سلام من السلام ....
هذه قضية أخرى من قضايا اللقاء بالإمام (عج) صاحب العصر والزمان، في زمان الغيبة، وعنايته بمن يحبه من علماء عصره.. يقول صاحب كتاب جنة المأوى: (حدثني السيد الثقة التقي الصالح، السيد مرتضى النجفي -رحمه الله–).. النجفي وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء.. لاحظ هذه الأعلام في حياة الطائفة: السيد بحر العلوم، والمقدس الأردبيلي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ مرتضى الأنصاري!.. إن هذه الوجودات البارزة، كانت تؤثر فيمَن أدركهم تأثيرا غريبا.. أي أن نفس معايشة هؤلاء الأعلام، كانت لها تأثيراتها في نفوسهم.. ومن المعروف أن الإنسان الصالح، والعبد الصالح الولي، يؤثر في نفس من يعاشر، حتى لو لم يتحدث معه.. فمن الممكن أن يكون التأثير في نفوس المحيطين به، من خلال نظراته ودعواته.
(وقد أدرك الشيخ شيخ الفقهاء وعمادهم، الشيخ جعفر النجفي -وكان معروفاً عند علماء العراق بالصلاح والسداد- وصاحبتُه سنين سفراً وحضراً، فما وقفتُ منه على عثرةٍ في الدين.. قال: كنا في مسجد الكوفة مع جماعةٍ، فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرزين في المشهد الغروي، وقد سألته عن اسمه غير مرة، فما كشف عنه، لكونه محل هتك الستر وإذاعة السرّ.
ولما حضرت وقت صلاة المغرب، جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة، والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالسٍ عنده، ومؤذّن، ومتطهّر.. وكان في ذلك الوقت، في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناةٍ خربة.. وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة، والدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة، لا تسع غير واحد.
فجئت إليه وأردت النزول، فرأيتُ شخصاً جليلاً، على هيئة الأعراب، قاعداً عند الماء يتوضأ، وهو في غايةٍ من السكينة والوقار والطمأنينة).. إن الوقار في المؤمن من الصفات التي يريدها الشارع المقدس، وقد ورد في بعض الأخبار: "أن سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن".. ومن الممكن تطبيقها اليوم حتى على سرعة السياقة، فإن ذلك قد يعد وهناً للرجل المؤمن في نظر العرف.. وتناول الطعام في الأماكن العامة، التي لا يتعارف فيها وجوه المؤمنين، والأكل في الطرقات.. والجلوس مع الأنذال والبطالين، في المقاهي اللاهية واللاغية والمطربة.. أي أن على الإنسان أن يتحاشى كل ما يذهب بوقاره.
(وكنت مستعجلاً لخوف عدم إدراك الجماعة، فوقفتُ قليلاً، فرأيته كالجبل لا يحرّكه شيءٌ.. فقلت -وقد أُقيمت الصلاة- ما معناه: لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟.. أردتُ بذلك تعجيله، فقال: لا، قلت: ولِمَ؟.. قال: لأنه الشيخ الدُّخني).. والدخن حب صغير، يزرع كحب السمسم مثلا، ويستفاد منه كمادة من المواد الزراعية، وفي تلك الأيام كان لتلك المادة أسواق رائجة.. (فما فهمت مراده، فوقفتُ حتى أتم وضوءه، فصعد وذهب، ونزلتُ وتوضأتُ وصليتُ.. فلما قُضيت الصلاة، وانتشر الناس -وقد ملأ قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه- فذكرت للشيخ ما رأيتُ وسمعتُ منه.. فتغيّرت حاله وألوانه، وصار متفكّراً مهموماً، فقال: قد أدركتَ الحجّة (ع) وما عرفته، وقد أخبر عن شيءٍ ما اطّلع عليه إلا الله تعالى.
اعلم أني زرعت الدُخنة (أي حب الجاورس) في هذه السنة في الرحبة، وهي موضعٌ في طرف الغربي من بحيرة الكوفة، محلّ خوفٍ وخطرٍ من جهة أعراب البادية المترددين إليه.. فلما قمتُ إلى الصلاة، ودخلت فيها، ذهب فكري إلى زرع الدُخنة، وأهمّني أمره، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته).
وعليه، فإن الدرس الذي يجب أن يتعلمه المؤمن من هذه القصة، هو الاهتمام بالصلاة بين يدي الله عز وجل.. أتعرفون موقع الصلاة في حياة الإنسان؟.. إن الإمام يرى بأن الصلاة المتلبسة بفكرة من الأفكار، أو الصلاة مع شيء من حطام الدنيا.. فإن هذه الصلاة هي صلاة السوق، وصلاة الأسهم، وصلاة العملة الصعبة، وصلاة الوظيفة.. وليست هذه صلاة رب العالمين.. فإذن، إن أئمة الهدى (ع) ليس لهم منهج إلا منهج رب العالمين، وقد أوصى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. فالصلاة هي قرة عين الرسول، وقرة عين المهدي (ع).. فالذي يريد أن يحظى بشرف لقائه، وبشرف نظرته الكريمة، عليه أن يكون أهلا لذلك.
إن اللقاء جيد، ولكن الذي هو أهم من اللقاء إلتفاته إليك، سواء تم اللقاء أو لم يتم.. فطالما هناك قوم لم يلتق بهم الإمام.. وهذا الرجل الذي نقل القصة، لم يكن متميزا، وليس من العلماء مثلا.. أو لعله أنه السيد المعهود.. وبالتالي، فإن الإنسان قد لا يتشرف باللقاء، ولكنه مورد لنظرة إمامه صلوات الله وسلامه عليه.. فإذا أردنا أن يلتفت إلينا، علينا أن ننظر إلى جوهر الصلاة، وإلى روح الصلاة، فإنه لا يرفع من صلاتنا، إلا ما أقبلنا فيها بقلوبنا.
هذه قضية أخرى من قضايا اللقاء بالإمام (عج) صاحب العصر والزمان، في زمان الغيبة، وعنايته بمن يحبه من علماء عصره.. يقول صاحب كتاب جنة المأوى: (حدثني السيد الثقة التقي الصالح، السيد مرتضى النجفي -رحمه الله–).. النجفي وهو الشيخ جعفر كاشف الغطاء.. لاحظ هذه الأعلام في حياة الطائفة: السيد بحر العلوم، والمقدس الأردبيلي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ مرتضى الأنصاري!.. إن هذه الوجودات البارزة، كانت تؤثر فيمَن أدركهم تأثيرا غريبا.. أي أن نفس معايشة هؤلاء الأعلام، كانت لها تأثيراتها في نفوسهم.. ومن المعروف أن الإنسان الصالح، والعبد الصالح الولي، يؤثر في نفس من يعاشر، حتى لو لم يتحدث معه.. فمن الممكن أن يكون التأثير في نفوس المحيطين به، من خلال نظراته ودعواته.
(وقد أدرك الشيخ شيخ الفقهاء وعمادهم، الشيخ جعفر النجفي -وكان معروفاً عند علماء العراق بالصلاح والسداد- وصاحبتُه سنين سفراً وحضراً، فما وقفتُ منه على عثرةٍ في الدين.. قال: كنا في مسجد الكوفة مع جماعةٍ، فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرزين في المشهد الغروي، وقد سألته عن اسمه غير مرة، فما كشف عنه، لكونه محل هتك الستر وإذاعة السرّ.
ولما حضرت وقت صلاة المغرب، جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة، والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالسٍ عنده، ومؤذّن، ومتطهّر.. وكان في ذلك الوقت، في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناةٍ خربة.. وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة، والدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة، لا تسع غير واحد.
فجئت إليه وأردت النزول، فرأيتُ شخصاً جليلاً، على هيئة الأعراب، قاعداً عند الماء يتوضأ، وهو في غايةٍ من السكينة والوقار والطمأنينة).. إن الوقار في المؤمن من الصفات التي يريدها الشارع المقدس، وقد ورد في بعض الأخبار: "أن سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن".. ومن الممكن تطبيقها اليوم حتى على سرعة السياقة، فإن ذلك قد يعد وهناً للرجل المؤمن في نظر العرف.. وتناول الطعام في الأماكن العامة، التي لا يتعارف فيها وجوه المؤمنين، والأكل في الطرقات.. والجلوس مع الأنذال والبطالين، في المقاهي اللاهية واللاغية والمطربة.. أي أن على الإنسان أن يتحاشى كل ما يذهب بوقاره.
(وكنت مستعجلاً لخوف عدم إدراك الجماعة، فوقفتُ قليلاً، فرأيته كالجبل لا يحرّكه شيءٌ.. فقلت -وقد أُقيمت الصلاة- ما معناه: لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟.. أردتُ بذلك تعجيله، فقال: لا، قلت: ولِمَ؟.. قال: لأنه الشيخ الدُّخني).. والدخن حب صغير، يزرع كحب السمسم مثلا، ويستفاد منه كمادة من المواد الزراعية، وفي تلك الأيام كان لتلك المادة أسواق رائجة.. (فما فهمت مراده، فوقفتُ حتى أتم وضوءه، فصعد وذهب، ونزلتُ وتوضأتُ وصليتُ.. فلما قُضيت الصلاة، وانتشر الناس -وقد ملأ قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه- فذكرت للشيخ ما رأيتُ وسمعتُ منه.. فتغيّرت حاله وألوانه، وصار متفكّراً مهموماً، فقال: قد أدركتَ الحجّة (ع) وما عرفته، وقد أخبر عن شيءٍ ما اطّلع عليه إلا الله تعالى.
اعلم أني زرعت الدُخنة (أي حب الجاورس) في هذه السنة في الرحبة، وهي موضعٌ في طرف الغربي من بحيرة الكوفة، محلّ خوفٍ وخطرٍ من جهة أعراب البادية المترددين إليه.. فلما قمتُ إلى الصلاة، ودخلت فيها، ذهب فكري إلى زرع الدُخنة، وأهمّني أمره، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته).
وعليه، فإن الدرس الذي يجب أن يتعلمه المؤمن من هذه القصة، هو الاهتمام بالصلاة بين يدي الله عز وجل.. أتعرفون موقع الصلاة في حياة الإنسان؟.. إن الإمام يرى بأن الصلاة المتلبسة بفكرة من الأفكار، أو الصلاة مع شيء من حطام الدنيا.. فإن هذه الصلاة هي صلاة السوق، وصلاة الأسهم، وصلاة العملة الصعبة، وصلاة الوظيفة.. وليست هذه صلاة رب العالمين.. فإذن، إن أئمة الهدى (ع) ليس لهم منهج إلا منهج رب العالمين، وقد أوصى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. فالصلاة هي قرة عين الرسول، وقرة عين المهدي (ع).. فالذي يريد أن يحظى بشرف لقائه، وبشرف نظرته الكريمة، عليه أن يكون أهلا لذلك.
إن اللقاء جيد، ولكن الذي هو أهم من اللقاء إلتفاته إليك، سواء تم اللقاء أو لم يتم.. فطالما هناك قوم لم يلتق بهم الإمام.. وهذا الرجل الذي نقل القصة، لم يكن متميزا، وليس من العلماء مثلا.. أو لعله أنه السيد المعهود.. وبالتالي، فإن الإنسان قد لا يتشرف باللقاء، ولكنه مورد لنظرة إمامه صلوات الله وسلامه عليه.. فإذا أردنا أن يلتفت إلينا، علينا أن ننظر إلى جوهر الصلاة، وإلى روح الصلاة، فإنه لا يرفع من صلاتنا، إلا ما أقبلنا فيها بقلوبنا.