قال تعالى: Pكانَ النّاس أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَث اللّهُ النّبِيِّينَ مُبَشرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَب بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَينَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَف فِيهِ إِلا الّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَات بَغْيَا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِى مَن يَشاءُ إِلى صِرَطٍ مّستَقِيمٍO([1])، تُبين الآية الكريمة السبب الرئيس في تشريع أصل الدين والعلة في تكليف الإنسان، وهو وقوع الاختلاف بين أفراده، فتقرر ان الإنسان كان أمة واحدة اي مجموعة واحدة متجانسة مؤتلفة حتى حصل الاختلاف بين افرادها لتنازعهم في تحصيل المزايا في هذه الحياة، فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة بأرسال الرسل مبشرين ومنذرين فسمى القوانين الموضوعة بالدين تسمية للشيء باسم لازمه وهو الجزاء، فقد شفع هذا الدين بالتبشير والإنذار: بالثواب والعقاب، وأعان العبد على تطبيقها بالعبادات المختلفة.
ثم بعد ذلك حصل اختلاف ثان في فهم هذه القوانين الشرعية (الدين) وتفسيرها، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب، وقد بيّن تعالى سبب الاختلاف ايضاً بانه البغي والظلم من بعض الذين اوتوا الكتاب بعد ما تبين لهم أصوله ومعارفه، وتمت عليهم الحجة، فالاختلاف اختلافان: اختلاف في أمر الدنيا وهو أمر تقتضيه الفطرة الحاثة على تحصيل مزايا هذه الحياة الدنيا وهو السبب لتشريع الدين، واختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم.
فالقرآن الكريم يقرر ان الاختلاف من ضرورات خلقة الإنسان، لذا قال تعالى: Pوَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَO([2])، وقال ايضاً: Pوَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَO([3])، فسعيه لاقتناء الكمال وحيازة مزايا الحياة جعله يحاول ان يُسخر كل ما حوله وكل ما يمكنه استخدامه في طريق كماله، وبعبارة أخرى إعتقاده بأنه ينبغي أن ينتفع لنفسه، ويستبقي حياته بأي سبب أمكن جعله يأخذ في التصرف في المادة، ويعمل الآلات منها ، فيصنع السكين للقطع، والإبرة للخياطة، والإناء لحبس المائعات، والسلم للصعود، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.
وبذلك يأخذ الإنسان أيضاً في التصرف في النبات بأنواع التصرف، فيستخدم أنواع النبات بالتصرف فيها في طريق الغذاء واللباس والسكنى وغير ذلك، وبذلك يستخدم أيضا أنواع الحيوان في سبيل منافع حياته، فينتفع من لحمها ودمها وجلدها وشعرها ووبرها وقرنها وروثها ولبنها ونتاجها وجميع أفعالها، ولا يقتصر على سائر الحيوان دون أن يستخدم سائر أفراد نوعه من الآدميين، فيستخدمها كل استخدام ممكن، ويتصرف في وجودها وأفعالها بما يتيسر له من التصرف، كل ذلك مما لا ريب فيه.
غير أن الإنسان لما وجد سائر الأفراد من نوعه، وهم أمثاله، يريدون منه ما يريده منهم، نازعهم فيه وشاجرهم عليه، فالدار دار تزاحم والمزايا محدودة.
ولذلك كلما قوي إنسان على آخر استضعفه وسخره لخدمته، فلا يراعي القوي حق الضعيف ونحن نشاهد ما يقاسيه ضعفاء الملل من الأمم القوية، وعلى ذلك جرى التاريخ أيضاً إلى هذا اليوم الذي يدعى أنه عصر الحضارة والحرية.
وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل قوانين كلية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كل ذي حق حقه، وتحميلها الناس.
([1]) البقرة: 213.
([2]) هود: 118.
([3]) يونس: 19.
ثم بعد ذلك حصل اختلاف ثان في فهم هذه القوانين الشرعية (الدين) وتفسيرها، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب، وقد بيّن تعالى سبب الاختلاف ايضاً بانه البغي والظلم من بعض الذين اوتوا الكتاب بعد ما تبين لهم أصوله ومعارفه، وتمت عليهم الحجة، فالاختلاف اختلافان: اختلاف في أمر الدنيا وهو أمر تقتضيه الفطرة الحاثة على تحصيل مزايا هذه الحياة الدنيا وهو السبب لتشريع الدين، واختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم.
فالقرآن الكريم يقرر ان الاختلاف من ضرورات خلقة الإنسان، لذا قال تعالى: Pوَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَO([2])، وقال ايضاً: Pوَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَO([3])، فسعيه لاقتناء الكمال وحيازة مزايا الحياة جعله يحاول ان يُسخر كل ما حوله وكل ما يمكنه استخدامه في طريق كماله، وبعبارة أخرى إعتقاده بأنه ينبغي أن ينتفع لنفسه، ويستبقي حياته بأي سبب أمكن جعله يأخذ في التصرف في المادة، ويعمل الآلات منها ، فيصنع السكين للقطع، والإبرة للخياطة، والإناء لحبس المائعات، والسلم للصعود، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.
وبذلك يأخذ الإنسان أيضاً في التصرف في النبات بأنواع التصرف، فيستخدم أنواع النبات بالتصرف فيها في طريق الغذاء واللباس والسكنى وغير ذلك، وبذلك يستخدم أيضا أنواع الحيوان في سبيل منافع حياته، فينتفع من لحمها ودمها وجلدها وشعرها ووبرها وقرنها وروثها ولبنها ونتاجها وجميع أفعالها، ولا يقتصر على سائر الحيوان دون أن يستخدم سائر أفراد نوعه من الآدميين، فيستخدمها كل استخدام ممكن، ويتصرف في وجودها وأفعالها بما يتيسر له من التصرف، كل ذلك مما لا ريب فيه.
غير أن الإنسان لما وجد سائر الأفراد من نوعه، وهم أمثاله، يريدون منه ما يريده منهم، نازعهم فيه وشاجرهم عليه، فالدار دار تزاحم والمزايا محدودة.
ولذلك كلما قوي إنسان على آخر استضعفه وسخره لخدمته، فلا يراعي القوي حق الضعيف ونحن نشاهد ما يقاسيه ضعفاء الملل من الأمم القوية، وعلى ذلك جرى التاريخ أيضاً إلى هذا اليوم الذي يدعى أنه عصر الحضارة والحرية.
وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل قوانين كلية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف، ونيل كل ذي حق حقه، وتحميلها الناس.
([1]) البقرة: 213.
([2]) هود: 118.
([3]) يونس: 19.
تعليق