بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
من بين ثنايا مغرب الشمس، وكثبان الرزايا، أشرق موكب الاحزان، ولاح في الأفق خيطه الاسود، أرتفع على ابراج القدر، ليشرف على حضارة الرمال المقدسة، كلما هبت عليها رياح المجد، تسامت للعلا اعمدة الخلود، موكب أقسم ان لن يبرح الزمن، ويلاحق الذكريات، ويبقى شاخصا في التاريخ، ليكون قطب الاحداث، تدور حوله رحى المنعطفات، هو ليس فقط مثابة الوجود، بل هو صرح نوراني، شيدته قيم السماء، تحيط به هالة ملائكية، يحاكي الضمائر النقية، بصوت الحقيقة، والارادة الانسانية، موكب سائر على وقع الآيات البينات، وانين الحرائر المسبيات، يلفظ انفاس اللوعة واللهفة، يعبّد طريق الايمان، بخطى ثورية، وقودها نار الظلامة، ودموع الثكالى والايتام، موكب ناطق، يحكي فصول المأساة، و يؤرشف احزانها بصفحات حمراء، تبقى تلون مسارح الحياة، وفلسفة تفسر الوجود، جاء موكب الحق كأنه سفينة نوح، يحمل رؤوس العترة ، منائر بدلالة الاديان، وحقيقة يدركها وجدان الانسان، جاءت السفينة ليحول بريقها بين يقين البقاء وفناء الطوفان، لترسو على الجودي في الطف عند الابدان.
اشرقت شموس الاحزان على ثرى كربلاء، محنية بلا الوان ،حيث مواطن الفجيعة، شموس لم تعد كعهدها، تلاشت أطيافها، في الاربعين من الايام ، وتمزق دفئها من سياط الاشتياق، شموس اخذ منها الظلم مأخذه، وجوهها شاحبة، مغطاة ببرقع الالم، ينبعث من قلبها أنين، تنحني له السماء، وبكاء يزحف على الارض، كرضيع يحبو شوقا لأمه، وعيون تريد ان تبحر بدموعها عميقا، عند الاجساد المقطعة، والأوداج التي حزها الطغاة، لعلها ترويها، أتى موكب الاحزان، في قافلة السبا والأسى، تسير الى حيث الواقعة، لتنصب عندها العزاء، عزاء الخلود السرمدي، جئن سبايا النبي، بجلابيب خيطت من الحزن، يسيرنّ بخطوات ثقيلة، مليئة بذكريات الالم، يحملنّ قِرَبَ دموعهنّ، عسى ان يطفئ لهيب غربتهم والفراق، وما ان رأينّ مراقدهم، وقعنّ على وجوههنّ، فلامست وجوهنّ ثرى الكرب، وتساقط الدمع من السماء، وارتفع عويل الملائكة، ونحيب الانبياء، وعلا بكاء السجاد، بصوت العصمة الحزين، المتوضئ بدموع العَبرة، هاهنا قطّعت الاجساد، وسبيت حريم الرسالة، ها هنا ... تلا المخذول نداء الغربة، فأجابه سهم الكفر، ليغرس الغدر في قلبه، ها هنا ... استغاث المتصبر من شدة الظمأ، فاسرع الشمر ليسقيه سيفا في نحره، وهنا العباس سقطت أكفه، وانحنى عليها العلم، وهنا بكت قربته، لتنضح دموع الالم، وهذه الارض لم يزل في عينها ، سواد ايامنا ورماد الخيام، وهذه كربلاء لم تزل، ذكراها سماء يخيم علينا، بالحزن والالام.
تعليق