بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين
م / مقدمات منهجية لدراسة علم المنطق
هذه مقدمات منهجية قبل الدخول لدراسة علم المنطق تناولت فيها اهم الجوانب التي ممكن ان تقدم امام المقصود نشرع بها, وبشكل مختصر وقد حصرتها بثمان مقدمات
المقدمة الاولى : المؤلفوالصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين
م / مقدمات منهجية لدراسة علم المنطق
هذه مقدمات منهجية قبل الدخول لدراسة علم المنطق تناولت فيها اهم الجوانب التي ممكن ان تقدم امام المقصود نشرع بها, وبشكل مختصر وقد حصرتها بثمان مقدمات
وهو أرسطو طاليس الملقب بالمعلم الأول قال الشهرستاني وهو نيقوماخورس من اهل اسطاخرا فلما بلغ سبع عشر سنة اسلمه ابوه الى افلاطون فمكث عنده نيفا وعشرين سنة ,وانما سموه بالمعلم الاول لانه واضع التعليم المنطقي ومخرجها من القوة الى الفعل ,وقد جاء في الاثر انه كان نبيا من الانبياء جهله قومه جاء في كتاب محبوب القلوب للديلمي حيث قال : يروي ان عمر بن العاص قدم مدينة الاسكندرية على سيدنا محمد ص فسأله عما راى ؟ فقال رأيت قوما يتطلسون ويجتمعون حلقا ويذكرون رجلا يقال له ارسطو طاليس لعنه الله ,فقال صلوات الله عليه وعلى اله : مه ياعمر ان ارسطا طاليس كان نبيا فجهله قومه ,وهذا ان كثيرا من العلماء عظموا ارسطو تعظيما لا لاحد له كالشيخ الرئيس بن سينا وابن مسكويه وابن خلدون .
المقدمة الثانية : لمحة تأريخية عن علم المنطق , وسبب تأليفه
جاء في شرح المنظومة للسبزواري بتعليقة الاستاذ حسن زادة املي ...ميراث ذي القرنين إسكندر قد كان جارا في القديم على السنة الحكماء ان المنطق ميراث ذي القرنين حتى لقب به [ اي حتى لقب المنطق انه ميراث ذي القرنين] وقد بذل لمؤلفه خمسمائة دينار وادّر عليه كل سنة مائة وعشرين الف دينار[1] .
اما سبب تأليفه ووضعه قيل انه حصل نزاع في تلك الحقبة من الزمن على استرداد الحقوق من الملكية وغيرها ,وهو امر قد يحصل في جميع بلدان العالم بسسب الاستبداد وضياع الحقوق فكانوا يعانون من عقدة حل النزاع وما هو المعيار الاساسي ليكون الميزان لحل تلك الخصوم ,وحيث كانوا الناس انذاك يرون ان الحق مايرونه حقا فان الصدق قد يكون قبيحا لو كان لا يجدي في رد حق المظلوم من الظالم وقد يكون الكذب حسن اذا كان الانسب في رد الحقوق فتتبع القوانين انذاك منصاع الى الاهواء الشخصية وليس من الضروري ان يكون الحق حقا او الظلم ظلما ,ومن هنا كثرت واشتهرت مهنة المحاماة فيكون المحامي مدافعا عن الوكيل في كسب الدعوى ولو كان ظالما ! فكانوا يعلمون ابنائهم هذه المهنة لكسب المال و ان كان يجني الحقوق الباطلة ,والجدير بالذكر نحن نعاني الى الان من هذا الضياع ... فلما كان والحال هذه برز علم المنطق في تلك الفترة ليندد بأن المنطق السليم المودوع في فطرة الانسان لا يعتريه التبديل والتغيير ,لان الحق حق والباطل باطلا والتغيير الاهوائي باطل بالوجدان فكان علم المنطق هادف الى تحقيق القانون الحقيقي الواقعي الذي كان يفتقر اليه الانسان بصورة عامة الى يومنا هذا ,ومن هنا ندرك أهمية هذا العلم وسبب الركون إليه ,وسيأتي ان شاء الله تعالى شيء من التفصيل حول أهميته في طي هذه المقدمات .
المقدمة الثالثة : هل لعلم المنطق موضوع ؟
في هذه المقدمة نحاول ان نبين الاراء المتوخاة في احتياج العلم الى موضوع او عدم احتياجها ومنشأ سبب الاختلاف في ذلك تضاربت الاراء حول هذه المسالة حيث ادى البعض ضرورة وجود موضوع لكل علم ,ويقف الصنف الثاني مقابلا لهذا الاتجاه ويقول بعدم ضرورة ووجوب ان يكون لكل علم موضوع ,ومن قال لا هذا ولا ذاك بل البعض دون الاخر اذا الاتجاهات ثلاثة حول هذا الامر , وسبب اختلافهم في ذلك يتمحور بخمس امور نذكرها اجمالا :
الاول : ماهي نسبة محمول العلم الى موضوعه وكون النسبة بينهما ضرورية ام ذاتية
الثاني : البحث عن العرض الذاتي والمقصود من الذاتي هل هو الذاتي في باب الكليات الخمسة ام في كتاب البرهان ؟
الثالث : البحث عن تمايز العلوم حيث اختلف القوم في كون هذا التمايز يحصل بالموضوعات ام بالاغراض والغايات ؟
الرابع : البحث في المنهج في تحقيق مسائل كل علم وكون هذا المنهج واحدا او متعددا؟
الخامس : البحث عن النسبة بين موضوع العلم وموضوع المسالة وهل هي نسبة الكل الى الجزء أو نسبة الكلي الى الجزئي ؟ وهل المراد من الكلي الطبيعي ام المنطقي ؟
هذه هي أهم الابحاث التي دام الغوص فيها من قبل الإعلام وكانت نتيجة لاختلافاتهم .
الاتجاه الاول : وهو القائل بضرورة موضوع لكل علم إي مطلق العلم وهذا الاتجاه هو المشهور في المائة سنة الأخيرة , لأنه قبل صاحب الكفاية لم تكن هذه الابحاث مطروحة .
الاتجاه الثاني : وهو القائل بالسلب الكلي ,بمعنى انه لا دليل على ان لكل علم موضوعا ينفرد به بل الدليل قائم على خلاف ذلك بل ان عددا من العلوم يستحيل وجود موضوع لها كعلم اصول الفقه ففي باب الصوم مثلا هنالك تروك اي امور عدمية وفي الصلاة هنالك أفعال وجودية وأين الجامع بين الوجود والعدم مع كون الصلاة والصوم من موضوعات علم الفقه , وإذا كانت الفلسفة عاجزة عن الجمع بين الوجود والعدم فهل سيقدر على ذلك علم الفقه على ذلك ,فتأمل جيدا .
الاتجاه الثالث : وهو المخالف لكلا الاتجاهين حيث لا يعتقد بالموجبة الكلية ولا بالسالبة الكلية ,وقال صاحب هذا المسلك بضرورة النظر الى طبيعة العلم والى طبيعة اقسام العلوم ,وبتعبير اخر ان بعض المحمولات التي تنسب الى موضوعاتها يشترط فيها ان تكون أمر واحدا والبعض الأخر لا يجب والسبب في هذا المسلك هو ان الإيمان بتمايز العلوم بالموضوعات قائم على العرض الذاتي ,والبعض الأخر لا يشترط فيها العرض الذاتي بل كل ما يحصل الغرض فهي ليست علوم بالمعنى الاصطلاحي اقصد ليست حقيقة ,كعلم الفقه وأصوله وعلوم اللغة وغيرها من العلوم الاعتبارية ,واما العلوم الحقيقة كعلم الفلسفة والمنطق فلا بد لها من موضوع[2] .
هذا هو مجمل الكلام في هذا الاتجاهات الثلاثة ,تاركين الأدلة المعتمدة لكل اتجاه والمناقشات التي قد ترد عليها خشية الإطالة .
المقدمة الرابعة : لو آمنا ان للمنطق موضوع فما هو موضوع علم المنطق ؟
اختلف القوم في تحديد هذا المفهوم كأختلافهم في احتياج كل علم الى موضوع او لا ,حيث ذهب بعضهم إلا ان موضوعه الألفاظ وهو غلط والبعض اعتبر موضوعه المعرف والحجة ,والبعض قال المعقولات الثانوية المنطقية ,ان ماسجله العلامة الحلي في كتابه الاسرار الخفية في العلوم العقلية , ثلاثة أراء في هذا المضمار قال رحمه الله تعالى : ( ثم الاشياء قد يكون فيها تأليف والعلم بالمؤلف مسبوق بالعلم بمفرداته لا من كل وجه بل من الوجه الذي لأجله يصلح ان يقع فيها التركيب والتأليف وكذلك المنطق ليس نظرا في المفردات من حيث هي ماهيات ولا أيضا من حيث هي على احد نحوي الوجود :العيني أو الذهني بل من حيث هي محمولات وموضوعات وكليات وجزئيات وغير ذلك , وهذه اللواحق إنما تلحق الماهية عند لحوظ كونها في التصور ,فانه ليس في الموجودات الخارجية ذاتية ولا عرضية ولا كون الشيء موضوعا ومحمولا ولا مقدمة ولا قياسا ,بل هذه تلحق الماهية إذا قيست الى الوجود الذهني...) ثم قال أيضا : فإذن الامور الذهنية إذا لحظت ـ لا من حيث تقاس الى أمر خارجي ,بل من حيث إنها توصل الى إدراك مجهول ,أو تنفع في الوصول إليه ـ كانت هي من تلك الحيثية موضوع المنطق فإذن موضوعه هي المعقولات الثانية من حيث يمكن ان يتأدى بواسطتها من المعلومات الى المجهولات .
ثم ذكر رحمه الله تعالى القول ان موضوعه هو الألفاظ قائلا : ( وقد ظن بعض الناس ان موضوعه الألفاظ وهو خطأ فاحش فان نظر المنطقي في اللفظ ليس بالقصد الاول فانه لو أمكنه إيصال ما في ذهنه الى الغير لا بواسطة اللفظ لاستغنى عن اللفظ مطلقا) .
ثم قال عن الرأي الثالث قائلا : ( وظن المتأخرون ان موضوعه هو التصور والتصديق , لان المنطقي ناظر في الموصل إليهما كالقول الشارح والحجة وفيما يتوقف عليه الموصلان كالجنسية والفصلية والذاتية والعرضية والموضوعية والمحمولية والقضية والعكس ـ وهذه امور عارضة للمعلومات التصورية والتصديقية فيكون ذلك هو الموضوع ) .
ثم يستدل العلامة رحمه الله تعالى على بطلان هذا الاتجاه قائلا : ( وهذا أيضا خطأ لأنهم ان عنوا بالتصورات والتصديقات جميع ما يقع عليه هذا الاسمان فهو جميع العلوم فيبقى المفهوم منه ان موضوع المنطق هو جميع العلوم بأسرها وهو فاسد , وان عنوا بهما مدلوليهما من حيث هي تصورات وتصديقات فهو خطأ أيضا , لان المنطقي باحث عن الموصل الى التصور والتصديق والموصل الى التصور والتصديق لا يجوز ان يكون هو التصور من حيث هو تصور والتصديق من حيث هو تصديق , لان الشيء لا يوصل الى نفسه[3]).
المقدمة الخامسة : ما هي فائدة علم المنطق ؟
في هذه المقدمة نسلط الضوء على أمر بغاية الأهمية ,وهو بيان الغاية التي يهدف اليها علم المنطق والثمرة التي يتوخاها في سائر أبحاثه ,وفي بيان الغاية ووجه الحاجة اليها سنعرض ثلاثة صياغات للغاية التي يرمي اليها علم المنطق .
الصياغة الاولى : وهي للعلامة الحلي ره قال في بيان هذا الصدد: (لما كانت النفس الانسانية في أول فطرتها خالية من جميع العلوم التصورية والتصديقية وكان استكمالها هو بتحصيلها من جانبي العلم والعمل ـ والبديهية قاصرة عن تحصيل ذلك ـ وكان أكثر هذا إنما يستفاد من الاكتساب الذي لا يؤمن معه من وقوع الغلط فان أكثر الناس يعرض لهم الغلط في أفكارهم أعطيت النفس آلة ـ هي الحس تقوى بها على تحصيل تصورات ومناسبات بينها إيجابية وسلبية , وهذه الآلة غير كافية أيضا , فلابد من آلة اخرى يؤمن معها وقوع الغلط فكانت الاولى مفيدة في تحصيل العلوم الأولية ,وهذه مفيدة في تحصيل العلوم النظرية التي هي سبب الكمال ,وهذه الآلة هي المنطق ,ورسم بأنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر[4]) .
الصياغة الثانية : ما جاءت في شرح المنظومة للحكيم السبزواري بتعليقة الاستاذ حسن زادة آملي قائلا: ( قد دريت ان المعقولات الثانية هي العوارض التي تلحق المعقولات الاولى التي هي حقائق الموجودات واحكامها المعقولة ,فسميت الثانية بالنسبة الى الاولى المقدمة عليها في الذهن من حيث ان الثانية عارضة عليها ...واعلم ان موضوع علم المنطق هو المعقولات الثانية المستندة الى المعقولات الاولى من حيث يتوصل بها الى مجهول . وشرح ذلك ان للشيء معقولات اول كالجسم والحيوان وما أشبهها و معقولات ثانية تستند الى هذه وهي كون هذه الاشياء كلية وجزئية وشخصية ,والنظر في إثبات هذه المعقولات الثانية يتعلق بعلم ما بعد الطبيعة ,وهي موضوعة لعلم المنطق ...بشرط آخر ,وهو ان يتوصل منها من معلوم الى مجهول [ اي من هذا الشرط لا مطلقا[5]] واثبات هذه الشرطية يتعلق بعلم ما بعد الطبيعة وهو ان تعلم ان الكلي قد يكون جنسا وقد يكون فصلا وقد يكون نوعا وقد يكون خاصة وقد يكون عرضا عاما فاذا اثبت في علم ما بعد الطبيعة الكلي الجنسي والكلي النوعي صار الكل حينئذ بهذا الشرط موضوعا لعلم المنطق ثم ما يعرض للكلي بعد ذلك من لوازمها واعراضها الذاتية يثبت في علم المنطق ,وللجهات ايضا شرائط تصير بها المعقولات الثانية موضوعة لعلم المنطق,وهو ان تعلم ان الكلي قد يكون واجبا او مطلقا او ممكنا فقد يصير بذلك الكلي موضوعا لعلم المنطق ... فالمعقولات الثانية اعني الكليات الجنسية والنوعية والفصلية والعرضية والخاصية ينتفع بها في التصور والواجبة والممكنة وغيرها ينتفع بها التصديق فهذه الكليات لا على الاطلاق بل على هذه الصفة وهي من حيث يتوصل بها من معلوم الى مجهول هي موضوع علم المنطق ...ومثال ذلك الصوت المطلق لا ينتفع به في علم الموسيقى , بل الصوت من حيث يقبل التأليف هو موضوع الموسيقى فالمعقولات الثانية على نوعين : مطلقة ومشروطة بشرط ما , وتصير بذلك الشرط موضوعا لعلم المنطق ,هذا التحقيق الانيق في موضوع علم المنطق هو ما افاده الشيخ الرئيس في التعليقات[6]) .
الصياغة الثالثة : جاء في شرح كتاب المنطق تقريرات لدروس الاستاذ السيد الحيدري قائلا : ((ان الانسان عندما يولد يكون خاليا من اي كمال وليس له سوى الاستعداد لتحصيل الكمال وان الله سبحانه وتعالى لما خلق الانسان خلقه مفطورا على حب الكمال وباحثا عنه ...ومعنى حب الانسان للكمال انه يريد ويحب الاشياء التي تلائم ذاته وينفر عن الاشياء التي تتنافر مع ذاته ومن الواضح ان الانسان لما خلق لم يكن واجدا لاي كمال سوى ذلك الاستعداد كما اشرنا والا لما ساغ لكل انسان ان يبحث عما فيه كمال نفسه وسمو روحه ...فالانسان فاقد للكمالات وان كان مفطورا على حبها ومستعدا لحملها او كان يملك بعضها ,ومنها البحث عن الكمال فرارا عن النقص الموجود فيه ولذا كان حب الاطلاع من الامور الغريزية المودوعة في كل انسان والتي منشأها ذلك الامر الفطري (حب الكمال) ...فان كل انسان يحب ان يطلع ليعرف ان ما اطلع عليه مفيد لكماله فيطلبه ويحصله او لا يفيد كماله بل يؤدي الى نقصه فيتجنبه ويهرب منه ؟
من الواضح ان الجواب هو الثاني وهو : ان الانسان كشف له بعض الامور التي يحتاج اليها كأداة اولية للبحث عن المجهول ولكن اكثر الامورـ ان لم نقل الغالب منها ـ مجهولة لديه واذا كانت كذلك وكان لديه حب الاطلاع الناشىء من حب الكمال فانه يريد ان يتعرف على تلك المجهولات ويكون طالبا للكشف عن ذلك المجهول بمقدار ما عنده من المعلومات التي هي راس ماله لتحصيل المعلومات النظرية ...ان هذه المعلومات ليست اكتسابية بل هي من الامور البديهية والضرورية التي تعتبر ادوات اولية للانسان الباحث عن المجهول وهي من مميزاته التي يستطيع من خلالها التوصل الى الكشف عن المجهول وهي خاصة التفكير او خاصة الفكر التي يمتاز بها عن سائر الحيوانات فأننا لا نعلم ان الحيوانات ايضا عندها قدرة الكشف عن المجهولات او ليس لها القدرة على ذلك ...اذن فلابد من الوقوف على ذلك النشاط الذهني المسمى بالفكر...).
ماهو الفكر ؟
الفكر هو ترتيب امور معلومة للوصول الى امور غائبة مجهولة ..ولدى ترتيب تلك الامور المعلومة في العقل عند مواجهة المجهول يطلق عليها عملية التفكير او الاستدلال ,ولدى ترتيب المعلومات وعند مواجهة المجهول يبرز سؤالان
السؤال الأول : ان ترتيب المعلومات التي يتوصل الانسان بها الى معرفة المجهول أيكون بأي نحو اتفق , أم لابد ان يكون بنحو خاص ؟
السؤال الثاني : أية معلومات يمكن ان يكون بينها وبين المجهول ارتباط خاص ؟
وتقدم ان الانسان يمتلك بعض المعلومات فان أراد التوصل بها الى معرفة المجهول الذي يواجهه فعليه ترتيبها بنحو خاص وإلا فلا يتمكن من معرفة المجهول .
وللتوضيح نضرب مثلاً فنقول : إذا قال الشخص : سقراط عالم وسقراط انسان فانه لا ينتج كل ان سان عالم لان النتيجة التي توصل اليها هي من الاشتباه في ترتيب المادة الأولية (المعلومات) الصالحة للاستدلال فان سقراط علم وإنسان في الواقع ,لكن ترتيب المادة كان خطأ فلا يعطي النتيجة المطلوبة , ثم انه قد لا يخطئ الذهن في الترتيب بل يخطئ في المادة نفسها كما إذا قال في صورة القياس :سقراط انسان وكل إنسان ظالم فسقراط ظالم فان الكبرى الكلية كاذبة قطعا وان صدقت الجزئية ,اعني بعض الانسان ظالم .إذن قد يخطئ الفكر الإنساني في الهيئة مع كون المادة صحيحة وقد يخطئ في المادة مع كون الهيئة صحيحة وقد يخطىء فيهما معا[7])) .
المقدمة السادسة : في تقسيم أبواب علم المنطق
وهنا يقع الكلام في تقسيم أبواب علم المنطق من باب التصور الى نهاية القسم الثالث منه جاء في كتاب الئالي المنتظمة وشرحها : ( ... احدها باب فيهبحث عن الموصل للتصور وهو باب الحدود والرسوم قد جي ,وثانيها باب المقدمات للموصل التصوري هو ايساغوجي باليونانية أي باب الكليات الخمسومبدأ الموصل تصديقا رُعي أي ثالثها باب مقدمة الموصل التصديقي وهو باب القضايا ... ورابعها باب القياس , لان البحث عن نفس الموصل التصديقي إما من حيث الصورة وصوري بحث الموصل التصديقي قياس واما من حيث المادة وبالبحث عن مدته مخفف مادته الباب قُسم أي يصير باب البحث عن الموصل التصديقي من حيث المادة مقسما لخمسة أبواب وبإسم خمس من صناعات وُسم كباب البرهان وباب الخطابة ـ الى آخره ـ فصار الجميع تسعة أبواب[8])
أقول : الأبواب كالتالي
1 البحث عن الموصل الى التصور
2 باب المقدمات وهو باب ايساغوجي
3 باب القضايا
4 باب القياس
5 الصناعات الخمسة لكل صناعة باب فصار المجموع تسعة أبواب .
المقدمة السابعة : في الدليل على ان علم المنطق هو المصحح للفكر من بين سائر العلوم .
في هذه المقدمة نتعرض الى الدليل على ان علم المنطق هو من يصحح الفكر من بين سائر العلوم ,إلا أنا سوف نتعرض في هذه المقدمة الى أمرين رئيسيين
الأول : الدليل على حصول الخطأ في الذهن
الثاني : الدليل على ان علم المنطق هو الذي يصحح الخطأ
اما أولا : فهو موقوف على مقدمات ,الاولى ان العلم ينقسم الى تصور والى تصديق ,الثانية أنا نجد بالوجدان ان التصديق يقع فيه الخطأ , فإذن احتاجت النفس الى من يصحح فكرها ,وذلك هو علم المنطق .
واما ثانيا : فانه ثابت بالاستقراء فانا استقرائنا جميع العلوم فلم نجد من به تلك الخاصية للنهوض في تقييم فكر الانسان إلا علم المنطق وحيث كان هو من سنخ الفكرـ أي علم ماوراء الطبيعة ,راجع المقدمة الخامسة في الصياغة الثانية من وجه الحاجة الى علم المنطق ـ فكان هو من يقَّوم الفكر الإنساني دون غيره من سائر العلوم .
المقدمة الثامنة : في الموقف الشرعي من دراسة هذا العلم
قد عارض جماعة من علماء الإسلام في عصورهم المتقدمة ووقفوا أمام التيار الفلسفي واتخذوا موقفا حساسا اتجاهه لأسباب نذكر أهما ان شاء الله تعالى وكانوا يعتبرون أنفسهم علماء دين وتنضوي هذه المعارضة تحت الإفتاء الفقهي أو الموقف الشرعي اتجاه التيار الفلسفة بصورة عامة ,وكانت أرائهم بحرمة المنهج العقلي ,بل ووصل الحال الى ارتداد الفلاسفة وتكفيرهم ! ومن التيارات التي انتفضت تعارض التيار الفلسفي بجميع علومه أربعة :
1 التيار الكلامي الأشعري
2 التيار الإخباري عند الامامية
3 تيار العرفان والتصوف
4 التيار ألتفكيكي (المعرف بالمدرسة التفكيكية)
والذي يهمنا في هذه المقدمة ان نعرض على نحو الإجمال الأدلة المعارضة للفلسفة تاركين الغوص في هذه التيارات الفكرية لتتبع القارئ الكريم
ممكن ان نرصد في هذا المجال اهم الادلة التي نالت من الفلسفة حيث كان اهمها ثلاثة بصورة عامة من دون الخوض بالتفاصيل
الدليل الأول : سبيل القران والسنة ميسر وأكثر طمأنينة
ان المدعى هو ان جميع المواضيع والمسائل التي جعلتها الفلسفة بعهدتها موجودة ومطروحة في القران الكريم ,ولذا لا حاجة الى الفلسفة !
الجواب :
1 ان القران ليس كتابا فلسفيا فهي اي هذه الدعوى غير صادقة بنحو كلي
2 على فرض التسليم بتمامية هذا المدعى فان المسائل الفلسفة لو كانت تستخرج على شكل منظم وبترتيب يجعلها كعلم فهو أمر لا يعارضه القران الكريم
3 ان القران في اغلب آياته مجمل وليس جامعا لجميع العلوم إلا من حيث القواعد وإنا نلاحظ الجهد العقلي في انه كيف تصدى لكثير من الشبهات والدفاع عن العقيدة التي يصعب على القران تناولها من حيث انه كتاب إعجازي ومعقد من ناحية البنية العلمية .
الدليل الثاني: حرمة تعلم علوم الضلال
هذا هو أهم الأدلة المتركزة التي بها واجه كثير من علماء الإسلام وتخذوه ذريعة لتبرير عدم إنجاح الفلسفة والمساهمة في فهم الواقع , من كونه علم غربي
ان الحرمة لا أساس لها أبدا حيث رفض علم على أساس الخطابات والأهواء أمر مرفوض ,نعم نحن لاندعي ان جميع ما جاءت به الفلاسفة هو امر متطابق مع القران الكريم ,لكن هذا لا يعني ان يكون الموقف بنحو السلب الكلي ,فما هو وجه معارضة العقل مع الدين وهو الحاث في أكثر من ثلاثة مئة أية على التفكر والتدبر .
الدليل الثالث : حرمة اخذ العلوم من غير اهل البيت عليهم السلام
وهذا الدليل لاقى رواجا عند المدرسة الاخبارية والمدرسة التفكيكية في فهم النص الديني ,ان هذا الاتجاه يرى ان الفلسفة عندما دخلت الوسط الإسلامي وترجمت الكتب اليونانية الى العربية ضلت على أساسها الفكري ولم يعتريه التبديل او التهذيب ,وهو اشتباه حيث ان الفلسفة لبست اثوابا جديدة ويكفينا ان يكون شاهدا على ما احدثته التغييرات الحديثة في عصر الملا صدرا صاحب مدرسة الحكمة المتعالية ,فهي لم تبقى على حلتها الاولى منذ عصر العباسسين الى يومنا هذا نتيجة وسع الفكر البشري نحو الانجذاب الى الواقع .
نعم هنالك روايات من اهل البيت ع اعتمدها الخصم كرادع صد عن تعلم هذا العلم حيث جاءت روايات ناهية او تذم الفلاسفة بشكل صريح مما يشكل جانب معارض اتجاه الفلاسفة ,بل وقسم منها تحصر العلم باهل البيت ع دون غيرهم .
وفي مقام الجواب نقول :
1 ان الروايات التي صدرت في ذم الفلاسفة كانت ترمي الى البعض وليس الكل بأن ذهبوا بغير طريقة أهل البيت ع وذهبوا الى اهوائهم ,ومن هذا المنطلق لا يصح التعميم او التمسك بعموم الادلة اذ ما من عام الا وله خاص وما من مطلق الا وله مقيد .
2 إما حصرية العلم باهل البيت ع دون الأخذ من غيرهم ,فهي تفيد ان العلم لابد من رجوعه إليهم ,وكونهم أبواب الله مطلقا فهي تفيد الى ان سائر العلوم من علومهم ويجب رجوع الجميع الى علمهم عليهم السلام .
3 ان اغلب الروايات التي تذم الفلاسفة كانت تذم منتحلي الفلسفة (المتفلسفين) الذين يدعونها زورا وبهتانا , ولا يمكن بأي حال ان نعمم هذا الحكم الى الجميع[9] .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] شرح المنظومة للسبزواري بتحقيق الاستاذ حسن زادة آملي , منتقول بتصرف
[2] راجع حول هذا الموضوع كتاب : مقدمات منهجية في علم اصول الفقه ,للسيد كمال الحيدري
[3] الاسرار الخفية في العلوم العقلية : للعلامة الحلي ,ط الثانية ص 10 و11
[4] المصدر نفسه ص 7
[5] العبارة التي بين الاقواس ليست من الكتاب
[6] شرح المنظومة قسم المنطق المسمى :اللئالي المنتظمة وشرحها, تعليق حسن زادة آملي , ط الاولى
[7] شرح كتاب المنطق للشيخ المظفر :تقريرا لدروس الاستاذ السيد الحيدري / ج1
[8] الئالي المنتظمة وشرحها بتعليقة الاستاذ حسن زادة أملي ,وقد مر .
[9] للوقوف على هذا التيارات الاربعة الانفة الذكر وغوض التفاصيل بسائر ادلتهم المعارضة, راجع كتاب :الفلسفة بحث فقهي في دراسة الفلسفة , تأليف: علي رضا أعرافي