اشار ممثل المرجعية الدينية العليا في الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بتاريخ (27/10/2017م) إلى المناسبات الدينية المهمة في شهر صفر التي منها شهادة الامام الحسن عليه السلام والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله واحداث ما بعد واقعة الطف التي تحمل اعبائها الامام السجاد عليه السلام وكيفية الاستفادة من الدروس والعبر من حياة الامام السجاد عليه السلام الذي عاصر فترة خنوع الامة بسبب السلطة الحاكمة آنذاك وكيف عالج الامام ذلك.
فقال السيد احمد الصافي "ان ادعية الإمام السجاد عليه السلام هي ثمرة يانعة من ثمار واقعة الطف إذ أن الطريقة التي بينها الامام عليه السلام بعد شهادة ابيه هو الاهتمام الكبير في تربية الامة وإيقاضها من غفلتها وتركيز تلك المعارف الإلهية في جسد هذه الامة، فبعد شهادة الامام الحسين عليه السلام أصاب الأمة نوع من الخنوع والشعور بانها فقدت ارادتها، والامة اذا فقدت ارادتها لا تستطيع ان تدافع عن نفسها ولا تستطيع أن تتعاطى مع الأهداف تعاطي بناء، وانما تعيش مستسلمة لما أصابها، وسيأتي من يتحكم بها ويحاول ان يسومها الأمرين."
وأكمل "لذلك لا بد على المصلح ان يبحث عن الوسائل الناجعة والنافعة سواء كانت الأمة خانعة تحت سيف أو سلطان جائر أو فقر أو جهل، نعم قد يكون الخنوع تحت الجهل من اخطر الموارد، فالإنسان اذا كان جاهلاً يسهل قياده للذي يريد ان يتصرف بقلبه، ولذلك قد تكون هناك اطروحات للظلمة مبنية على سياسة التجهيل، وهي: على الانسان ان يبقى جاهلا، او يؤتى له ببعض المسائل الشبيهة بالمسائل العلمية وهي ليست من العلم؛ لغرض تسهيل انقياده، لذلك كانت المسألة على الامام السجاد مسألة شاقة؛ لان الانسان الذي تربى وتعود على شيء من قبل امة يكبر على باطل وينمو على اعوجاج، ومن الصعب جدا ان تتكلم معه لتبعده عن خطأه".
وأوضح قضية وقعت في الأيام التي كانت بين محرم وصفر "كان هنالك رجل اسمه- سهل بن سعد الساعدي كان يتحدث عن حالة احتفال وحالة زينة وحالة عيد –في الشام- و معنى ذلك ان الشوارع والازقة والجند والناس والحشم والخدم تتهيأ لأن تحتفل، فبعضهم لا يعرف ما هو هذا العيد لكن لمجرد أن السلطان أمر به الناس خرجوا – فالناس لا تعرف من دينها إلا من خلال ما قال لهم السلطان، وكان هذا سهل الساعدي عنده خلفية ثقافية جيدة حاول ان يستكشف بمعرفته ان هذه المسألة فيها خطورة كبيرة وهي ان الامام الحسين عليه السلام واخوته واهل بيته تهدى رؤوسهم الى مركز السلطة في الشام والناس يفرحون، فماذا كان يظن هؤلاء؟ قطعا كانوا يظنون ان هذا رجل خرج على الخليفة والخليفة انتصر الله له وانهم يشكرون الله تعالى لنصرته..."
وذكر رواية نقلها المؤرخون وهي "أن شخص يقول ذهبت الى مناطق الشام في تلك الفترة -بعد فترة من شهادة الامام الحسين عليه السلام- والشام تربت على شيء لا يرتبط بأمير المؤمنين عليه السلام اطلاقاً، ولم اسمع بأسماء لها علاقة بعلي والحسن، فيقول الى ان مررت بشيخ جلست عنده لحاجة، فقال له الشيخ سأنادي لك ولدي، فنادى يا علي، فيقول استغربت، فنادى يا حسن يا حسين، استغربت ما الامر اسمع أسماء لم اسمعها، قال الشيخ نعم هذه أسماء لبعض الخارجين عن الملة والدين انا اسميتهم بها خوفاً من ان يعتدوا على الجار فيشتمهم حتى اذا شتمهم يشتم أناس خارجيين..."
ثم بين "أن الامام السجاد عليه السلام في مواجهة هذا الانحلال بذل جهداً كبيراً ليضخ تلك المعارف، فالصحيفة السجادية تأريخها مهم للذي يدقق في طبيعة وطريقة المعارف التي ألقيت، بإعتبار أن هذا العمل لم يكن علنياً، لكن الامام عليه السلام هو المسؤول الأول، فنهض بأعباء ثقيلة وتفاعل معها الى ان الله تبارك وتعالى جعل هذه الصحيفة السجادية المباركة هي مدرسة لحالها، والمعارف تنبع منها كنبع الماء ولا تنضب..."
ودعا إلى التأمل في مقطع من دعاء الأمام السجاد عليه السلام عند الشدة (اللهم انك كلفتني من نفسي ما انت املك به مني وقدرتك علي وعليه اغلب من قدرتي)... "لا شك ولا ريب ان الله تعالى اعطانا بعض الأفعال والصلاحية والقابلية بحيث نكون نحن مسؤولين عن الفعل وينسب الفعل لنا، والله يحاسبنا على ما عملنا، فالإنسان المؤمن يرى ان الله بعد ان سخر له هذه الأدوات وهو مختار في بعضها ان الوجود كله لولا الله لما كان؛ لان هذا خلق والله هو المسؤول عنه، فمآل امري الى الخالق، فالله متفضل علي دائماً، فأي فعل افعله انا مسؤول عنه لكن عندما اتأمل أقول ان الله تعالى هو الذي وفقني وارشدني لأنه اعطاني عينا واذنا، -فبين الامام عليه السلام في دعائه- أن واقع القضية انني بعملي مملوك لك..."
وأوضح ممثل المرجعية الدينية "أن هذا المطلب عندما يمس شغاف القلب كيف ستكون طريقتنا في الدعاء، فالإنسان عندما يتأمل في الدعاء بهذه الطريقة سيكون الدعاء شيء اخر؛ لان الله تعالى حاضراً عنده دائما، وان الله يُمَكن للعبد ان يستفيد من زمانه ومكانه في ان يتقرب اليه، ففي الحديث (ان الله أولى بحسنات العبد منه) لان الله هو مسبب الأسباب مع ان الله هو صاحب الفضل والانعام وقديم الاحسان...، والامام السجاد في هذا الدعاء يريد ان يقر امراً مهماً وهو ان الله تعالى املك وهو المالك، فلابد ان نعمل وفق ما بينه الله تعالى واراده..."
وأردف السيد الصافي "عندما يبين الامام السجاد ذلك ليس امرا هينا مع التقاطعات الكثيرة جدا التي واجهها سلام الله عليه، فحفنة هائلة من الروايات والاحاديث مكذوبة نمت عليها الناس من باب السذاجة ومن باب الثقة واذا نما بشكل معوج كيف يستقيم... فالإمام زين العابدين عليه السلام يتعامل مع قضية التكليف يقول عليه السلام (كلفتني من نفسي ما انت املك به مني) وهذا عندما يقوله الامام يقول لفلان تعلم كيف تقرأ وتدعوا الله..."
وبين سماحته أهمية قوله عليه السلام (وقدرتك عليه اغلب من قدرتي) "كثير الان من عوام الناس لديهم حالة من ردة الفعل، لماذا لا ينتقم الله من كذا، مثلا تشاجر مع احد لماذا ينتقم الله منه، الا يعلم الله ان هذا باطل وفعل هذا باطل واكل الأموال، هذه الحالة كأنها تستبطن اعتراضا؛ لان الملامة لا تأتي الا في حال خلاف ما هو مفترض فيعترض الله -والعياذ بالله – هو لا يعلم او يعلم لكن يتغافل ان قدرة الله تعالى لا يحدها شيء، فالإمام يبين ان هذه القدرة هي دائما موجودة فالله لا يحبس...، نعم الله لا يفعل مثلما نحن نريد لأننا لانفهم لا نعقل لا نعرف لا نقدر المصلحة..."
واختتم السيد الصافي خطبته بقصة قصيرة "أن النبي داوود عليه السلام عاصر امرأة فقيرة ليس لها والي وعندها صبية، هذه المرأة تنسج وتبيع، وفي بعض الأيام نسجت نسيجاً لتبيعه فجاء غراب واخذ هذا الغزل وطار فلم يبقى عندها شيء فذهبت الى النبي داوود عليه السلام، فقالت له: يا نبي الله اليس الله عادلا قال: بلا، قالت: فإني مررت بكذا وكذا اين عدل الله في هذا، اطرق داوود عليه السلام وفي هذه الاثناء دخل شخص، فقال: هنالك ثلاث افراد يستأذنوك فإذن له، فقال لهم: ما الخبر، فقالوا: نحن في مركب وهذا المركب انثقب ثقبا وهذا الماء بدء يصعد فكلٌ منا نذر نذراً ان انجانا الله لنتصدقن بهذا الذهب وفي هذا الاثناء جاء غراب ورمى هذا الكورة وسددنا هذا الثقب وسلمنا، وانت هذا الذهب ضعه حيث تشاء، فقال: هذا عدل الله".
إبراهيم السنجري
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
تعليق