طفلة انا وروحي بريئة، أرى العالم كله بلونٍ زهري وأحياناً أراه أبيضاً ناصع البياض، حين ألعب بلعبتي المفضلة ويحدث أن يصيبها مكروه أجهش بالبكاء لأن روحي الرقيقة كانت تتخيل ان تلك اللعبة الجماد تتألم كتألمنا نحن البشر!.
أجلس تحت فيئ الشجر اقطف الثمر والاعب من هم اصغر مني سناً، وكنت افرح فرحاً غامراً حين ارى البسمة تعلو وجه احدهم بسبب فعل قمت به، او حركة ادخلت بها السعادة على قلبه، هذه بكل بساطه كانت حياتي... ولكن وبلا مقدمات حان وقت الرحيل، تركت بيتي ووطني الذي فيه ولدت، وذهبت بعيداً، لم يكن يسليني شيء في سفري ذاك سوى أخي الصغير وسجادة صلاة أبي التي كنت أحتضنها وأفرشها كلما حان وقت الصلاة فيحضنني ويقبلني ويقف للصلاة فكان وقت العبادة أحب وقت لدي فهو لقاء لمعشوقين: ربي وأبي.
وفي ذلك اليوم كنت اترقب وقت الصلاة وأردت ان أفرش السجادة كي يصلي أبي كعادته فوقها لكنه لم يأت بل أتت النار وانتشرت في كل مكان وزاوية، فررت على وجهي في تلك الصحراء الموحشة وقلبي يتساءل: ترى لماذا أحرقوا خيامنا؟ واين اضحت سجادة الصلاة؟ وماهو الذنب الذي اقترفته كي يعاقبوني هؤلاء القوم بمثل هذه الخشونة، فأنا لم اعتد عليها فيد أبي كانت حانية جداً وكلماته رقيقة، لم ارَ تلك اليد ولا سمعت صدى تلك الكلمات مرة اخرى سوى بأحلامي... حيث كان يزورني ابي بين الفينة والأخرى، أردد كلماتي ذاتها على مسامعه: انا أريد ان أراك يا والدي الحبيب أريد ان أراك فأغلب قصص العشق تنتهي بلقيا المعشوق وكذا أريد نهاية قصتي....
كنت أسأله في الحلم عن اولئك القوم وعن افعالهم لماذا لم يكونوا يشبهونك يا أبي انت ذو قلب عطوف ولك اخلاق الانبياء ولهم قلب كالصخر لم يرحم الكبير ولا الصغير، سلبوا طفولتي مني حتى فقدت لعبتي، وابتسامة اخي، ولمساتك الحانية، وسجادة الصلاة التي التهمتها نيران القوم هي الاخرى!.
رأيتك اخر مرة وألححت عليك بالسؤال: أريد أن أرى طلتك البهية وابتسامتك الحانية أين أنت؟ ولماذا طال سفرك يا أبي الحبيب؟ حين إستيقاظي من نومي تصورت أن القوم قد جلبوا لي الطعام فصرخت:- لا اريد لا اريد لا طعام ولا شراب اريد ان ارى أبي.
واذا بي أراك في ذلك الإناء رأس بلا جسد، شفاه ذابلة، وشيبة مخضبة، أحتضنتك وقبلتك وصرت أمسح لحيتك وطال في هذه المرة حلمي معك ولم اصحُ منه.
صدى صوتك الحنون خاطبني:- ياعزيزتي رقية، مهمتك ليست بالهينة فحرق طفولتك امر لابد منه كي تواسي كل اطفال العالم من فقد منهم ابا أو أما او شرد من دياره او تعرض لظلم او هضم، فأنت سفيرة الطفولة في هذا العالم.
شبكة النبا المعلوماتية
بشرى حياة
تعليق