شبهة ورد
السؤال: علمه (عليه السلام) بمقتله هل يخدش في شجاعته؟
قرأت في احد المنتديات ما يلي:
*************************
نبدأ اليوم بذكر حادثة جديدة ونظرة جديدة للرافضة لشجاعة علي رضي الله عنه .
الحادثة في غزوة بدر الكبرى :-
خرج ثلاثة من كبار مبارزي (( قريش )) وخيرتهم منهم؟
- عتبة بن ربيعة .
- شيبة بن ربيعة .
- الوليد بن عتبة . فخرج لهم ثلاثة من الصحابة من الأنصار .. ( عوف وأخوه معوذ ابنا الحاريث .. وعبد الله بن رواحة )
فهؤلاء ثلاثة .. من الصحابة رضي الله عنه ..
قال المبارزين من قريش .. نريد من بني عمنا ..
فأخرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة من سادة الصحابة بالقتال ..
- عبيدة بن الحارث
- وحمزة
- وعلي
رضي الله عنهم أجميعن .. نظرة أهل السنة :-
أن الصحابة الستة الذين خرجوا (رضي الله عنهم) كلهم شجعان أقويا لا يهابون الموت بل يطلبونه وأنهم لا يعلمون هل يرجعون للمعكسر (( شهداء )) أم يرجعون منتصرين وقد قتلوا أعداء الله ..
خروجهم خروج قوة وشجاعة وفروسية خروجهم بجهل المصير وعدم معرفة القادم . . فبينهم وبين الموت هذه المبارزة ...
فأهل السنة يقولون ( عبيدة والحارث وعلي وعوف ومعوذ وعبد الله ) كل هؤلاء شجعان فرسان أقوياء لا يخافون الموت .. ونظرة الرافضة :-
لن أتحدث عن نظرتهم للخمسة الباقين فهو ليس حديثنا :-
ولكن هم : يقولون .. أن علي رضي الله عنه لم يخرج .. شجاعة ... ولا فروسية .. ولا قوة .. لأنه خرج .. وهو يعلم الآتي .
1- .. يعلم أنه لا يموت من هذه المبارزة .( لانه يعلم الغيب )
2- .. يعلم أنه لا يموت حتى يخلف المسلمين .. وهو في ذالك الوقت لم يخلفهم . ( لأن الرسول ولاه عليهم ) في نظرة الرافضة طبعاً
3- .. يعلم أنه يولد له الحسن والحسين وأم كلثوم ..وغيرهم ... من أبنائه .. وهو في ذالك الوقت لم يُخلف أحداً ..
4- .. يعلم أنه لا يموت في موطن بدر .. بل يموت في الكوفة . فهو يعلم الغيب .
فهذه هي نظرة الرافضة لعلي رضي الله عنه .. جبان .. خروجه يوم بدر ليس إلا رياء ومفاخرة .. وليست شجاعة ولا قوة ولا بطولة ..
*************************
الجواب:
هذه الشبهة معروفة بالشبهة الحلبية لأن صاحب السيرة الحلبية أوردها وقد اجيب عنها بعدة وجوه:
1- ليس عندنا دليل بأن الإمام (عليه السلام) كان يعلم بتفاصيل مقتله في مثل هذه الوقائع ، نعم ثبت عندنا أن الإمام (ع) يعلم ما يحتاجه من المعارف حال كونه في منصب الإمامة فلعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره بتفاصيل مقتله بعد ذلك، أي بعد أن نجح في الابتلاءات والاختبارات التي تجري على أوصياء الأنبياء.
فان عقيدتنا في الأوصياء أنهم يختبرون في حياة الأنبياء وبعد حياة الأنبياء لأظهار مدى صلاحيتهم لتحمل أعباء الرسالة بعد رحيل الأنبياء ومن المواقف التي اختبر فيها الإمام علي عليه السلام هو البيات على فراشه ولازمه العادي انه في حال الاختبار لابد ان لا يعلم مصيره النهائي والإ لما عُدّ ذلك اختباراً فعن ابي جعفر عليه السلام قال: اتى رأس اليهود علي بن ابي طالب عليه السلام عند منصرفه عن وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين اني أريد ان أسألك عن اشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال: سل عما بدا لك يا اخا اليهود؟ قال: إنا نجد في الكتاب ان الله عز وجل إذا بعث نبياً اوحى إليه ان يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده وان يعهد إليهم فيه عهداً يحتذى عليه ويعمل به في امته من بعده وان الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم فاخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم من مرة وإلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذ رضي محنتهم؟.
إلى أن قال له علي (عليه السلام) إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلى طاعتهم فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم واوصياء بعد وفاتهم ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء إلى ان قال عليه السلام: و أما الثانية يا اخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تخيل الأراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدارـ دار الندوة ـ وابليس الملعون حاضر في صورة اعور ثقيف فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على ان ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً فهبط جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها وامره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر وأمرني أن اضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه...الرواية.
إذن الإمام كان مستعداً للقتل دون النبي (صلى الله عليه وآله) وهو لا يعلم ان الأمر كيف سينتهي فلعله ينجو ولعله يقتل ويحييه الله من جديد ولعله يجرح ويصاب إصابة بالغه كما حصل يوم الأحزاب والدخول في مثل هكذا موقف دليل على شجاعة الإمام عليه السلام.
وخلاصة القول: انه لا دليل عندنا أن الإمام(عليه السلام) يعرف كل شيء من أول الأمر لأنه لا يعلم الغيب بالإستقلال وإنما هو (تعلّم للغيب من ذي علم) وقد يحدث التعلم بالتدريج والمقطوع به عندنا أن الإمام(عليه السلام) حال كونه إماماً يعلم كل ما يحتاج إليه ولا يتوقف في مسألة.
2- إن مصدر الخوف لا ينحصر بجهة عدم الأمن من القتل، بل الإنسان يخاف حتى من الجرح والتشويه والعوق بل يخاف من نفس الإقدام على العمل المرهب المخوف وبالتالي فان إقدامه على مثل ذلك لا ينفي الشجاعة.
3- ثم لو قلنا بعلم الإمام عليه السلام بكيفية قتله ويوم قتله وأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخبره بذلك، ولكن من أين لنا الجزم بأن هذا العلم لم يكن مشروطاً معلقاً بأمور وقضايا معينة، مثلاً أن النبي(ص) أخبره انه سوف يقتل في الكوفة بشرط أن ينجيه الله من مكر قريش أو أن لا يقتل في إحدى المعارك، وأن الأمر متعلق بلوح المحو والإثبات وعقيدة الشيعة بالبداء معروفة وتأثير الصدقة وصلة الرحم في إنشاء الأجل متفق عليه بين المسلمين، فمن أين لنا العلم بأن ما أخبره النبي(ص) له (ع) كان من المحتوم غير المشروط؟ فلعل علم الإمام(ع) مثلاً بيوم مقتله يكون على الكيفية الآتية بأن يعلم أن ابن ملجم سوف يقتله في الكوفة إذا لم يقتله عمرو بن ود العامري أو مرحب اليهودي أو إذا أنتصر في الجمل وصفين والنهروان مثلاً فلاحظ.
4- أننا نجد من بالوجدان والخبرة عند البشر أن الخوف غريزة تحدث عند الإنسان وان كان يعلم بنجاته، فمثلاً: إنّ المظلّيين وإن كانوا يعلمون بنجاتهم ولكن تبقى عندهم الرهبة حين الهبوط بمظلاتهم ولا تزول كلياً وأن كانت تضعف بالتدريب،وكذلك الذين يقفزون بالحبال المطاطية بل أن الإنسان يخاف من المرور أمام الأسد حتى ولو علم أنه مقيد، ولذا لا نستطيع القطع بعدم خوف وجبن غير الإمام(ع) لو اختير مكانه،وفي السيرة أمثلة على ذلك بعد أن ضمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للبعض الجنة ولكنهم خافوا وجبنوا من الأقدام.
والأمر في ذلك يرجع إلى تحليل دقيق وهو أن غريزة الخوف غريزة طبيعية في البشر مصدرها في النفس غير مصدر العلم ولا تزول هذه الغريزة إلا بالتصديق تصديقاً جازماً قاطعاً لا يشوبه شك واحتمال بالنجاة،وقد أوضح المناطقة أن مرحلة التصديق تأتي بعد مرحلة العلم، ولذا فإن الكافر قد يعلم بوجود الله ولكنه يبقى غير مؤمن لأنه لا يصدق فأن من شروط الإيمان التصديق وعقد العزم فالتصديق مرحلة اعلى من العلم ولا تلازم بينهما اذ قد يوجب العلم ولا يوجد التصديق ، أي قد يوجد العلم بالنجاة ولكن لا يوجد الجزم والتصديق بالنجاة وبالتالي لا يزول الخوف ويبقى هناك دوراً للشجاعة،ومن طرح هذه الشبهة اختلط عليه الأمر واعتقد الملازمة بين العلم وبين غريزة الخوف أو الشجاعة مع أن منبعهما مختلف لدى النفس والأمر واضح بالوجدان والتجربة والعرف كما مثلنا بالأمثلة السابقة فان أحداً من الناس لا يقول بأن لا عب السيرك الذي يرتقي الحبل أو ينطلق من مدفع مع وجود شبكة أمان أمامه، بأنه ليس بشجاع فان الوجدان يفرق بين الأمرين وهو خير شاهد على ما نقول.
نعم لو وصل العلم إلى درجة أصبح التصديق وعقد القلب عليه جازماً لجاز أن تقول بأن الفضل هنا سيكون لشدة التصديق،لا للشجاعة كما هو الحال في تصديق اسماعيل(ع) بما أمره به أبوه إبراهيم(ع) أو في مثالنا تصديق علي(ع) بالرسول الله(ص) عندما أمره بالمبيت مكانه ولم يثبت ذلك لغيره إذا لم يثبت العكس.
5- إن شجاعة أمير المؤمنين ثابتة بالقطع والتواتر عند جميع المسلمين والقطع بمثل الشجاعة والعدالة من مبادئ قريبة من الحس لا يخدش بها العلم بالخلاف من طريق الحدس والأجتهاد فضلاً من الاحتمال والشبهة كما هو الحال مع هذا المستشكل فان الادلة القطعية لا يردها الاحتمالات والشبهات. ومع كل ذلك لو سلمنا بما قاله المستشكل فإن إقدام الإمام (ع) بعد العلم لا يدل أعوذ بالله على جنبه إذ أكثر ما نستفيده بأنه ليس دليلاً على الشجاعة اما إثبات كونه جبان (أعوذ بالله) فإنه يحتاج إلى إمارات آخر لم تصدر منه قط كما صدرت عن غيره منها الهروب في موافق الشدة والبأس،فلاحظ فما رام اثباته ليس سوى مغالطة.
كما أن خروجه يوم بدر لا يكون مفاخرة ورياء أعوذ بالله بل سيكون عن علم وامر من رسول الله(ص) على الفرض لأنه لا يعلمه الإ من قبله (ص) وسيكون إختصاصاً له بهذا العلم والأمر من الله سبحانه ودون غيره وهل هناك فضيلة أعلى من ذلك، مع أن المفاخرة في الحرب من الأمور المستحبة.
لو كان العلم يلازم الرياء والمفاخرة لصدق ذلك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) (اعوذ بالله) بعد أن أخبره الله بانتصاره على قريش وأخبره بمواضع قتل كبرائهم ولا يقول بذلك ألا شانىء مبغض لرسول الله (ص) وراد لرسالته وحكمه حكم الكافر. فتأمل.
السؤال: علمه (عليه السلام) بمقتله هل يخدش في شجاعته؟
قرأت في احد المنتديات ما يلي:
*************************
نبدأ اليوم بذكر حادثة جديدة ونظرة جديدة للرافضة لشجاعة علي رضي الله عنه .
الحادثة في غزوة بدر الكبرى :-
خرج ثلاثة من كبار مبارزي (( قريش )) وخيرتهم منهم؟
- عتبة بن ربيعة .
- شيبة بن ربيعة .
- الوليد بن عتبة . فخرج لهم ثلاثة من الصحابة من الأنصار .. ( عوف وأخوه معوذ ابنا الحاريث .. وعبد الله بن رواحة )
فهؤلاء ثلاثة .. من الصحابة رضي الله عنه ..
قال المبارزين من قريش .. نريد من بني عمنا ..
فأخرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة من سادة الصحابة بالقتال ..
- عبيدة بن الحارث
- وحمزة
- وعلي
رضي الله عنهم أجميعن .. نظرة أهل السنة :-
أن الصحابة الستة الذين خرجوا (رضي الله عنهم) كلهم شجعان أقويا لا يهابون الموت بل يطلبونه وأنهم لا يعلمون هل يرجعون للمعكسر (( شهداء )) أم يرجعون منتصرين وقد قتلوا أعداء الله ..
خروجهم خروج قوة وشجاعة وفروسية خروجهم بجهل المصير وعدم معرفة القادم . . فبينهم وبين الموت هذه المبارزة ...
فأهل السنة يقولون ( عبيدة والحارث وعلي وعوف ومعوذ وعبد الله ) كل هؤلاء شجعان فرسان أقوياء لا يخافون الموت .. ونظرة الرافضة :-
لن أتحدث عن نظرتهم للخمسة الباقين فهو ليس حديثنا :-
ولكن هم : يقولون .. أن علي رضي الله عنه لم يخرج .. شجاعة ... ولا فروسية .. ولا قوة .. لأنه خرج .. وهو يعلم الآتي .
1- .. يعلم أنه لا يموت من هذه المبارزة .( لانه يعلم الغيب )
2- .. يعلم أنه لا يموت حتى يخلف المسلمين .. وهو في ذالك الوقت لم يخلفهم . ( لأن الرسول ولاه عليهم ) في نظرة الرافضة طبعاً
3- .. يعلم أنه يولد له الحسن والحسين وأم كلثوم ..وغيرهم ... من أبنائه .. وهو في ذالك الوقت لم يُخلف أحداً ..
4- .. يعلم أنه لا يموت في موطن بدر .. بل يموت في الكوفة . فهو يعلم الغيب .
فهذه هي نظرة الرافضة لعلي رضي الله عنه .. جبان .. خروجه يوم بدر ليس إلا رياء ومفاخرة .. وليست شجاعة ولا قوة ولا بطولة ..
*************************
الجواب:
هذه الشبهة معروفة بالشبهة الحلبية لأن صاحب السيرة الحلبية أوردها وقد اجيب عنها بعدة وجوه:
1- ليس عندنا دليل بأن الإمام (عليه السلام) كان يعلم بتفاصيل مقتله في مثل هذه الوقائع ، نعم ثبت عندنا أن الإمام (ع) يعلم ما يحتاجه من المعارف حال كونه في منصب الإمامة فلعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره بتفاصيل مقتله بعد ذلك، أي بعد أن نجح في الابتلاءات والاختبارات التي تجري على أوصياء الأنبياء.
فان عقيدتنا في الأوصياء أنهم يختبرون في حياة الأنبياء وبعد حياة الأنبياء لأظهار مدى صلاحيتهم لتحمل أعباء الرسالة بعد رحيل الأنبياء ومن المواقف التي اختبر فيها الإمام علي عليه السلام هو البيات على فراشه ولازمه العادي انه في حال الاختبار لابد ان لا يعلم مصيره النهائي والإ لما عُدّ ذلك اختباراً فعن ابي جعفر عليه السلام قال: اتى رأس اليهود علي بن ابي طالب عليه السلام عند منصرفه عن وقعة النهروان وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين اني أريد ان أسألك عن اشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال: سل عما بدا لك يا اخا اليهود؟ قال: إنا نجد في الكتاب ان الله عز وجل إذا بعث نبياً اوحى إليه ان يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده وان يعهد إليهم فيه عهداً يحتذى عليه ويعمل به في امته من بعده وان الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم فاخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم من مرة وإلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذ رضي محنتهم؟.
إلى أن قال له علي (عليه السلام) إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلى طاعتهم فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم واوصياء بعد وفاتهم ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء إلى ان قال عليه السلام: و أما الثانية يا اخا اليهود فإن قريشاً لم تزل تخيل الأراء وتعمل الحيل في قتل النبي صلى الله عليه وآله حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدارـ دار الندوة ـ وابليس الملعون حاضر في صورة اعور ثقيف فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على ان ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً فهبط جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها وامره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر وأمرني أن اضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أقتل دونه...الرواية.
إذن الإمام كان مستعداً للقتل دون النبي (صلى الله عليه وآله) وهو لا يعلم ان الأمر كيف سينتهي فلعله ينجو ولعله يقتل ويحييه الله من جديد ولعله يجرح ويصاب إصابة بالغه كما حصل يوم الأحزاب والدخول في مثل هكذا موقف دليل على شجاعة الإمام عليه السلام.
وخلاصة القول: انه لا دليل عندنا أن الإمام(عليه السلام) يعرف كل شيء من أول الأمر لأنه لا يعلم الغيب بالإستقلال وإنما هو (تعلّم للغيب من ذي علم) وقد يحدث التعلم بالتدريج والمقطوع به عندنا أن الإمام(عليه السلام) حال كونه إماماً يعلم كل ما يحتاج إليه ولا يتوقف في مسألة.
2- إن مصدر الخوف لا ينحصر بجهة عدم الأمن من القتل، بل الإنسان يخاف حتى من الجرح والتشويه والعوق بل يخاف من نفس الإقدام على العمل المرهب المخوف وبالتالي فان إقدامه على مثل ذلك لا ينفي الشجاعة.
3- ثم لو قلنا بعلم الإمام عليه السلام بكيفية قتله ويوم قتله وأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخبره بذلك، ولكن من أين لنا الجزم بأن هذا العلم لم يكن مشروطاً معلقاً بأمور وقضايا معينة، مثلاً أن النبي(ص) أخبره انه سوف يقتل في الكوفة بشرط أن ينجيه الله من مكر قريش أو أن لا يقتل في إحدى المعارك، وأن الأمر متعلق بلوح المحو والإثبات وعقيدة الشيعة بالبداء معروفة وتأثير الصدقة وصلة الرحم في إنشاء الأجل متفق عليه بين المسلمين، فمن أين لنا العلم بأن ما أخبره النبي(ص) له (ع) كان من المحتوم غير المشروط؟ فلعل علم الإمام(ع) مثلاً بيوم مقتله يكون على الكيفية الآتية بأن يعلم أن ابن ملجم سوف يقتله في الكوفة إذا لم يقتله عمرو بن ود العامري أو مرحب اليهودي أو إذا أنتصر في الجمل وصفين والنهروان مثلاً فلاحظ.
4- أننا نجد من بالوجدان والخبرة عند البشر أن الخوف غريزة تحدث عند الإنسان وان كان يعلم بنجاته، فمثلاً: إنّ المظلّيين وإن كانوا يعلمون بنجاتهم ولكن تبقى عندهم الرهبة حين الهبوط بمظلاتهم ولا تزول كلياً وأن كانت تضعف بالتدريب،وكذلك الذين يقفزون بالحبال المطاطية بل أن الإنسان يخاف من المرور أمام الأسد حتى ولو علم أنه مقيد، ولذا لا نستطيع القطع بعدم خوف وجبن غير الإمام(ع) لو اختير مكانه،وفي السيرة أمثلة على ذلك بعد أن ضمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للبعض الجنة ولكنهم خافوا وجبنوا من الأقدام.
والأمر في ذلك يرجع إلى تحليل دقيق وهو أن غريزة الخوف غريزة طبيعية في البشر مصدرها في النفس غير مصدر العلم ولا تزول هذه الغريزة إلا بالتصديق تصديقاً جازماً قاطعاً لا يشوبه شك واحتمال بالنجاة،وقد أوضح المناطقة أن مرحلة التصديق تأتي بعد مرحلة العلم، ولذا فإن الكافر قد يعلم بوجود الله ولكنه يبقى غير مؤمن لأنه لا يصدق فأن من شروط الإيمان التصديق وعقد العزم فالتصديق مرحلة اعلى من العلم ولا تلازم بينهما اذ قد يوجب العلم ولا يوجد التصديق ، أي قد يوجد العلم بالنجاة ولكن لا يوجد الجزم والتصديق بالنجاة وبالتالي لا يزول الخوف ويبقى هناك دوراً للشجاعة،ومن طرح هذه الشبهة اختلط عليه الأمر واعتقد الملازمة بين العلم وبين غريزة الخوف أو الشجاعة مع أن منبعهما مختلف لدى النفس والأمر واضح بالوجدان والتجربة والعرف كما مثلنا بالأمثلة السابقة فان أحداً من الناس لا يقول بأن لا عب السيرك الذي يرتقي الحبل أو ينطلق من مدفع مع وجود شبكة أمان أمامه، بأنه ليس بشجاع فان الوجدان يفرق بين الأمرين وهو خير شاهد على ما نقول.
نعم لو وصل العلم إلى درجة أصبح التصديق وعقد القلب عليه جازماً لجاز أن تقول بأن الفضل هنا سيكون لشدة التصديق،لا للشجاعة كما هو الحال في تصديق اسماعيل(ع) بما أمره به أبوه إبراهيم(ع) أو في مثالنا تصديق علي(ع) بالرسول الله(ص) عندما أمره بالمبيت مكانه ولم يثبت ذلك لغيره إذا لم يثبت العكس.
5- إن شجاعة أمير المؤمنين ثابتة بالقطع والتواتر عند جميع المسلمين والقطع بمثل الشجاعة والعدالة من مبادئ قريبة من الحس لا يخدش بها العلم بالخلاف من طريق الحدس والأجتهاد فضلاً من الاحتمال والشبهة كما هو الحال مع هذا المستشكل فان الادلة القطعية لا يردها الاحتمالات والشبهات. ومع كل ذلك لو سلمنا بما قاله المستشكل فإن إقدام الإمام (ع) بعد العلم لا يدل أعوذ بالله على جنبه إذ أكثر ما نستفيده بأنه ليس دليلاً على الشجاعة اما إثبات كونه جبان (أعوذ بالله) فإنه يحتاج إلى إمارات آخر لم تصدر منه قط كما صدرت عن غيره منها الهروب في موافق الشدة والبأس،فلاحظ فما رام اثباته ليس سوى مغالطة.
كما أن خروجه يوم بدر لا يكون مفاخرة ورياء أعوذ بالله بل سيكون عن علم وامر من رسول الله(ص) على الفرض لأنه لا يعلمه الإ من قبله (ص) وسيكون إختصاصاً له بهذا العلم والأمر من الله سبحانه ودون غيره وهل هناك فضيلة أعلى من ذلك، مع أن المفاخرة في الحرب من الأمور المستحبة.
لو كان العلم يلازم الرياء والمفاخرة لصدق ذلك بحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) (اعوذ بالله) بعد أن أخبره الله بانتصاره على قريش وأخبره بمواضع قتل كبرائهم ولا يقول بذلك ألا شانىء مبغض لرسول الله (ص) وراد لرسالته وحكمه حكم الكافر. فتأمل.
تعليق