامها الشريف والمبارك حتى أصبح من المشاهد المشرفة التي تهوي إليها النفوس من كل فج عميق. وقد إلتجأ إلى قبرها كثير من الناس بحوائجهم، فجعلوا هذه اليتيمة شفيعة ووسيلة إلى الله سبحانه، وقد قضى الله حوائجهم ببركة السيدة رقية (عليها السلام)، فكم من مريض شوفي، وكم من مديون قضي دينه، وكم من مهموم كشف غمه، وكم من مكروب زال كربه، وكم.. وكم..؟؟
وكـُتـب في موقع المرقد المقدس:
يقع المرقد في (حي العمارة) خلف المسجد الاموي بدمشق إلى جانب باب الفراديس الذي يقع بسوق العمارة قرب مسجد مقام رأس الحسين (ع) وصاحبة المرقد هي احدى بنات الحسين (ع)، وهي طفلة بلغت 4 سنوات أوهموا عليها لصغر سنها مقتل ابيها الحسين بعد ان اخذت تسأل عنه في المنام في خرابة الشام ولما حكت المنام ناحت النسوة، فوصل الخبر إلى يزيد فأمر اللعين ان يوضع رأس الحسين في طبق أمامها، ولما رأت الرأس الشريف ماتت في الحال.
ويعود تأسيس مرقدها المبارك إلى سنة 526هـ، واول من بنى على قبرها السلاطين الايوبيين. ومن ثم توالت على المرقد عمارات متتالية وفي سنة 1125هـ جدد بناء الضريح وبعدها عمر قبرها في زمن العثمانيين وبسنة 1323 هـ جدد بناؤه على يد الميرزا علي اصغر خان امين السلطان ناصر الدين شاه، وبسنة 1399 عمد الى توسعة المرقد، وبسنة 1408هـ بدل الضريح الذي وضع على القبر في عهد امين السلطان بضريح آخر، تم صنعه على يد اربعين شخصا من الفنانين البارعين وهو في غاية الجمال والروعة.
وتبلغ مساحة البناء الجديد لمرقد السيدة رقية حاليا نحو 4000 متر مربع، ومنه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح، وتعلوا المرقد قبة مضلعة ووضع على القبر صخرة من الموزائيك ذات العاج والمرمر، والبناء فخم وضخم يتوافد عليه الزوار من شتى بقاع الارض وكتب على الباب أبيات من الشعر العربي من قبل الحاج احمد رضا الشيرازي وهناك قصائد حول القبر منها قصيدة شعرية للمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين تعبر عن روح الولاء لأهل البيت (ع) ومكتوبة بماء الذهب يقول فيها:
في الشام في مثوى يزيد مــرقـد ينبيك كيف دم الشهادة يخلد
رقدت به بنت الحسين فاصبحــت حتى حـجـارة ركـــــــنـه تـتوقد
هيا استفيقي يا دمشق وايقظي وغدا على وضر القمامـــة يرقد
واريه كيف تربعـــــــــت في عرشه تلك الدماء يضوع منها المشهد
سيظل ذكـرك يا رقـية عـــــــــــبرة للـظالـمين مـدى الـزمان يـخلد
والمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين هو الذي يصف حبه للعراق وصفاً حياً يحمل الروح العطشى الممزوجة بالعاطفة فيقول:
اديم ثراك اروع مـــــــــا نـفـدّي ونبع رباك اجود مـــــــــا نذودُ
احبك بل احب خشوع نفسي بباك حين احلم بي اعـــــودُ
ويـا وطناً سيقـينا الحـــب فـيه وشب فيه على الدعّة الوليدُ
زيارة السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام):
(السلام عليك يا أبا عبد الله يا حسينُ بن علي يا إبن رسول الله، السلام عليك يا حجة الله وإبن حجته، أشهد أنك عبد الله وأمينه بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً وقلت صادقاً وقتلت صديقاً فمضيت شهيداً على يقين لم تؤثر عمىً على هدى ولم تمل من حق إلى باطل ولم تجب إلا الله وحده، السلام عليكِ يا إبنة الحسين الشهيد الذبيح العطشان المرمّل بالدماء، السلام عليكِ يا مهضومة، السلام عليكِ يا مظلومة، السلام عليكِ يا محزونة تنادي يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك، يا أبتاه من الذي قطع وريدك، يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر، لقد عظمت رزيّتكم وُجلت مصيبتكم، عظُمت وُجلت في السماء والأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، جعلنا الله معكم في مستقر رحمته، والسلام عليكم ساداتي وموالي جميعاً ورحمة الله وبركاته).
من القصائد الخالدات في حقها:
رقدت به بنت الحسين فاوشـكت حتى حجارة ركنــــــــــــها تتوقدُ
ويقول الشاعر:
كريمة سبط المصطفى مـا اجلها لـها ينحني المجد الاثيل ويخفق
يتيمة ارض الـشـام الــــــف تحية الـيـك وقـلبي بـالـمـــودة يـنـطـق
(( السلام عليك ايتها الشهيدة المظلومة ))
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الشهيدة السيدة رقية بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليها السلام) هي حفيدة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، هي الطفلة ذات السنوات الخمس، والتي شهدت مع والدها الحسين والعترة الطاهرة تلك الملحمة العظيمة.. ثم تلك القسوة في التعامل معاهن كسبايا..
الكلمات تعجز عن وصف مأساة الشهيدة السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام التي تحولت الى صوت اخر للحسين عليه السلام...الى دم أخر للحسين عليه السلام وديمومته... طفلة لأهل البيت كانت كالحسين عليه السلام في مظلوميتها... بل هي الحسين عليه السلام في قالب طفلة، وليس هذا فحسب بل حبها لأبيها الحسين وتعلقها به يذكرنا بحب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وأله بأبيها، بكاءها يذكرنا ببكاء الزهراء بعد وفاة أبيها، مظلوميتها يذكرنا بمظلومية الزهراء، عليها السلام ورحيلها الى الرفيق الأعلى يذكرنا برحيل الزهراء عليها السلام، وفي جملة واحدة كل شيء فيها يذكرنا بفلذة كبد الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله كما سيأتي بالرغم من أن التاريخ لا يذكر لنا من أخبارها الكثير.. سوى قليل يمكن منه الاستشفاف.. عظمة تلك الطفلة رغم سنيها الخمس!
الولادة والشهادة:
يبدو من مجمل التواريخ أن السيدة رقية (عليها السلام) ولدت ما بين عام (57 هـ و58 هـ) ووفاتها في (5 صفر 61 هـ)، وذلك بحسب الشيخ علي الرباني الخلخالي.
وذكر عبد الوهاب بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى عام 973 هج ) مقام السيدة رقية (عليها السلام) في كتابه (المنن: الباب العاشر):
هذا البيت بقعة شرّفت بآل النبي (صلى الله عليه وآله) في دمشق وبنت الحسين (عليه السلام) الشهيدة (رقية).
وقد ذكر العلامة الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي (المتوفى عام 1294 هـ) إسم رقية (عليها السلام) عن لسان أبي عبد الله الحسين (عليه السلام):
ثم نادى (يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي عليكنّ مني السلام).
وقد ورد ذكرها في كتب أرباب المقاتل في واقعة كربلاء:
حيث ناداها الإمام الحسين (عليه السلام) ونطق بإسمها في أكثر من موضع وحادثة، وخصوصاً في الساعات الأخيرة من عمره الشريف عندما أراد أن يودّع أهله وعياله نادى بأعلى صوته:
(يا أختاه! يا أم كلثوم، وأنت يا زينب، وأنتِ يا رقية، وأنتِ يا فاطمة، وأنتِ يا رباب، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليّ جيباً، ولا تخمشن عليّ وجهاً، ولا تقلن عليّ هجراً)
كما في (اللهوف في قتلى الطفوف).
وكذلك جاء في (مقتل أبي مخنف) الذي هو أقدم مقتل لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، نادى في يوم عاشوراء لكي يودع أهله وعياله:
(يا أم كلثوم، ويا سكينة، ويا رقية، ويا عاتكة، ويا زينب، يا أهل بيتي عليكن مني السلام).
وفي الفصل الخامس من كتاب روائع التراث في دمشق لمؤلفه الدكتور عبد القادر الريحاوي:
ذكر المؤلف السيدة رقية عليه السلام ضمن مجموعة العظماء المدفونين في دمشق خلال عصور التاريخ وذلك في طبقة آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام.
رقية في اللغة:
إن للإسم تأثيراً عميقاً على نفس الإنسان كما ثبت ذلك في علم النفس، ولذا ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إن من حق الولد على والده ثلاثة: يحسن إسمه، ويعلمه الكتاب، ويزوجه إذا بلغ). وأما كلمة (رقية) - كما جاء في اللغة - فهي تصغير راقية بمعنى الارتفاع والسمو والتصغير هنا للتحبيب.
وهكذا جميع أسماء ربائب الوحي فهي جميلة ورزينة ترمز وتشير إلى معاني الرفعة والطهر والنقاء والخير والصلاح، وأقل ما نقول للمستهزأ بها إنه لا يعرف العربية.
قصة الشهادة:
قصة شهادة يتيمة الحسين (عليه السلام) رقية في الخربة بدمشق تؤلم كل ذي قلب حنون، وكل من يحمل المعاني السامية الإنسانية، ويستطيع الزائر لمقامها المبارك أن يحسّ بمظلومية هذه اليتيمة وما جرى عليها وعلى أهل بيتها (عليهم السلام) بمجرّد أن يدخل مقامها الشريف خاشعاً متواضعاً، فسرعان ما ينكسر قلبه ويجري دمعه على خدّيه، إنها المظلومة التي تحرّك الضمائر الحية وتهزّ الوجدان من الأعماق وتجعل الإنسان ينحاز إليهم ويلعن ظالميهم وغاصبي حقوقهم.
وقد كانت خلال ملحمة كربلاء تعالج المرض دون علم بما جرى لأبيها الحسين (ع)، وأثناء الأسـر... في الشام حين شفيت.. قامت بما هي معتادة عليه من إعداد السجادة لوالدها (ع) وقت الصلاة..وانتظرته كثيراً دون جدوى.. فظلت تسأل عنه وهي تبكي.. و نساء أهل البيت في حيرة بما يخبرنها وحين سمع نداءها يزيد..سأل عما تطلبه فأجيب بأنها تطلب والدها الحسين (ع) وهنا أرسل لها الرأس على طبق وهو مغطى.. فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنه.
فقالت: ما هذا الرأس ؟
قالوا: إنه رأس أبيك، فرفعته من الطّشت حاضنة له وهي تقول:
يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريدك؟
يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني؟
يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟
يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟
ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديداً حتى غشي عليها.. وهنا قال الإمام السجاد (ع) لعمته زينب:
يا عمة ارفعي رقية عن رأس أبي فقد فارقت الحياة !.
فلما رأى أهل البيت (عليهم السلام) ما جرى عليها أعلوا بالبكاء واستجدوا العزاء وكل من حضر من أهل دمشق، فلم ير ذلك اليوم إلا باك وباكية.
ودفنت في مكان وفاتها بالشام.. وقبرها معروف ومشهور ويقصده الآلاف.
ولم يعرف في التاريخ سابقة لتعلق ابنة بوالدها إلا جدتها فاطمة الزهراء (ع) وتعلقها بأبيها رسول الله (ص) وذلك لما تميز به الإمام الحسين (ع) من رحمة وحنو.. على الجميع وخصوصاً أطفاله.. ونساءه.
موقع المرقد المقدس:
يقع مقام السيدة رقية (عليها السلام) على بعد (100 متر) أو أكثر من المسجد الأموي بدمشق، وعندما تريد الدخول إلى صحنها المطهر أول ما يلفت نظرك، اللوحة التي على باب مقامها الشريف مكتوب فيها: (هنا مقام السيدة رقية بنت الحسين (عليه السلام) الشهيد بكربلاء ترى مقامها كالدّر الأبيض الذي يلمع، وفي حينه تتذكر تلك الأيام الرهيبة والنفوس الخبيثة التي أرادت إطفاء نور فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (عليهم السلام) ولكن هيهات، قال سبحانه وتعالى: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وقد دأب المسلمون شيعة وسنة على زيارة مقامها الشريف والمبارك حتى أصبح من المشاهد المشرفة التي تهوي إليها النفوس من كل فج عميق. وقد إلتجأ إلى قبرها كثير من الناس بحوائجهم، فجعلوا هذه اليتيمة شفيعة ووسيلة إلى الله سبحانه، وقد قضى الله حوائجهم ببركة السيدة رقية (عليها السلام)، فكم من مريض شوفي، وكم من مديون قضي دينه، وكم من مهموم كشف غمه، وكم من مكروب زال كربه، وكم.. وكم..؟؟
وكـُتـب في موقع المرقد المقدس:
يقع المرقد في (حي العمارة) خلف المسجد الاموي بدمشق إلى جانب باب الفراديس الذي يقع بسوق العمارة قرب مسجد مقام رأس الحسين (ع) وصاحبة المرقد هي احدى بنات الحسين (ع)، وهي طفلة بلغت 4 سنوات أوهموا عليها لصغر سنها مقتل ابيها الحسين بعد ان اخذت تسأل عنه في المنام في خرابة الشام ولما حكت المنام ناحت النسوة، فوصل الخبر إلى يزيد فأمر اللعين ان يوضع رأس الحسين في طبق أمامها، ولما رأت الرأس الشريف ماتت في الحال.
ويعود تأسيس مرقدها المبارك إلى سنة 526هـ، واول من بنى على قبرها السلاطين الايوبيين. ومن ثم توالت على المرقد عمارات متتالية وفي سنة 1125هـ جدد بناء الضريح وبعدها عمر قبرها في زمن العثمانيين وبسنة 1323 هـ جدد بناؤه على يد الميرزا علي اصغر خان امين السلطان ناصر الدين شاه، وبسنة 1399 عمد الى توسعة المرقد، وبسنة 1408هـ بدل الضريح الذي وضع على القبر في عهد امين السلطان بضريح آخر، تم صنعه على يد اربعين شخصا من الفنانين البارعين وهو في غاية الجمال والروعة.
وتبلغ مساحة البناء الجديد لمرقد السيدة رقية حاليا نحو 4000 متر مربع، ومنه 600 متر مربع صحن وفضاء واسع وبقية البناء يؤلف الرواق والحرم والمسجد المجاور للضريح، وتعلوا المرقد قبة مضلعة ووضع على القبر صخرة من الموزائيك ذات العاج والمرمر، والبناء فخم وضخم يتوافد عليه الزوار من شتى بقاع الارض وكتب على الباب أبيات من الشعر العربي من قبل الحاج احمد رضا الشيرازي وهناك قصائد حول القبر منها قصيدة شعرية للمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين تعبر عن روح الولاء لأهل البيت (ع) ومكتوبة بماء الذهب يقول فيها:
في الشام في مثوى يزيد مــرقـد ينبيك كيف دم الشهادة يخلد
رقدت به بنت الحسين فاصبحــت حتى حـجـارة ركـــــــنـه تـتوقد
هيا استفيقي يا دمشق وايقظي وغدا على وضر القمامـــة يرقد
واريه كيف تربعـــــــــت في عرشه تلك الدماء يضوع منها المشهد
سيظل ذكـرك يا رقـية عـــــــــــبرة للـظالـمين مـدى الـزمان يـخلد
والمرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين هو الذي يصف حبه للعراق وصفاً حياً يحمل الروح العطشى الممزوجة بالعاطفة فيقول:
اديم ثراك اروع مـــــــــا نـفـدّي ونبع رباك اجود مـــــــــا نذودُ
احبك بل احب خشوع نفسي بباك حين احلم بي اعـــــودُ
ويـا وطناً سيقـينا الحـــب فـيه وشب فيه على الدعّة الوليدُ
زيارة السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام):
(السلام عليك يا أبا عبد الله يا حسينُ بن علي يا إبن رسول الله، السلام عليك يا حجة الله وإبن حجته، أشهد أنك عبد الله وأمينه بلّغت ناصحاً وأدّيت أميناً وقلت صادقاً وقتلت صديقاً فمضيت شهيداً على يقين لم تؤثر عمىً على هدى ولم تمل من حق إلى باطل ولم تجب إلا الله وحده، السلام عليكِ يا إبنة الحسين الشهيد الذبيح العطشان المرمّل بالدماء، السلام عليكِ يا مهضومة، السلام عليكِ يا مظلومة، السلام عليكِ يا محزونة تنادي يا أبتاه من الذي خضّبك بدمائك، يا أبتاه من الذي قطع وريدك، يا أبتاه من الذي أيتمني على صغر سني، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر، لقد عظمت رزيّتكم وُجلت مصيبتكم، عظُمت وُجلت في السماء والأرض، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، جعلنا الله معكم في مستقر رحمته، والسلام عليكم ساداتي وموالي جميعاً ورحمة الله وبركاته).
من القصائد الخالدات في حقها:
رقدت به بنت الحسين فاوشـكت حتى حجارة ركنــــــــــــها تتوقدُ
ويقول الشاعر:
كريمة سبط المصطفى مـا اجلها لـها ينحني المجد الاثيل ويخفق
يتيمة ارض الـشـام الــــــف تحية الـيـك وقـلبي بـالـمـــودة يـنـطـق
(( السلام عليك ايتها الشهيدة المظلومة ))
تعليق