بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 00
من الأذكار المهمة في حياتنا اليومية هو ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله
وحبيبه وصفيه في صلاتنا او خارج صلاتنا وهناك عدة نقاط اشار اليها سماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي حول أهمية هذه الصلاة وآثارها والفاظها وهل هي واجبة او مستحبة وهو موضوع شيق اتمنى للجميع المتعة والفائدة ولاتنسوني من الدعاء 1
1- ما سرّ هذه الاهمية للصلوات على النبي
قبل كل شيء يبرز هنا هذا السؤال وهو ما سر كل هذه الأهمية للصلوات؟ وما الأمر الذي تختزنه الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله)؟ ويمكن القول في الاجابة على هذا السؤال هو عدم نسيان مكانة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ومقامه الجليل، ويستلزم ذلك عدم هجر الإسلام وتعاليم الحقة، ومن هنا كانت الصلوات على النبي رمزاً لبقاء الإسلام وديمومة مسيرته. أضف إلى ذلك فانّ الصلوات تدعونا للتعرف بصورة أعمق على مقامه(صلى الله عليه وآله)والاقتداء باخلاقه وصفاته، ومن هنا وردت بعض التعبيرات التي تفيد أنّ الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله)تؤدي إلى طهارة الأخلاق ونقاء الاعمال وتساقط الذنوب، ومن ذلك ما جاء في الزيارة الجامعة: «و جعل صلاتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارةً لأنفسنا وتزكيةً لنا وكفّارةً لذنوبنا».(1) كما أشير في عدة روايات إلى تحات الذنوب حين الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله). من جانب آخر فان الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله)وآله إنّما تمطر أرواحهم الطاهرة بوابل من رحمة اللّه، ولما كانوا(عليهم السلام)وسائط الفيض فانّ تلك الرحمة وبركاتها إنّما تنحدر منهم إلى الاُمّة. وعليه فالصلوات والرحمة عليهم في الواقع هى صلوات علينا ورحمة لنا. أضف إلى ذلك فانّ الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله) إنّما يمثل نوعا من الشكر والتقدير للجهود التي بذلها من أجل هدآيه الاُمّة، وممّا لاشك فيه أن هنالك أجر وثواب لهذا الشكر ومعرفة الجميل.
2 ـ آثار الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله)
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أنّ الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) هل لها من دور على منزلته ومقامه(صلى الله عليه وآله) وآله؟ لعل هنالك من يقول بعدم وجود أي دور لهذه الصلاة فالنبي وآله قد بلغوا المقام الذي يريدون؟ إلاّ أنّ خواء هذا الكلام يتضح من خلال الالتفات إلى أنّ المسيرة التكاملية للإنسان إنّما تنطلق من المتناهي إلى اللامتناهي، وعليه فهى مسيرة مفتوحة ليست
________________________________________
1. زيارة الجامعة الكبيرة.
محددة باطر وحدود، ومن هنا ورد في بعض الأدعية وبضمنها التشهد القول بحق النبي(صلى الله عليه وآله)«وارفع درجته»(1) وإلى ذلك أشار القرآن: (إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِـيماً)(2) والفعل المضارع (يصلون) يفيد استمرار هذه الرحمة، ومن الواضح أنّ كل مسلم ينطق بالتوحيد والإسلام إنّما يمثل رحمة متجددة لمشيد دعائم هذا الدين، وذلك لأنّه(صلى الله عليه وآله) صاحب الفضل في سن هذه السنة الحسنة.
3 ـ الفاظ الصلوات على النبي(صلى الله عليه وآله)
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بهذا الشأن يكمن في الصيغة التي ترد بها الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله). فقد وردت روايات عن طريق الفريقين التي أكدت إقتران آل النبي(صلى الله عليه وآله) به حين الصلاة. ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض هذه الروايات:
روي في الدر المنثور عن صحيح البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن كعب بن عجره انّ رجلاً قال للنبي(صلى الله عليه وآله): «أمّا السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك؟» قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): «قل اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنّك حميد مجيد. اللّهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم إنّك حميد مجيد».
وإضافة إلى الحديث المذكور فقد نقل صاحب تفسير الدر المنثور ثمانية عشر حديثاً صرحت جميعها بوجوب ذكر آل محمد حين الصلاة عليه، وقد نقلت هذه الأحاديث في المصادر المشهورة والمعروفة لدى العامة عن طريق الصحابة ومنهم: ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وطلحة وأبومسعود الأنصاري وبريدة وابن مسعود وكعب بن عجرة وأميرالمؤمنين علي(عليه السلام).(3) وقد روى صحيح البخاري(4)، عدة روايات بهذا الخصوص، كما
________________________________________
1. وسائل الشيعة 4/989 باب كيفية التشهد.
2. سورة الأحزاب / 56.
3. تفسير الدرالمنثور 5/216 ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب.
4. صحيح البخاري 6/151 في تفسير سورة الأحزاب.
[ 117 ]
جاءت روايتان في صحيح مسلم(1)، والغريب هو أنّ العنوان الذي ورد في صحيح مسلم باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم (دون ذكر آله) رغم إقتران الآل بالنبي(صلى الله عليه وآله)في الأحاديث المذكورة. والجدير بالذكر هنا أن بعض روايات العامة وأغلب روايات الشيعة لم تفصل بين محمد وآل محمد بحرف على، والصيغة الواردة هى «الّلهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد». ونختتم البحث بهذا الحديث الذي ورد في صواعق ابن حجر(2) ان النبي(صلى الله عليه وآله)قال: «لا تصلوا على الصلاة البتراء! فقالوا: وما الصّلاة البتراء؟ قال: يقولون: أللّهمّ صلّ على محمّد، وتمسكون; بل قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أضف إلى ذلك فقد وردت عدة أحاديث بهذا المجال في المجلد الأول من كنز العمال.
4 ـ الصلاة على النبي واجبة أم مستحبة؟
هنا يبرز هذا السؤال: هل الصلاة على النبي واجبة أم مستحبة؟ ظاهر الآية السادسة والخمسون من سورة الأحزاب: (إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ...)هو الوجوب; لأ ننا نعلم أن صيغة الأمر تفيد الوجوب، إلاّ أن تكون هناك قرينة على خلافه، وقد أمر اللّه في هذه الآية بالصلاة على النبي، فأقلّ ما يلزم الصلاة عليه ولو لمرة واحدة. أضف إلى ذلك فانّ مشهور فقهاء الشيعة وجمع من فقهاء العامة يعتقد بوجوب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) في التشهد. فقد صرح فقيه العامة ابن قدامة في كتاب المغني بوجوب الصلاة على النبي في التشهد الأول وقال: «أللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم... وهى واجبةٌ في صحيح المذهب وهو قول الشّافعي واسحاق...» ثم نقل عن ابن راهويه (أحد فقهاء العامة) «لو أنّ رجلاً ترك الصّلاة على النّبي(صلى الله عليه وآله)فى التشهّد بطلت صلاته».
وأضاف: (وظاهر مذهب أحمد أحد الائمة الأربعة لدى العامة) هو الوجوب أيضاً.
(3)وصرح الشيخ منصور علي ناصف صاحب كتاب الجامع للاصول ذيل الآية السادسة
________________________________________
1. صحيح مسلم 1/305 باب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله).
2. الصواعق لابن حجر /144.
3. المغني 1/579.
والخمسين من سورة الأحزاب: (إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ...) أنّ ظاهر الآية هو وجوب الصلاة على النبي وعليه إتفاق العلماء.(1)
5 ـ المفهوم الحقيقي للصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله)
السؤال الأخير الذي يطرح نفسه هنا: ما مفهوم هذه الصلوات؟ يتفق العلماء على أنّ صلاة اللّه على العبد تعني الرحمة، وصلاة الملائكة والناس تعني طلب العفو والرحمة، أو حسب الرواية الواردة عن الإمام الكاظم(عليه السلام)حين سئل عن معنى صلوات اللّه والملائكة والمؤمنين في الآية الشريفة:
(إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ) قال: صلاة اللّه رحمته وصلاة المؤمنين تقديسهم للنبي(صلى الله عليه وآله) وصلاة المؤمنين طلبهم الرحمة للنبي(صلى الله عليه وآله).(2) ويرى البعض أن جمعي هذه ارسال الرحمة أو التقديس وطلب المغفرة بحيث يردها كل أحد على ضوء مقتضى حاله.(3)ولما كان الأصل اللغوي لهذه المفردة صلى على وزن سعى بمعنى القذف في النار أو الاشتغال بهما، فانّ البعض يرى أن الصلوات تعني إبعاد نار العذاب الاُخروي، ونتيجته الرحمة أو طلبها; إلاّ أنّ البعض فرق بين الصلو الناقص الواوي والصلي الناقص اليائي، على أنّ المعنى الأخير يتعلق بصلي بينما ترتبط المعاني السابقة بالصلو (لابدّ من التأمل).
على كل حال فان ما ورد يشير إلى أنّ كل صلاة وسلام على النبي(صلى الله عليه وآله)يمثل رحمة متجددة على روحه الطاهرة، ولا يستبعد أن تطول تلك الرحة التي تستند لتلك العين الإلهية الفياضة الاُمّة وترفرف عليها، ومن هنا كانت الصلوات والسلام على النبي(صلى الله عليه وآله)مصدر رحمة للإنسان وغفران ذنوبه. أما بشأن المراد بآل محمد(صلى الله عليه وآله)هل هم أهل البيت من ولده. ________________________________________
1. التاج الجامع للاصول 5/143.
2. تفسير نورالثقلين 4/302، رقم 211 (ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب).
3. التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مادة صلو (باقتباس ونقل بالمعنى).
مقتطف من كتاب نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة
مجلد 3 لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي .
تعليق