بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إنّ غيبة المهدي سلام الله عليه وظهوره كموت الخليقة وحشرها أمرٌ قدّره الله سبحانه وتعالى ـ حسب رأينا نحن الإمامية الاثنا عشريّة ـ ولم يستشر فيه أحداً ولم يوكّل أمره إلى أحّد غيره.
يعني أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق قدّر لهم النشأة الأولى هذه ، وقدّر لهم النشأة الأخرى ، شئنا أم أبينا ، كنّا في رضىً من ذلك أم كرهناه ، وذلك لحبنا لهذه العاجلة ، أو مع الأسف الشديد لأننا أسأنا العمل فنكره المواجهة مع آثام العمل وآثاره.
إنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للخلق أن تكون لهم نشأتان : نشأة في حياتهم الدنيا ، ونشأة أخرى في حياتهم الأخرى ، وهكذا أيضاً قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون عدد أوليائه إثني عشر ، لا يزيدون واحداً ولا ينقصون واحداً ، وقدّر لهذا الثاني عشر أن يغيب من بيننا وهو حي وأن يظهر في الزمن الذي اختاره الله سبحانه وتعالى بحكمته وقدّره بعلمه ، شئنا أم أبينا.
وأعني أنّنا لسنا مختارين ، ولم يجعل الله سبحانه خياراً لنا في أن نحيا ونحشر بعد أن نموت ، بحيث أنّنا إذا وجدنا في حياتنا الأخرى تلك منشأ لذّة أحببنا الحياة ، وإن وجدنا فيها آثاماً وسوء نتائج لسوء أعمالنا في هذه الحياة اخترنا أن يكون موتنا موتاً دائماً.
والذين قرأوا جداول أبي ماضي يعلمون بأن شبهة المعاد عنده أساسها هذه ، هذه الشبهة لو أردنا أن ننظر إليها من ناحية تندّر وظَرَفْ ، لابدّ وأنكم سمعتم أن هناك من يتندر فيقول : بأن الجوزة إن كان لابدّ لها من حامل ولا يكون إلّا شجرة باسقة سامقة كبيرة طويلة العمر ، فكيف بالبطيخة ، البطيخة لابدّ أن تكون شجرتها أكبر من شجرة الجوزة ، مع العلم بأن هذا تندّر أو تغفّل أو شيء آخر أسوء من هذين ، لماذا ؟ لأننا واجهنا في الحياة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للجوزة أن تكون ثمرة لشجرة باسقة ، وأن لا يكون للبطيخ إلّا هرش صغير.
فالعالم هو الذي يأخذ الحقائق كما هي ثم يستعين بها في حياته ، يعني بحيث أننا لو أردنا أن نستحصل الجوزة علينا أن نهيء أو نغرس شجرتها وننتظر وقد يكون انتظارنا يستمر سنين إلى أن نحصل على الثمرة ، وإذا أردنا أن نحصل على البطيخة ، فالبطيخة أهون بكثير في استحصالها من حيث الزمن ومن حيث الغرس ومن حيث العناية بالغرس ، وأسهل بكثير من الجوزة وشجرتها.
حقائق الحياة لا نملكها نحن ولا يملكها إلّا الله سبحانه وهو الذي قدّرها واستمرّ عليها ويستمر عليها لحكمته ، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
الإمام المهدي سلام الله عليه قدّر الله بحكمته أن يكون آخر الأئمة ، وأن يكون مهدي هذه الأمّة ، وأن يكون هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا فرق بين العبارتين ، إلّا ما يتخيّله الإنسان من أنّ كاف التشبيه قد تكون أهون من البعدية ، ولا فرق بين الأثنين بحسب الواقع ، وأنا أشير إلى مناقشات حصلت في الموضوع.
فالإمام المهدي سلام الله عليه إرادة الله في عالم الشريعة ، كما أنّ حشره سبحانه وتعالى لخلقه إرادته في عالم الخليقة والتكوين ، لا فرق بين الأثنين ، لم يستشر أحداً في الأولى أيّ في الحشر بعد الموت ، ولا يستشير أحداً في الثانية ، أيّ إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدّر أن يكون لهذه الأمّة مهدي يظهر في آخر الزمان ، وأن يكون من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومن ولد أمير المؤمنين عليه السلام والصديقة الكبرى سلام الله عليها ، وأن يكون من ولد الحسين عليه السلام ، « إنّ الله تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ... » (١).
وهذه حقيقة هامّة يجب أنْ لا نغفل عنها ، وهي أن إيماننا بالمهدي لا يرتبط بأنفسنا من ناحية ذاتية ، بحيث أني لو أحببت المهدي أؤمن به ، ولو لم أُحبّ لا أؤمن ، إيماني بالمهدي خضوع وتسليم لإرادة الله كإيماني بكلّ ما أراه من سنّة الله تبارك وتعالى في هذا الكون وسنّته في الخلق ، عليّ أن أنسجم وأن أجعل نفسي وحياتي ملائمة ومنسجمة مع سنّة الله ، سنن الله سبحانه وتعالى لا تكون بحيث يرضى بها أحد فتكون سنّة ويكرهها آخر فلا تكون سنّة بالنسبة إليه.
الهوامش
۱. الأمالي للطوسي ٣١٧ ج ٦٤٤.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إنّ غيبة المهدي سلام الله عليه وظهوره كموت الخليقة وحشرها أمرٌ قدّره الله سبحانه وتعالى ـ حسب رأينا نحن الإمامية الاثنا عشريّة ـ ولم يستشر فيه أحداً ولم يوكّل أمره إلى أحّد غيره.
يعني أن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق قدّر لهم النشأة الأولى هذه ، وقدّر لهم النشأة الأخرى ، شئنا أم أبينا ، كنّا في رضىً من ذلك أم كرهناه ، وذلك لحبنا لهذه العاجلة ، أو مع الأسف الشديد لأننا أسأنا العمل فنكره المواجهة مع آثام العمل وآثاره.
إنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للخلق أن تكون لهم نشأتان : نشأة في حياتهم الدنيا ، ونشأة أخرى في حياتهم الأخرى ، وهكذا أيضاً قدّر الله سبحانه وتعالى أن يكون عدد أوليائه إثني عشر ، لا يزيدون واحداً ولا ينقصون واحداً ، وقدّر لهذا الثاني عشر أن يغيب من بيننا وهو حي وأن يظهر في الزمن الذي اختاره الله سبحانه وتعالى بحكمته وقدّره بعلمه ، شئنا أم أبينا.
وأعني أنّنا لسنا مختارين ، ولم يجعل الله سبحانه خياراً لنا في أن نحيا ونحشر بعد أن نموت ، بحيث أنّنا إذا وجدنا في حياتنا الأخرى تلك منشأ لذّة أحببنا الحياة ، وإن وجدنا فيها آثاماً وسوء نتائج لسوء أعمالنا في هذه الحياة اخترنا أن يكون موتنا موتاً دائماً.
والذين قرأوا جداول أبي ماضي يعلمون بأن شبهة المعاد عنده أساسها هذه ، هذه الشبهة لو أردنا أن ننظر إليها من ناحية تندّر وظَرَفْ ، لابدّ وأنكم سمعتم أن هناك من يتندر فيقول : بأن الجوزة إن كان لابدّ لها من حامل ولا يكون إلّا شجرة باسقة سامقة كبيرة طويلة العمر ، فكيف بالبطيخة ، البطيخة لابدّ أن تكون شجرتها أكبر من شجرة الجوزة ، مع العلم بأن هذا تندّر أو تغفّل أو شيء آخر أسوء من هذين ، لماذا ؟ لأننا واجهنا في الحياة أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر للجوزة أن تكون ثمرة لشجرة باسقة ، وأن لا يكون للبطيخ إلّا هرش صغير.
فالعالم هو الذي يأخذ الحقائق كما هي ثم يستعين بها في حياته ، يعني بحيث أننا لو أردنا أن نستحصل الجوزة علينا أن نهيء أو نغرس شجرتها وننتظر وقد يكون انتظارنا يستمر سنين إلى أن نحصل على الثمرة ، وإذا أردنا أن نحصل على البطيخة ، فالبطيخة أهون بكثير في استحصالها من حيث الزمن ومن حيث الغرس ومن حيث العناية بالغرس ، وأسهل بكثير من الجوزة وشجرتها.
حقائق الحياة لا نملكها نحن ولا يملكها إلّا الله سبحانه وهو الذي قدّرها واستمرّ عليها ويستمر عليها لحكمته ، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً.
الإمام المهدي سلام الله عليه قدّر الله بحكمته أن يكون آخر الأئمة ، وأن يكون مهدي هذه الأمّة ، وأن يكون هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، ولا فرق بين العبارتين ، إلّا ما يتخيّله الإنسان من أنّ كاف التشبيه قد تكون أهون من البعدية ، ولا فرق بين الأثنين بحسب الواقع ، وأنا أشير إلى مناقشات حصلت في الموضوع.
فالإمام المهدي سلام الله عليه إرادة الله في عالم الشريعة ، كما أنّ حشره سبحانه وتعالى لخلقه إرادته في عالم الخليقة والتكوين ، لا فرق بين الأثنين ، لم يستشر أحداً في الأولى أيّ في الحشر بعد الموت ، ولا يستشير أحداً في الثانية ، أيّ إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي قدّر أن يكون لهذه الأمّة مهدي يظهر في آخر الزمان ، وأن يكون من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومن ولد أمير المؤمنين عليه السلام والصديقة الكبرى سلام الله عليها ، وأن يكون من ولد الحسين عليه السلام ، « إنّ الله تعالى عوّض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ... » (١).
وهذه حقيقة هامّة يجب أنْ لا نغفل عنها ، وهي أن إيماننا بالمهدي لا يرتبط بأنفسنا من ناحية ذاتية ، بحيث أني لو أحببت المهدي أؤمن به ، ولو لم أُحبّ لا أؤمن ، إيماني بالمهدي خضوع وتسليم لإرادة الله كإيماني بكلّ ما أراه من سنّة الله تبارك وتعالى في هذا الكون وسنّته في الخلق ، عليّ أن أنسجم وأن أجعل نفسي وحياتي ملائمة ومنسجمة مع سنّة الله ، سنن الله سبحانه وتعالى لا تكون بحيث يرضى بها أحد فتكون سنّة ويكرهها آخر فلا تكون سنّة بالنسبة إليه.
الهوامش
۱. الأمالي للطوسي ٣١٧ ج ٦٤٤.
تعليق