معنى لفظ (أهل البيت) في آية التطهير ؟عندي مناظرة في أحد المنتديات مع أحد الوهابية بخصوص آية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33)، وكلّ ما أتيت له بآيات من القرآن الكريم، أو بتفسير الآيات من المفسرين من السُنّة والشيعة لا يقبل..، وآخر شيء أتى لي بآية: (( وَامرَأَته قَآئمَةٌ فَضَحكَت فبَشَّرنَاهَا بإسحَقَ وَمن وَرَاء إسحَقَ يَعقوبَ قَالَت يَا وَيلَتَى أَأَلدٌ وَأَنَا عَجوزٌ وَهَـذَا بَعلي شَيخًا إنَّ هَـذَا لَشَيءٌ عَجيبٌ قَالوا أَتَعجَبينَ من أَمر اللّه رَحمَت اللّه وَبَرَكَاته عَلَيكم أَهلَ البَيت إنَّه حَميدٌ مَّجيدٌ )) (هود:71)، مستشهداً أنّ زوجة نبيّ الله إبراهيم عليه وآله السلام من أهل البيت..،
وأيضاً أتى بآية: (( قَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا إِنِّي آنَستُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُم مِنهَا بِخَبَرٍ... )) (القصص:29)، مستشهداً أيضاً على أنّ زوجة نبيّ الله موسى(عليه السلام) من أهل البيت، بقرينة (( قَالَ لِأَهلِهِ )).
فماذا أجيبه؟
الجواب:
إنّ معنى البيت المذكور في الآية هو: أمّا مأوى الرجل ومسكنة ومنزله وداره، أو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما أشبه ذلك، هذا ما يقوله أهل اللغة(1).
فإنّ كان المراد من البيت المعنى الأوّل: فسيكون الكلام عن بيت مخصوص من البيوت، وهو بيت سارة في الآية القرآنية، بقرينة توجه الخطاب اليها، أمّا آية التطهير التي تذكر أهل بيت النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يمكن أن يكون المراد بها بيت أزواجه لأنّه لم يكن لأزواجه بيت واحد معهود، بل كان لكلّ منهن بيت خاص، كما أنّه لا سبيل إلى القول بأنّ المراد بيت واحد من بيوتهن، إذ لا قرينة على ذلك، فتعين أن يكون بيت خاص مغاير لتلك البيوت، وهو ليس إلاّ بيت فاطمة(عليها السلام)، إذ لم يكن في جانب بيوت أزواج النبيّ بيت سوى بيتها(عليها السلام)، ويؤيده نزول الآية في بيت فاطمة(عليها السلام) وجمع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إياها وزوجها وابنيها تحت الكساء.
وإن كان المراد من البيت المعنى الثاني، وهو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما يناسب ذلك اللفظ: فالمراد يكون هو بيت النبوة وبيت الوحي ومركز أنوارهما، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصّة على وجه يصح مع ملاحظتها عدهم أهلاً لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر، فلا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب، وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصّة.
ولو فرض أنّ سارة متحقق عندها تلك الوشائج التي تجعلها مشمولة بالخطاب، فهو لا يعني أنّ تلك الوشائج متحققة عند نساء كلّ نبيّ حتى تشمل نساء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكلّ المنتمين عن طريق الأواصر الجسمانية إلى بيت خاص، إلاّ أذا كانت الوشائج المشار إليها موجودة عندهم, وهذا المعنى هو الأقرب، لأنّ آية التطهير تدلّ في آخرها على تلك الوشائج المتمثلة بعصمة أولئك الأشخاص، فقال تعالى: (( وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، فلا تكون الآية شاملة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا أعمامه ولا أيّ مصداق آخر غير العترة خاصّة، لأنّ جميع المسلمين متّفقون على عدم عصمة أولئك, فالوقائع التاريخية تشير إلى صدور الأخطاء والإشتباهات والمعاصي والإنحرافات منهم، وهذا ما يخالف العصمة التي من المفروض أنّ الآية نصّت عليها بهم.
والروايات التي وصلت من الفريقين تحدد المراد من أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء، فلا يبقى معنى لدخول غيرهم في آية التطهير، حتى لو كان إصطلاح (أهل البيت) عامّاً يشمل غيرهم في غير آية التطهير.
فإذا رجعنا إلى صحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، وإلى مسند أحمد، والبزار، وإلى المستدرك، وتفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور، نجد أنّهم يروون عن ابن عبّاس، وعن أبي سعيد، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن زيد بن أرقم، وعن أُمّ سلمة، وعن عائشة: أنّه لمّا نزلت آية التطهير جمع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهله أيّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين وألقى عليهم كساءاً وقال: (هؤلاء أهل بيتي)(2).
وقد أشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أنّ أُمّ سلمة أرادت الدخول معهم تحت الكساء فلم يأذن لها بالدخول، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها: (وانّك على خير)، أو (إلى خير)، وبالإضافه إلى ذلك كلّه فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حدد المراد من البيت بشكل عملي! فكان يمرّ ببيت فاطمة عدّة شهور كلّما خرج إلى الصلاة، فيقول: (الصلاة أهل البيت (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33) )(3).
وأمّا الروايات التي تقول أنّ الآية نزلت في حقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأزواجه، فإنّها تصل إلى عكرمة الخارجي الحروري، وعروة بن الزبير المعروف بالإنحراف عن عليّ(عليه السلام)، ومقاتل بن سليمان الذي يعد من أركان المشبهة، وأنّ قراءة بسيطة في ترجمة هؤلاء يعرف قيمة رواياتهم، وأنّها لا تقف في قبال تلك الروايات الصحيحة والكثيرة التي تحدد أهل البيت بالخمسة أصحاب النساء.
وأمّا بخصوص سارة فإنّها كانت ابنة عم نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) فدخلت في أهل بيته من هذا الوجه.
وأمّا آية نبيّ الله موسى(عليه السلام) ففيها مصطلح آخر متّفق عليه، وهو (أهل الرجل)، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل)، فنرجو عدم الخلط والمغالطة والتدليس عند الاستدلال، فقد قال الله تعالى: (( فَقَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا )) (طه:10)، وهذا المصطلح لغوي معروف مشهور مستعمل بكثرة وليس هو مصطلح خاص، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل) وبالتالي أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(1) لسان العرب 2: 15، مادة (بيت).
(2) انظر: صحيح مسلم 7: 130 باب ((فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)))، مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المستدرك 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، شواهد التنزيل 2: 55 (انما يريد الله ليذهب...) الآية، ينابيع المودّة 2: 41، السنن الكبرى للبيهقيّ 2: 149 باب ((أهل بيته الذين هم آله))، الدرّ المنثور 5: 198 سورة الاحزاب، الجامع الكبير 5: 328، جامع البيان 22: 8 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ...))، تفسير ابن كثير 3: 492 قوله تعالى: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ...)).
(3) انظر: المستدرك 2: 416، مسند أبي يعلى 12: 456، المعجم الكبير 3: 53، شواهد التنزيل 2: 63، تاريخ مدينة دمشق 14: 142.
يتبع
وأيضاً أتى بآية: (( قَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا إِنِّي آنَستُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُم مِنهَا بِخَبَرٍ... )) (القصص:29)، مستشهداً أيضاً على أنّ زوجة نبيّ الله موسى(عليه السلام) من أهل البيت، بقرينة (( قَالَ لِأَهلِهِ )).
فماذا أجيبه؟
الجواب:
إنّ معنى البيت المذكور في الآية هو: أمّا مأوى الرجل ومسكنة ومنزله وداره، أو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما أشبه ذلك، هذا ما يقوله أهل اللغة(1).
فإنّ كان المراد من البيت المعنى الأوّل: فسيكون الكلام عن بيت مخصوص من البيوت، وهو بيت سارة في الآية القرآنية، بقرينة توجه الخطاب اليها، أمّا آية التطهير التي تذكر أهل بيت النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يمكن أن يكون المراد بها بيت أزواجه لأنّه لم يكن لأزواجه بيت واحد معهود، بل كان لكلّ منهن بيت خاص، كما أنّه لا سبيل إلى القول بأنّ المراد بيت واحد من بيوتهن، إذ لا قرينة على ذلك، فتعين أن يكون بيت خاص مغاير لتلك البيوت، وهو ليس إلاّ بيت فاطمة(عليها السلام)، إذ لم يكن في جانب بيوت أزواج النبيّ بيت سوى بيتها(عليها السلام)، ويؤيده نزول الآية في بيت فاطمة(عليها السلام) وجمع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إياها وزوجها وابنيها تحت الكساء.
وإن كان المراد من البيت المعنى الثاني، وهو مركز الشرف ومجمع السيادة والعزّ وما يناسب ذلك اللفظ: فالمراد يكون هو بيت النبوة وبيت الوحي ومركز أنوارهما، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصّة على وجه يصح مع ملاحظتها عدهم أهلاً لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر، فلا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب، وفي الوقت نفسه يفتقد الأواصر المعنوية الخاصّة.
ولو فرض أنّ سارة متحقق عندها تلك الوشائج التي تجعلها مشمولة بالخطاب، فهو لا يعني أنّ تلك الوشائج متحققة عند نساء كلّ نبيّ حتى تشمل نساء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكلّ المنتمين عن طريق الأواصر الجسمانية إلى بيت خاص، إلاّ أذا كانت الوشائج المشار إليها موجودة عندهم, وهذا المعنى هو الأقرب، لأنّ آية التطهير تدلّ في آخرها على تلك الوشائج المتمثلة بعصمة أولئك الأشخاص، فقال تعالى: (( وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، فلا تكون الآية شاملة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا أعمامه ولا أيّ مصداق آخر غير العترة خاصّة، لأنّ جميع المسلمين متّفقون على عدم عصمة أولئك, فالوقائع التاريخية تشير إلى صدور الأخطاء والإشتباهات والمعاصي والإنحرافات منهم، وهذا ما يخالف العصمة التي من المفروض أنّ الآية نصّت عليها بهم.
والروايات التي وصلت من الفريقين تحدد المراد من أهل البيت بالخمسة أصحاب الكساء، فلا يبقى معنى لدخول غيرهم في آية التطهير، حتى لو كان إصطلاح (أهل البيت) عامّاً يشمل غيرهم في غير آية التطهير.
فإذا رجعنا إلى صحيح مسلم، والترمذي، والنسائي، وإلى مسند أحمد، والبزار، وإلى المستدرك، وتفسير الطبري، وابن كثير، والدر المنثور، نجد أنّهم يروون عن ابن عبّاس، وعن أبي سعيد، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن زيد بن أرقم، وعن أُمّ سلمة، وعن عائشة: أنّه لمّا نزلت آية التطهير جمع (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهله أيّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين وألقى عليهم كساءاً وقال: (هؤلاء أهل بيتي)(2).
وقد أشتمل لفظ الحديث في أكثر طرقه على أنّ أُمّ سلمة أرادت الدخول معهم تحت الكساء فلم يأذن لها بالدخول، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لها: (وانّك على خير)، أو (إلى خير)، وبالإضافه إلى ذلك كلّه فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حدد المراد من البيت بشكل عملي! فكان يمرّ ببيت فاطمة عدّة شهور كلّما خرج إلى الصلاة، فيقول: (الصلاة أهل البيت (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )) (الأحزاب:33) )(3).
وأمّا الروايات التي تقول أنّ الآية نزلت في حقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأزواجه، فإنّها تصل إلى عكرمة الخارجي الحروري، وعروة بن الزبير المعروف بالإنحراف عن عليّ(عليه السلام)، ومقاتل بن سليمان الذي يعد من أركان المشبهة، وأنّ قراءة بسيطة في ترجمة هؤلاء يعرف قيمة رواياتهم، وأنّها لا تقف في قبال تلك الروايات الصحيحة والكثيرة التي تحدد أهل البيت بالخمسة أصحاب النساء.
وأمّا بخصوص سارة فإنّها كانت ابنة عم نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) فدخلت في أهل بيته من هذا الوجه.
وأمّا آية نبيّ الله موسى(عليه السلام) ففيها مصطلح آخر متّفق عليه، وهو (أهل الرجل)، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل)، فنرجو عدم الخلط والمغالطة والتدليس عند الاستدلال، فقد قال الله تعالى: (( فَقَالَ لِأَهلِهِ امكُثُوا )) (طه:10)، وهذا المصطلح لغوي معروف مشهور مستعمل بكثرة وليس هو مصطلح خاص، وهو يختلف عن مصطلح (أهل بيت الرجل) وبالتالي أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(1) لسان العرب 2: 15، مادة (بيت).
(2) انظر: صحيح مسلم 7: 130 باب ((فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)))، مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، المستدرك 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، شواهد التنزيل 2: 55 (انما يريد الله ليذهب...) الآية، ينابيع المودّة 2: 41، السنن الكبرى للبيهقيّ 2: 149 باب ((أهل بيته الذين هم آله))، الدرّ المنثور 5: 198 سورة الاحزاب، الجامع الكبير 5: 328، جامع البيان 22: 8 قوله تعالى: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ...))، تفسير ابن كثير 3: 492 قوله تعالى: (( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ...)).
(3) انظر: المستدرك 2: 416، مسند أبي يعلى 12: 456، المعجم الكبير 3: 53، شواهد التنزيل 2: 63، تاريخ مدينة دمشق 14: 142.
يتبع
تعليق