- مَضامينُ خِطابِ المَرجَعيّةِ الدّينيّةِ العُليَا الشريفةِ, دامتْ بركاتها ، اليَوم الجُمعَة-
:1- على الأمةِ أنْ تفكرَ في آثارِ عدم الاستجابةِ التامةِ لِمَن ينبهها ويدعوها ويُبينُ لها وتَسببها بزيادةِ البلاءِ عامةً .
: 2 - التوجيه بضرورةِ الاعتبارِ بأهميةِ دورِ الأمةِ بماهي أمةٌ في المَسائل المَصيرية والمَبادئ والقيمِ وخطورة التنازل عنها.
:3-إنَّ القرآنَ الكريم هو كتابُ هدايةٍ وحكمةٍ ويُنبهنا بوصف الأمةِ بما هي أمةٍ لأمورٍ اهتم بها اللهُ ,تبارك وتعالى, اهتماماً بالغاً ينبغي الالتفاتُ إليها وعدمُ الغفلة عنها وخاصةًً خذلان الناصح مثل الأنبياءِ , عليهم السلامُ ,وتراجع الأمةِ عن مسؤوليتها بالمجموعِ هو الأخطرُ.
:4- ندعو بأنْ يُعجّلَ اللهُ تبارك وتعالى بالنصرِ المؤزرِ لأحبتنا المُقاتلين الأعّزّةِ على أعدائهم ويُرينا كُلّ خيرٍ في بلدنا , ويُرينا في أعدائِنا كُلَّ ذلةٍ وهَوان.
:: - نصُّ مَا جَاءَ في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ, اليَوم, الجُمْعَة – التاسع عشر مِن ربيع الأوّل ,1439هجري - وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي السيّد أحمَد الصَافي , خَطيب , وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :
إنَّ مِن جملةِ ما عرضه القرآنُ الكريمُ هو بعض الصور التي تَمرُّ علينا كأممٍ , فهناك بعضُ المَشاكلِ الفرديةِ للإنسانِ بوصفه فرداً , وقد يعصي اللهَ فيها فيُجازى بها , وهناك بعضُ الصورِ التي يُلحَظُ فيها عنوانَ الأمةِ والمُجتمع والمَجموعةِ , وقبل أنْ ندخلَ في بعض الآياتِ الشريفةِ يجبُ أنْ ننوه إلى مُقدمةٍ مهمةٍ جداً : وهي أنّ هناك بعضَ الأمورِ التي اهتم اللهُ بها اهتماماً بالغاً لأهميتها العظمى , وهذه الأهميةُ العظمى تتناسبُ في حالِ خذلانِ هذا الأمرِ إذا لم يحدثُ ما أرادَ اللهُ تبارك وتعالى تارةً في الدنيا من العمل , وتارةً يعطينا اللهُ صورةً مُخوفةً مِن الحالة التي ستكون.
:.. وفي بعض المسائل أرادَ اللهُ تعالى من الأمة بما هي أمةٍ أنْ تلتفتَ إلى أهميتها إذا كان هناك مَن يُنبه ويدعو , وهناك من يشيرُ , وهناك من ينصحُ , ومن يُبيّنُ ,
فعلى الأمةِ أن تلتفتَ لأنَّ هذه الأمورَ إذا لم تتحقق فيها الاستجابةُ التامةُ فممكن والعياذ بالله أنْ يزدادَ البلاءُ عامةً .
لاحظوا بعضَ الصورِ عن ألآنِ مَعاشر المسلمين جميعاً , نحن نُقدّسُ الأشياءَ ونَمرُّ على أعاظم الأنبياءِ في القرآن الكريم , فمثلاً النبي نوح , عليه السلامُ , لاحظوا قصته مع قومه وأمته , وفيها أكثرُ من مدلولٍ , وكما أنَّ الأنبياءَ دعوا قومهم فنوحاً قد دعا قومه.
:.. إنَّ القرآن الكريمَ لا يتحدثُ عن تفاصيلٍ ولكنه يتحدثُ عن قضيةٍ لم تحصل إلاّ مع نوح وبصورةٍ مُلفتةٍ للنظرِ والتأملِ ,وبما يلي :
:1- إنَّ الذين لم يتبعوا نوحاً لم يرجعوا إلى عقولهم ويتأسوا بفهمها, بل كانوا يصفون من اتبعه ب - ((وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ))(27),هود.
وقد وصفوهم بسفلةِ القومِ , ولم يتبين لهم قيمةُ النبي نوح وننصحه وبالنتيجة عرّضوا بالنبي نوح وقيمته.
:2- هؤلاءِ وكما عبّر القرآنُ الكريم عنهم ((جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ))(7), نوح.
وإنّهم لم يعطوا النبي نوحاً مَجالاً ليتكلّمَ معهم , وهنا القرآنُ الكريمُ لم يَقُل هناك فرداً واحداً قد جعلَ أصبعَه في أذنِه بل قالَ: ((جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ)) , أو الذين اتهموا مَن اتبعه ليس شخصاً بل هم مَجموعة , ومعها هذا أصبحَ نوحٌ مع الذين اتبعوه في حالةِ غربةٍ ,- يتكلمُ ولا يسمعون – يُنادي ولا يفقهون - , بحيث أدركَ أنَّ هؤلاءِ لا يُوجدُ فيهم ولا في أصلابهم صالحٌ أصلاُ فدعا عليهم ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27))),نوح.
وإنَّ أمته عصته تماما وحتى ابنه لم يكن من الناجين , لم يسمع , ولم يتعظ ,ومع أنَّ النبيَ نوحاً, ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)) (14)العنكبوت.
قد لبثَ فيهم هذه المدةَ ولأجيال مُتعاقبةٍ لا جيلٌ واحدٌ , يدعوهم وبلا فائدةٍ تُرجى.
:.. فهم أمةٌ قد خذلَتْ نبيها بالنتيجةِ إلى أن جاءهم الطوفان ولم ينجوا منهم أحدٌ.
فلماذا الأمةُ تتراجعُ عن مسؤوليتها ؟ هذا في مَثَلِ نوح , عليه السلامُ ,.
ويأخذُنا القرآنُ الكريمُ في سورة الجاثيةِ وفي آياتها الشريفة , والتي لا تتحدثُ عن أمةٍ واحدةٍ فحسب , بل تتحدثُ عن أممٍ , قال تعالى: (( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29))), الجاثية.
والجثو هو الجلوسُ على الرّكبِ للخصومةِ , فالمُذنبُ حينما يُخاصمُ يَجلسُ على ركبتيه دليلاً على الخضوعِ , وهنا بلاغةٌ راقيةٌ في أداءِ هذا المَطلبِ , وهذا المعنى الذي يبينه القرآنُ الكريمُ , وهو معنى عجيبٌ وغريبٌ ودقيقٌ ينبغي الالتفاتُ إليه.
, قال تعالى: ((كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا)) , والكتابُ هو السماوي منه والدستور والمنهج , وهنا تظهرُ حالاتٌ منها:
- الحالةُ الأولى- هناك أمةٌ لا أفرادٌ وهناك عملٌ اشتركتْ فيه الأمةُ وستدفعُ هذا الثمنَ في يَومِ الجزاءِ((كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)), والمُشكلَةُ في هذه النقطةِ المهمةِ , وهي مشكلة الجزاءِ , وقد نبهنا في الخطبة الأولى بفقرة الدعاء,
( اللّهُمَ لا تحظر علي رزقي ) فبعضٌ يأخذُ مالَ غيره ويمدّ يده إلى حقّ غيره , ويفعلُ الأفاعيلَ , وفي هذه الدنيا قد لا يُوجدُ جزاءٌ دائماً على أكثر الظلامات في هذه الدنيا ,
ولكن الجزاءَ وهذا تعبير راقي لن يفلتَ منه أحدٌ يوم تُجزون , وربما يُغضُ الطرفُ ويُمهلُ لأمورٍ ومصالحٍ , لا يُكافئ اللهُ عليها ألآن , ولكن ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ,
لاحظوا هذه العمليةَ الجزائيةَ , وهذه سورة الجاثية ينبغي الالتفاتُ إليها قال تعالى:
(( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) , الكتابُ لا ينطق بالباطل والذي هو ضد الحقِّ , وإنما ينطقُ بالحقِّ عليكم في مَقامِ المُحاجة والمخاصمةِ , فلستم أنتم أصحاب الحقِّ , بل الحقِّ اليوم عليكم , ولا مفرّ ولا ومهرب , ولا واسطة ولا مجاملة ,
ولا يمكن لأحدٍ أنْ يخرجَ من سلطانِ اللهِ إلى سلطانِ غيره , ((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29))), ق.
:.. أحدكم يرمي المشكلةَ على الآخرِ وهذا لا ينفعُ , فالصورةُ القرآنيةُ مُرعبةٌ في بيانِ يوم الاقتصاصِ ويوم الأخذِ لحقّ المظلوم من الظالمِ , وكم من ظالم عندنا في الدنيا قد ذهب
ولا نعلم به , ولكن عندما نقرأ حقيقته نزدادُ رعباً ,والذي يؤمنُ لا بدّ أن يأتي بعقله ويجعله في رأسه حتى يفكرَ.
قال تعالى (( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) ,هذا الذي نكتبه عليكم لم نضف إليه شيئاً,
بل هو ما عملتموه وقد كتبناه عليكم ,وحتى الملائكة ليس لهم عملٌ إلاّ أن يكتبوا ما عملتم في الدنيا ,وأين المفرُّ , كلاّ ولا يوجدُ مفرٌّ .
:.. إنَّ القرآنَ الكريم هو كتابُ هدايةٍ وحكمةٍ ويُنبهنا بوصف الأمةِ بما هي أمةٍ لأمورٍ اهتم بها اللهُ تبارك وتعالى اهتماماً بالغاً ينبغي الالتفاتُ إليها وعدم الغفلة عنها وخاصةًً خذلان الناصح مثل الأنبياءِ , عليهم السلامُ ,وتراجع الأمةِ عن مسؤوليتها بالمجموعِ هو الأخطرُ .
ولا مهرب لنا من الجزاءِ إذا ما تنازلتْ الأمةُ عن مبادئها وماذا سيكون الجزاء؟
ندعو بأنْ يُعجّلَ اللهُ تبارك وتعالى بالنصرِ المؤزرِ لأحبتنا المُقاتلين الأعّزّةِ على أعدائهم,
ويُرينا كلّ خيرٍ في بلدنا , ويُرينا في أعدائنا كلَّ ذلةٍ وهوان.
_________________________________________________
الجُمْعَة, التاسع عشر من ربيع الأول ,1439 هِجرِي, المُوافِقَ ,الثامن من كانون الأول,2017م.
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
_______________________________________________
:1- على الأمةِ أنْ تفكرَ في آثارِ عدم الاستجابةِ التامةِ لِمَن ينبهها ويدعوها ويُبينُ لها وتَسببها بزيادةِ البلاءِ عامةً .
: 2 - التوجيه بضرورةِ الاعتبارِ بأهميةِ دورِ الأمةِ بماهي أمةٌ في المَسائل المَصيرية والمَبادئ والقيمِ وخطورة التنازل عنها.
:3-إنَّ القرآنَ الكريم هو كتابُ هدايةٍ وحكمةٍ ويُنبهنا بوصف الأمةِ بما هي أمةٍ لأمورٍ اهتم بها اللهُ ,تبارك وتعالى, اهتماماً بالغاً ينبغي الالتفاتُ إليها وعدمُ الغفلة عنها وخاصةًً خذلان الناصح مثل الأنبياءِ , عليهم السلامُ ,وتراجع الأمةِ عن مسؤوليتها بالمجموعِ هو الأخطرُ.
:4- ندعو بأنْ يُعجّلَ اللهُ تبارك وتعالى بالنصرِ المؤزرِ لأحبتنا المُقاتلين الأعّزّةِ على أعدائهم ويُرينا كُلّ خيرٍ في بلدنا , ويُرينا في أعدائِنا كُلَّ ذلةٍ وهَوان.
:: - نصُّ مَا جَاءَ في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ, اليَوم, الجُمْعَة – التاسع عشر مِن ربيع الأوّل ,1439هجري - وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي السيّد أحمَد الصَافي , خَطيب , وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :
إنَّ مِن جملةِ ما عرضه القرآنُ الكريمُ هو بعض الصور التي تَمرُّ علينا كأممٍ , فهناك بعضُ المَشاكلِ الفرديةِ للإنسانِ بوصفه فرداً , وقد يعصي اللهَ فيها فيُجازى بها , وهناك بعضُ الصورِ التي يُلحَظُ فيها عنوانَ الأمةِ والمُجتمع والمَجموعةِ , وقبل أنْ ندخلَ في بعض الآياتِ الشريفةِ يجبُ أنْ ننوه إلى مُقدمةٍ مهمةٍ جداً : وهي أنّ هناك بعضَ الأمورِ التي اهتم اللهُ بها اهتماماً بالغاً لأهميتها العظمى , وهذه الأهميةُ العظمى تتناسبُ في حالِ خذلانِ هذا الأمرِ إذا لم يحدثُ ما أرادَ اللهُ تبارك وتعالى تارةً في الدنيا من العمل , وتارةً يعطينا اللهُ صورةً مُخوفةً مِن الحالة التي ستكون.
:.. وفي بعض المسائل أرادَ اللهُ تعالى من الأمة بما هي أمةٍ أنْ تلتفتَ إلى أهميتها إذا كان هناك مَن يُنبه ويدعو , وهناك من يشيرُ , وهناك من ينصحُ , ومن يُبيّنُ ,
فعلى الأمةِ أن تلتفتَ لأنَّ هذه الأمورَ إذا لم تتحقق فيها الاستجابةُ التامةُ فممكن والعياذ بالله أنْ يزدادَ البلاءُ عامةً .
لاحظوا بعضَ الصورِ عن ألآنِ مَعاشر المسلمين جميعاً , نحن نُقدّسُ الأشياءَ ونَمرُّ على أعاظم الأنبياءِ في القرآن الكريم , فمثلاً النبي نوح , عليه السلامُ , لاحظوا قصته مع قومه وأمته , وفيها أكثرُ من مدلولٍ , وكما أنَّ الأنبياءَ دعوا قومهم فنوحاً قد دعا قومه.
:.. إنَّ القرآن الكريمَ لا يتحدثُ عن تفاصيلٍ ولكنه يتحدثُ عن قضيةٍ لم تحصل إلاّ مع نوح وبصورةٍ مُلفتةٍ للنظرِ والتأملِ ,وبما يلي :
:1- إنَّ الذين لم يتبعوا نوحاً لم يرجعوا إلى عقولهم ويتأسوا بفهمها, بل كانوا يصفون من اتبعه ب - ((وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ))(27),هود.
وقد وصفوهم بسفلةِ القومِ , ولم يتبين لهم قيمةُ النبي نوح وننصحه وبالنتيجة عرّضوا بالنبي نوح وقيمته.
:2- هؤلاءِ وكما عبّر القرآنُ الكريم عنهم ((جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ))(7), نوح.
وإنّهم لم يعطوا النبي نوحاً مَجالاً ليتكلّمَ معهم , وهنا القرآنُ الكريمُ لم يَقُل هناك فرداً واحداً قد جعلَ أصبعَه في أذنِه بل قالَ: ((جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ)) , أو الذين اتهموا مَن اتبعه ليس شخصاً بل هم مَجموعة , ومعها هذا أصبحَ نوحٌ مع الذين اتبعوه في حالةِ غربةٍ ,- يتكلمُ ولا يسمعون – يُنادي ولا يفقهون - , بحيث أدركَ أنَّ هؤلاءِ لا يُوجدُ فيهم ولا في أصلابهم صالحٌ أصلاُ فدعا عليهم ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27))),نوح.
وإنَّ أمته عصته تماما وحتى ابنه لم يكن من الناجين , لم يسمع , ولم يتعظ ,ومع أنَّ النبيَ نوحاً, ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)) (14)العنكبوت.
قد لبثَ فيهم هذه المدةَ ولأجيال مُتعاقبةٍ لا جيلٌ واحدٌ , يدعوهم وبلا فائدةٍ تُرجى.
:.. فهم أمةٌ قد خذلَتْ نبيها بالنتيجةِ إلى أن جاءهم الطوفان ولم ينجوا منهم أحدٌ.
فلماذا الأمةُ تتراجعُ عن مسؤوليتها ؟ هذا في مَثَلِ نوح , عليه السلامُ ,.
ويأخذُنا القرآنُ الكريمُ في سورة الجاثيةِ وفي آياتها الشريفة , والتي لا تتحدثُ عن أمةٍ واحدةٍ فحسب , بل تتحدثُ عن أممٍ , قال تعالى: (( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29))), الجاثية.
والجثو هو الجلوسُ على الرّكبِ للخصومةِ , فالمُذنبُ حينما يُخاصمُ يَجلسُ على ركبتيه دليلاً على الخضوعِ , وهنا بلاغةٌ راقيةٌ في أداءِ هذا المَطلبِ , وهذا المعنى الذي يبينه القرآنُ الكريمُ , وهو معنى عجيبٌ وغريبٌ ودقيقٌ ينبغي الالتفاتُ إليه.
, قال تعالى: ((كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا)) , والكتابُ هو السماوي منه والدستور والمنهج , وهنا تظهرُ حالاتٌ منها:
- الحالةُ الأولى- هناك أمةٌ لا أفرادٌ وهناك عملٌ اشتركتْ فيه الأمةُ وستدفعُ هذا الثمنَ في يَومِ الجزاءِ((كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)), والمُشكلَةُ في هذه النقطةِ المهمةِ , وهي مشكلة الجزاءِ , وقد نبهنا في الخطبة الأولى بفقرة الدعاء,
( اللّهُمَ لا تحظر علي رزقي ) فبعضٌ يأخذُ مالَ غيره ويمدّ يده إلى حقّ غيره , ويفعلُ الأفاعيلَ , وفي هذه الدنيا قد لا يُوجدُ جزاءٌ دائماً على أكثر الظلامات في هذه الدنيا ,
ولكن الجزاءَ وهذا تعبير راقي لن يفلتَ منه أحدٌ يوم تُجزون , وربما يُغضُ الطرفُ ويُمهلُ لأمورٍ ومصالحٍ , لا يُكافئ اللهُ عليها ألآن , ولكن ( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ,
لاحظوا هذه العمليةَ الجزائيةَ , وهذه سورة الجاثية ينبغي الالتفاتُ إليها قال تعالى:
(( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) , الكتابُ لا ينطق بالباطل والذي هو ضد الحقِّ , وإنما ينطقُ بالحقِّ عليكم في مَقامِ المُحاجة والمخاصمةِ , فلستم أنتم أصحاب الحقِّ , بل الحقِّ اليوم عليكم , ولا مفرّ ولا ومهرب , ولا واسطة ولا مجاملة ,
ولا يمكن لأحدٍ أنْ يخرجَ من سلطانِ اللهِ إلى سلطانِ غيره , ((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29))), ق.
:.. أحدكم يرمي المشكلةَ على الآخرِ وهذا لا ينفعُ , فالصورةُ القرآنيةُ مُرعبةٌ في بيانِ يوم الاقتصاصِ ويوم الأخذِ لحقّ المظلوم من الظالمِ , وكم من ظالم عندنا في الدنيا قد ذهب
ولا نعلم به , ولكن عندما نقرأ حقيقته نزدادُ رعباً ,والذي يؤمنُ لا بدّ أن يأتي بعقله ويجعله في رأسه حتى يفكرَ.
قال تعالى (( إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) ,هذا الذي نكتبه عليكم لم نضف إليه شيئاً,
بل هو ما عملتموه وقد كتبناه عليكم ,وحتى الملائكة ليس لهم عملٌ إلاّ أن يكتبوا ما عملتم في الدنيا ,وأين المفرُّ , كلاّ ولا يوجدُ مفرٌّ .
:.. إنَّ القرآنَ الكريم هو كتابُ هدايةٍ وحكمةٍ ويُنبهنا بوصف الأمةِ بما هي أمةٍ لأمورٍ اهتم بها اللهُ تبارك وتعالى اهتماماً بالغاً ينبغي الالتفاتُ إليها وعدم الغفلة عنها وخاصةًً خذلان الناصح مثل الأنبياءِ , عليهم السلامُ ,وتراجع الأمةِ عن مسؤوليتها بالمجموعِ هو الأخطرُ .
ولا مهرب لنا من الجزاءِ إذا ما تنازلتْ الأمةُ عن مبادئها وماذا سيكون الجزاء؟
ندعو بأنْ يُعجّلَ اللهُ تبارك وتعالى بالنصرِ المؤزرِ لأحبتنا المُقاتلين الأعّزّةِ على أعدائهم,
ويُرينا كلّ خيرٍ في بلدنا , ويُرينا في أعدائنا كلَّ ذلةٍ وهوان.
_________________________________________________
الجُمْعَة, التاسع عشر من ربيع الأول ,1439 هِجرِي, المُوافِقَ ,الثامن من كانون الأول,2017م.
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
_______________________________________________
تعليق