بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
لعل سؤال «لماذا؟» من أفضل الأسئلة المثيرة للذهن في عملية التدبر في كتاب الله العزيز. وهو سؤال يَفترض أن كل كلمة في القرآن في كل آية من آياته محكومة بنظام دقيق أفصحت عنه الآية الكريمة: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ». فكل مفردة من مفرداته لا تحل محلها غيرُها، ولا يُقدَّم موقعها أو يُؤخَّر، لأن هندسة النظم القرآني معجزة في حد ذاتها، وأعني بذلك هندسة الحروف والكلمات والجمل والآية والسورة. وفي هذا درس عظيم يدعونا إلى أهمية ممارسة الدقة في جميع شؤوننا من فكر وقول وفعل.
قد تسأل مثلا: لماذا وردت كلمة «السبيل» بهيئتين مختلفتين، إحداهما بالمد والأخرى بدونه، مع كونهما في حالة إعرابية واحدة، كما قال تعالى: «وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ» وقال: «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا»؟. ولماذا قال «اقتتلوا» في مورد المثنى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»؟ ولماذا تم اختيار لفظ «متشاكسون» في قوله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِّرَجُلٍ» وليس لفظا آخر؛ «متخاصمون» مثلا؟.
هذه الأسئلة وأمثالها تفتح للمتدبر آفاقا رحبة للتأمل في البيان الإلهي العظيم. فعلى سبيل المثال، كلنا يعلم المقام الأسمى الذي بلغه رسول الله ، فكان لا بد أن يتجلى ذلك في الخطاب القرآني أيضا، أي في الآيات التي تذكره حيث يظهر، عند تدبرها بسؤال «لماذا» وغيره، بعض ما له من مكانة لا يدانيه فيها أحد.
فحين تقرأ قوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ» قد تسأل: لماذا تم إفراد الرسول بالإيمان، ثم أُلحق به المؤمنون؟ والجواب كما ذكر صاحب الميزان أن ذلك جاء « تشريفا له، وهذا دأب القرآن في الموارد التي تناسب التشريف أن يكرم النبي بإفراده وتقديم ذكره ثم إتباع ذلك بذكر المؤمنين كقوله تعالى: «فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» وقوله تعالى: «يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» ». ويمكن أن نضيف بأنه إضافة للتشريف المذكور، فقد نستفيد من ذلك تفاوت مرتبة الإيمان بينه وبينهم، واختلاف درجة السكينة بين ما عنده وعندهم؛ التفاوت باعتبار الفاعل، والاختلاف باعتبار القابل، فهو يمتاز عن المؤمنين في جميع شؤونه تلك. ولذا جاء متفردا أيضا في قوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ» «إجلالا للنبي وصونا لمقامه أن يطلق عليه الاتباع».
وحين تقرأ قوله: «وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ» وقوله: «وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ» قد تسأل: لماذا جاء الضمير مفردا وليس مثنى في قوله «مِن فَضْلِهِ» وقوله «أَنْ يُرْضُوهُ»؟ والجواب كما قال صاحب الأمثل: «لأجل إثبات حقيقة التوحيد، وأن كل الأعمال بيد اللّه سبحانه، وأنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إذا ما عمل عملا فهو بأمر اللّه سبحانه، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه». ويمكن أن نضيف لذلك، أنه قد يستفاد من ذلك أيضا بلوغ النبي المرتبة العليا من التوحيد وإخلاص العبودية لله وحده، فكان «عبده» كما في غير آية، وصار إغناؤه إغناء ربه، ورضاه رضاه، كما جعل الله في آيتين أخريين فعله هو فعله جل وعلا، كما قال تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى» وقال: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» وجعل في آية أخرى طاعته طاعته «مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ».
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
لعل سؤال «لماذا؟» من أفضل الأسئلة المثيرة للذهن في عملية التدبر في كتاب الله العزيز. وهو سؤال يَفترض أن كل كلمة في القرآن في كل آية من آياته محكومة بنظام دقيق أفصحت عنه الآية الكريمة: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ». فكل مفردة من مفرداته لا تحل محلها غيرُها، ولا يُقدَّم موقعها أو يُؤخَّر، لأن هندسة النظم القرآني معجزة في حد ذاتها، وأعني بذلك هندسة الحروف والكلمات والجمل والآية والسورة. وفي هذا درس عظيم يدعونا إلى أهمية ممارسة الدقة في جميع شؤوننا من فكر وقول وفعل.
قد تسأل مثلا: لماذا وردت كلمة «السبيل» بهيئتين مختلفتين، إحداهما بالمد والأخرى بدونه، مع كونهما في حالة إعرابية واحدة، كما قال تعالى: «وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ» وقال: «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا»؟. ولماذا قال «اقتتلوا» في مورد المثنى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»؟ ولماذا تم اختيار لفظ «متشاكسون» في قوله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِّرَجُلٍ» وليس لفظا آخر؛ «متخاصمون» مثلا؟.
هذه الأسئلة وأمثالها تفتح للمتدبر آفاقا رحبة للتأمل في البيان الإلهي العظيم. فعلى سبيل المثال، كلنا يعلم المقام الأسمى الذي بلغه رسول الله ، فكان لا بد أن يتجلى ذلك في الخطاب القرآني أيضا، أي في الآيات التي تذكره حيث يظهر، عند تدبرها بسؤال «لماذا» وغيره، بعض ما له من مكانة لا يدانيه فيها أحد.
فحين تقرأ قوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ» قد تسأل: لماذا تم إفراد الرسول بالإيمان، ثم أُلحق به المؤمنون؟ والجواب كما ذكر صاحب الميزان أن ذلك جاء « تشريفا له، وهذا دأب القرآن في الموارد التي تناسب التشريف أن يكرم النبي بإفراده وتقديم ذكره ثم إتباع ذلك بذكر المؤمنين كقوله تعالى: «فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» وقوله تعالى: «يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» ». ويمكن أن نضيف بأنه إضافة للتشريف المذكور، فقد نستفيد من ذلك تفاوت مرتبة الإيمان بينه وبينهم، واختلاف درجة السكينة بين ما عنده وعندهم؛ التفاوت باعتبار الفاعل، والاختلاف باعتبار القابل، فهو يمتاز عن المؤمنين في جميع شؤونه تلك. ولذا جاء متفردا أيضا في قوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ» «إجلالا للنبي وصونا لمقامه أن يطلق عليه الاتباع».
وحين تقرأ قوله: «وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ» وقوله: «وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ» قد تسأل: لماذا جاء الضمير مفردا وليس مثنى في قوله «مِن فَضْلِهِ» وقوله «أَنْ يُرْضُوهُ»؟ والجواب كما قال صاحب الأمثل: «لأجل إثبات حقيقة التوحيد، وأن كل الأعمال بيد اللّه سبحانه، وأنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إذا ما عمل عملا فهو بأمر اللّه سبحانه، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه». ويمكن أن نضيف لذلك، أنه قد يستفاد من ذلك أيضا بلوغ النبي المرتبة العليا من التوحيد وإخلاص العبودية لله وحده، فكان «عبده» كما في غير آية، وصار إغناؤه إغناء ربه، ورضاه رضاه، كما جعل الله في آيتين أخريين فعله هو فعله جل وعلا، كما قال تعالى: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى» وقال: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» وجعل في آية أخرى طاعته طاعته «مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ».
تعليق