بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر مسألة الخلود في النار من المسائل الخلافية في العقيدة حتى داخل المذهب الواحد، وهذا ما يلاحظه الباحث بوضوح، لما تتحمله الآيات الكريمة من قراءات متعددة، ولعل من ابرز الآيات التي موضوعها الخلود قوله عز من قائل: Pفَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[1]O، ومن أسباب ذهاب البعض الى عدم الخلود في النار حتى للكافرين هو نفس معنى الخلود الذي معناه بقاء الشيء على حالته السابقة سواء لم يتغير أصلاً او كان بطئ التغير، قال الراغب في المفردات: الخلود هو تبري الشيء من اعتراض الفساد و بقاؤه على الحالة التي هو عليها، و كل ما يتباطأ عنه التغيير و الفساد يصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي: خوالد و ذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها يقال خلد يخلد خلودا قال تعالى: "لعلكم تخلدون" و الخلد - بالفتح فالسكون - اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يستحيل ما دام الإنسان حيا استحالة سائر أجزائه، و أصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة، و منه قيل: رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب، و دابة مخلدة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ثم استعير للمبقي دائماً.
و الخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها قال تعالى: "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" "و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها".
و قوله تعالى: "يطوف عليهم ولدان مخلدون" قيل: مبقون بحالتهم لا يعتريهم الفساد، و قيل: مقرطون بخلدة، و الخلدة ضرب من القرطة، و إخلاد الشيء جعله مبقى و الحكم عليه بكونه مبقى، و على هذا قوله سبحانه: "و لكنه أخلد إلى الأرض" أي ركن إليها ظانا أنه يخلد فيها. انتهى.
فلاحظ أن نفس مفردة الخلود تحتمل عدم الدوام، إلا ان الأنصاف بأنها وإن احتملت ذلك لغة لكن المراد منها في الآية الدوام وذلك لتقييدها بالتأبيد في أكثر من آية، كقوله تعالى: Pإِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراًO[2]، وقوله: Pوَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداًO[3]، ومعناهما واضح.
إن قلت بان الأصل في التفسير اللغة؟!
قلت: قال السيد المحقق الطباطبائي وهو خريت هذه الصناعة حول ذلك ما نصه: الاندفاع أن الآيات القرآنية إنما تتبع فهم أهل اللسان في مفاهيمها الكلية التي تعطيها اللغة و العرف، و أما في مقاصدها و تشخيص المصاديق التي تجري عليها المفاهيم فلا، بل السبيل المتبع فيها هو التدبر الذي أمر به الله سبحانه و إرجاع المتشابه إلى المحكم و عرض الآية على الآية فإن القرآن يشهد بعضه على بعض و ينطق بعضه ببعض و يصدق بعضه بعضا - كما في الروايات - فليس لنا إذا سمعناه تعالى يقول: إنه واحد أحد أو عالم قادر حي مريد سميع بصير أو غير ذلك أن نحملها على ما هو المتبادر عند العرف من المصاديق بل على ما يفسرها نفس كلامه تعالى و يكشفه التدبر البالغ من معانيها[4].
فالخلود وإن كان بحسب أهل اللسان يحتمل المعنيين ـ الدوام وعدمه ـ إلا ان الآيات الأخرى حددت معناه، وهو الدوام دون غيره، وينبغي الالتفات الى أن مسألة الخلود ودوام البقاء غير مسألة دوام العذاب، لما احتمله البعض من بقاء الكفار في النار دون تعذيبهم، فالكلام هنا ليس على العذاب وانما عن البقاء في النار فانتبه.
لكن يبقى إشكال مهم ذكره القائلون على البقاء خلاصته: أن الآية محل الذكر وهي قوله تعالى: Pفَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[5]O، حددت الخلود وقيدته بما بقيت السموات والأرض، وقد ذكرت آيات أخرى أنهما يتغيران ويتبدلان فهما غير خالدين كقوله تعالى: Pمَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّىO[6]، وهي صريحة في أن لهما أجل مسمى عنده تعالى وهذا ينافي الخلود، وعليه فالجنة والنار خالدتان ما دامت السماوات والأرض، وبما أنهما غير خالدتين لأن لهما أجل ولا معنى لوضع أجل للخالد، فلا تكون الجنة والنار وما فيهما خالد؟
والجواب الذي يحسم الإشكال: أنه تعالى يذكر في كلامه أن في الآخرة أرضاً و سماوات وإن كانت غير ما في الدنيا بوجه، قال تعالى:Pيَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ..O[7]،
فللآخرة سماوات وأرض كما أن فيها جنة وناراً ولهما أهلا وقد وصف الله سبحانه الجميع بأنها عنده، و قال: Pمَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍO [8]، فحكم بأنها باقية غير فانية.
وتحديد بقاء الجنة و النار وأهلهما بمدة دوام السماوات والأرض إنما هو من جهة أن السماوات والأرض مطلقا ومن حيث أنهما سماوات و أرض مؤبدة غير فانية، و إنما تفنى هذه السماوات والأرض التي في هذه الدنيا على النظام المشهود وأما السماوات التي تظل الجنة مثلا والأرض التي تقلها وقد أشرقت بنور ربها فهي ثابتة غير زائلة فالعالم لا تخلو منهما قط، وبذلك يندفع الإشكال.
بل خلود الجنة من ضروري الدين، قال في مجمع البيان، في وجوب دخول أهل الطاعة الجنة و عدم جواز خروجهم منها: لإجماع الأمة على أن من استحق الثواب فلا بد أن يدخل الجنة، و أنه لا يخرج منها بعد دخوله فيها. انتهى.
أقول: مسألة "وجوب دخول أهل الثواب الجنة" مبنية على قاعدة عقلية مسلمة و هي أن الوفاء بالوعد واجب دون الوفاء بالوعيد لأن الذي تعلق به الوعد حق للموعود له، و عدم الوفاء به إضاعة لحق الغير و هو من الظلم و أما الوعيد فهو جعل حق للموعد على التخلف الذي يوعد به له، و ليس من الواجب لصاحب الحق أن يستوفي حقه بل له أن يستوفي و له أن يترك و الله سبحانه وعد عباده المطيعين الجنة بإطاعتهم، و أوعد العاصين النار بعصيانهم فمن الواجب أن يدخل أهل الطاعة الجنة توفية للحق الذي جعله لهم على نفسه، و أما عقاب العاصين فهو حق جعله لنفسه عليهم فله أن يعاقبهم فيستوفي حقه و له أن يتركهم بترك حق نفسه.
و أما مسألة عدم الخروج من الجنة بعد دخولها فهو مما تكاثرت عليه الآيات و الروايات، والإجماع الذي ذكره مبني على الذي تسلموه من دلالة الكتاب و السنة أو العقل على ذلك، وليس بحجة مستقلة.
أخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه.
و فيه، أخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، و قرأ: "فأما الذين شقوا".
و فيه، أخرج ابن المنذر و أبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية: "خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك" قال: و قال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها.
أقول: ما ورد في الروايات الثلاث من أقوال الصحابة و لا حجة فيها على غيرهم، و لو فرضت روايات موقوفة لكانت مطروحة بمخالفة الكتاب و قد قال تعالى في الكفار: "و ما هم بخارجين من النار": البقرة: 167.
و في تفسير البرهان، عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد بإسناده عن حمران قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حتى. يصفق أبوابها. فقال: لا و الله إنه الخلود. قلت: "خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض - إلا ما شاء ربك" فقال: هذه في الذين يخرجون من النار.
أقول: و الروايات الدالة على خلود الكفار في النار من طرق أئمة أهل البيت كثيرة جداً.
[1] هود: 106 ـ 107.
[2] الأحزاب: 64 ـ 65.
[3] الجن: 23.
[4]الميزان: ج11، ص18.
[5] هود: 106 ـ 107.
[6] الروم: 8.
[7]إبراهيم: 48.
[8]النحل: 96.
تعتبر مسألة الخلود في النار من المسائل الخلافية في العقيدة حتى داخل المذهب الواحد، وهذا ما يلاحظه الباحث بوضوح، لما تتحمله الآيات الكريمة من قراءات متعددة، ولعل من ابرز الآيات التي موضوعها الخلود قوله عز من قائل: Pفَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[1]O، ومن أسباب ذهاب البعض الى عدم الخلود في النار حتى للكافرين هو نفس معنى الخلود الذي معناه بقاء الشيء على حالته السابقة سواء لم يتغير أصلاً او كان بطئ التغير، قال الراغب في المفردات: الخلود هو تبري الشيء من اعتراض الفساد و بقاؤه على الحالة التي هو عليها، و كل ما يتباطأ عنه التغيير و الفساد يصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافي: خوالد و ذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها يقال خلد يخلد خلودا قال تعالى: "لعلكم تخلدون" و الخلد - بالفتح فالسكون - اسم للجزء الذي يبقى من الإنسان على حالته فلا يستحيل ما دام الإنسان حيا استحالة سائر أجزائه، و أصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة، و منه قيل: رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب، و دابة مخلدة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ثم استعير للمبقي دائماً.
و الخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها قال تعالى: "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" "و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها".
و قوله تعالى: "يطوف عليهم ولدان مخلدون" قيل: مبقون بحالتهم لا يعتريهم الفساد، و قيل: مقرطون بخلدة، و الخلدة ضرب من القرطة، و إخلاد الشيء جعله مبقى و الحكم عليه بكونه مبقى، و على هذا قوله سبحانه: "و لكنه أخلد إلى الأرض" أي ركن إليها ظانا أنه يخلد فيها. انتهى.
فلاحظ أن نفس مفردة الخلود تحتمل عدم الدوام، إلا ان الأنصاف بأنها وإن احتملت ذلك لغة لكن المراد منها في الآية الدوام وذلك لتقييدها بالتأبيد في أكثر من آية، كقوله تعالى: Pإِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراًO[2]، وقوله: Pوَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداًO[3]، ومعناهما واضح.
إن قلت بان الأصل في التفسير اللغة؟!
قلت: قال السيد المحقق الطباطبائي وهو خريت هذه الصناعة حول ذلك ما نصه: الاندفاع أن الآيات القرآنية إنما تتبع فهم أهل اللسان في مفاهيمها الكلية التي تعطيها اللغة و العرف، و أما في مقاصدها و تشخيص المصاديق التي تجري عليها المفاهيم فلا، بل السبيل المتبع فيها هو التدبر الذي أمر به الله سبحانه و إرجاع المتشابه إلى المحكم و عرض الآية على الآية فإن القرآن يشهد بعضه على بعض و ينطق بعضه ببعض و يصدق بعضه بعضا - كما في الروايات - فليس لنا إذا سمعناه تعالى يقول: إنه واحد أحد أو عالم قادر حي مريد سميع بصير أو غير ذلك أن نحملها على ما هو المتبادر عند العرف من المصاديق بل على ما يفسرها نفس كلامه تعالى و يكشفه التدبر البالغ من معانيها[4].
فالخلود وإن كان بحسب أهل اللسان يحتمل المعنيين ـ الدوام وعدمه ـ إلا ان الآيات الأخرى حددت معناه، وهو الدوام دون غيره، وينبغي الالتفات الى أن مسألة الخلود ودوام البقاء غير مسألة دوام العذاب، لما احتمله البعض من بقاء الكفار في النار دون تعذيبهم، فالكلام هنا ليس على العذاب وانما عن البقاء في النار فانتبه.
لكن يبقى إشكال مهم ذكره القائلون على البقاء خلاصته: أن الآية محل الذكر وهي قوله تعالى: Pفَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ[5]O، حددت الخلود وقيدته بما بقيت السموات والأرض، وقد ذكرت آيات أخرى أنهما يتغيران ويتبدلان فهما غير خالدين كقوله تعالى: Pمَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّىO[6]، وهي صريحة في أن لهما أجل مسمى عنده تعالى وهذا ينافي الخلود، وعليه فالجنة والنار خالدتان ما دامت السماوات والأرض، وبما أنهما غير خالدتين لأن لهما أجل ولا معنى لوضع أجل للخالد، فلا تكون الجنة والنار وما فيهما خالد؟
والجواب الذي يحسم الإشكال: أنه تعالى يذكر في كلامه أن في الآخرة أرضاً و سماوات وإن كانت غير ما في الدنيا بوجه، قال تعالى:Pيَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ..O[7]،
فللآخرة سماوات وأرض كما أن فيها جنة وناراً ولهما أهلا وقد وصف الله سبحانه الجميع بأنها عنده، و قال: Pمَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍO [8]، فحكم بأنها باقية غير فانية.
وتحديد بقاء الجنة و النار وأهلهما بمدة دوام السماوات والأرض إنما هو من جهة أن السماوات والأرض مطلقا ومن حيث أنهما سماوات و أرض مؤبدة غير فانية، و إنما تفنى هذه السماوات والأرض التي في هذه الدنيا على النظام المشهود وأما السماوات التي تظل الجنة مثلا والأرض التي تقلها وقد أشرقت بنور ربها فهي ثابتة غير زائلة فالعالم لا تخلو منهما قط، وبذلك يندفع الإشكال.
بل خلود الجنة من ضروري الدين، قال في مجمع البيان، في وجوب دخول أهل الطاعة الجنة و عدم جواز خروجهم منها: لإجماع الأمة على أن من استحق الثواب فلا بد أن يدخل الجنة، و أنه لا يخرج منها بعد دخوله فيها. انتهى.
أقول: مسألة "وجوب دخول أهل الثواب الجنة" مبنية على قاعدة عقلية مسلمة و هي أن الوفاء بالوعد واجب دون الوفاء بالوعيد لأن الذي تعلق به الوعد حق للموعود له، و عدم الوفاء به إضاعة لحق الغير و هو من الظلم و أما الوعيد فهو جعل حق للموعد على التخلف الذي يوعد به له، و ليس من الواجب لصاحب الحق أن يستوفي حقه بل له أن يستوفي و له أن يترك و الله سبحانه وعد عباده المطيعين الجنة بإطاعتهم، و أوعد العاصين النار بعصيانهم فمن الواجب أن يدخل أهل الطاعة الجنة توفية للحق الذي جعله لهم على نفسه، و أما عقاب العاصين فهو حق جعله لنفسه عليهم فله أن يعاقبهم فيستوفي حقه و له أن يتركهم بترك حق نفسه.
و أما مسألة عدم الخروج من الجنة بعد دخولها فهو مما تكاثرت عليه الآيات و الروايات، والإجماع الذي ذكره مبني على الذي تسلموه من دلالة الكتاب و السنة أو العقل على ذلك، وليس بحجة مستقلة.
أخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه.
و فيه، أخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال: سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، و قرأ: "فأما الذين شقوا".
و فيه، أخرج ابن المنذر و أبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية: "خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك" قال: و قال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها.
أقول: ما ورد في الروايات الثلاث من أقوال الصحابة و لا حجة فيها على غيرهم، و لو فرضت روايات موقوفة لكانت مطروحة بمخالفة الكتاب و قد قال تعالى في الكفار: "و ما هم بخارجين من النار": البقرة: 167.
و في تفسير البرهان، عن الحسين بن سعيد في كتاب الزهد بإسناده عن حمران قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حتى. يصفق أبوابها. فقال: لا و الله إنه الخلود. قلت: "خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض - إلا ما شاء ربك" فقال: هذه في الذين يخرجون من النار.
أقول: و الروايات الدالة على خلود الكفار في النار من طرق أئمة أهل البيت كثيرة جداً.
[1] هود: 106 ـ 107.
[2] الأحزاب: 64 ـ 65.
[3] الجن: 23.
[4]الميزان: ج11، ص18.
[5] هود: 106 ـ 107.
[6] الروم: 8.
[7]إبراهيم: 48.
[8]النحل: 96.
تعليق