أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
إنَّ حقيقة الإيمان في هذا الوجود هي أكبر وأكرم الحقائق. لم تدركها النفوس عن طريق دائرة الحس الضيقة، فليست هي بحقيقة مادية تُدرك بالحواس المعروفة ولكن هي حقيقة معنوية علوية تدركها القلوب السليمة، فتأخذ النفوس من أقطارها، وتظهر ثمارها الطيبة نظافة في الشعور ورفعةً في الأخلاق واستقامة في السلوك. تلك الحقيقة التي تتجسد في نفوس المؤمنين من خلال مظاهر عديدة، يمكن الاشارة إلىٰ أبرزها اهتداءً بقبس من نور النبوة وحماة منهجها، وهي:
أولاً: التسليم لله تعالىٰ والرِّضا بقضائه: يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم: «إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتىٰ يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه»[1]. فالمؤمن حقاً هو الواثق بالله تعالىٰ وحكمته المستسلم لقضائه، والمتقبل لما يجيء به قدر الله في اطمئنان أياً كان. روى الصدوق; بسنده عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه لقي في بعض أسفاره ركب فقال: «ما أنتم؟ قالوا: نحن مؤمنون، قال: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرّضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلىٰ الله تعالىٰ فقال: علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الذي إليه ترجعون »[2].
فالرِّضا بقضاء الله والتسليم لأمره من أعلىٰ مظاهر الإيمان وهما من أبرز الخصال التي يتصف بها الأنبياء، ومن يتمسك بها يرتقي إلىٰ قمة الهرم الإيماني ويكون قد حصل علىٰ لباب العلم وجوهر الحكمة. وفي هذا الصدد قيل لأبي عبدالله عليهالسلام بأي شيء يعلم المؤمن أنّه مؤمن؟ قال عليهالسلام: «بالتسليم لله والرِّضا بما ورد عليه من سرور أو سخط»[3].
ثانياً: الحب في الله والبغض في الله: وهو من أبرز المظاهر العاطفية التي تعكس حقيقة الإيمان، فحينما يؤثر الإنسان ـ علىٰ ما يحبه ويهواه ـ ما يحبه الله تعالىٰ ويرضاه، وحينما يكون غضبه للّه لا لمصلحته الخاصة، فلا شك أنّ هذا الشعور العاطفي العالي يكون مصداقاً جلياً علىٰ عمق إيمانه ومصداقيته. ولذا ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم: «لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتىٰ يغضب لله، ويرضىٰ لله، فإذا فعل ذلك فقد استحق حقيقة الإيمان»[4]. وعن الإمام الصادق عليهالسلام: «لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله، ويبغض أقرب الخلق منه في الله»[5].
ثالثاً: التمسك المطلق بالحق: يقول أمير المؤمنين عليهالسلام: «إنَّ من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك علىٰ الباطل وإن نفعك»[6].
إنَّ ترجيح كفة الحق الضار علىٰ كفة الباطل النافع ما هي إلاّ مظهراً من مظاهر قوة الإيمان الراسخ في أعماق النفس المؤمنة.
رابعاً: حب أهل البيت عليهمالسلام هو أحد الحقائق الهامة التي تميز الإيمان الصادق عن الزائف، عن زر بن حبيش قال: رأيت أمير المؤمنين عليهالسلام علىٰ المنبر فسمعته يقول: «والذي فلق الحبة وبرء النسمة، أنه لعهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلي أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»[7]. وعن جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري قال كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم جماعة من الأنصار فقال لنا: «يا معشر الأنصار بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب فمن أحبه فاعلموا أنه لرشدة ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية»[8].
وعن أبي الزبير المكي قال: رأيت جابراً متوكئاً علىٰ عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم وهو يقول: «علي خير البشر فمن أبىٰ فقد كفر، يا معاشر الأنصار أدبوا أولادكم علىٰ حب علي فمن أبىٰ فانظروا في شأن أُمه»[9].
خامساً: التدبر والنظرة الواعية: قد تظهر حقيقة إيمان الإنسان من خلال نظرته الفاحصة الواعية لمن حوله، فحينما يرىٰ الناس منهمكين في إعمار دنياهم وتخريب دينهم، فيؤثرون الفاني علىٰ الباقي، يدرك ـ حينئذٍ ـ أنّ هؤلاء عقلاء في دنياهم حمقاء في دينهم. فهذه النظرة وذلك الإدراك يكشفان عن وصول الإنسان لحقيقة الإيمان الواعي. ومن هنا قال الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي ذر الغفاري: «يا أبا ذرّ لا تصيب حقيقة الإيمان حتىٰ ترىٰ الناس كلّهم حمقاء في دينهم، عقلاء في دنياهم»[10]. وقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام ما يشير إلىٰ ذلك بقوله: «لن تكونوا مؤمنين حتىٰ تعدّوا البلاء نعمة والرَّخاء مصيبة»[11].
ولا تكفي ـ بطبيعة الحال ـ النظرة الواعية في تحقق الإيمان الكامل بل لا بدَّ من موقف معاكس ومخالف لما عليه عامة الناس وهو إيثار الباقي علىٰ الفاني والعزوف عن الدنيا الفانية.
سادساً: السلوك العبادي السوي: قد تبرز حقيقة الإيمان في سلوك عبادي سويّ، من خلال العمل بأوامر الله واجتناب نواهيه والنصيحة لأهل بيت رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي هذا الصدد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: «من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدىٰ زكاة ماله وخزن لسانه وكفَّ غضبه واستغفر لذنبه وأدّىٰ النصيحة لأهل بيت رسوله فقد استكمل حقائق الإيمان وأبواب الجنة مفتحة له»[12]. وقد تظهر حقيقة إيمان العبد في ضبطه لجوارحه وخاصة لسانه، فقد ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله: «لا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتىٰ يخزن من لسانه»[13].
سابعاً: الموقف الاجتماعي: وقد تظهر حقيقة الإيمان في موقف إجتماعي مشرّف كأن ينفق المؤمن علىٰ ذوي الفاقة علىٰ الرغم من ضيق ذات يده، أو أن ينصف الناس من نفسه فلا يُسيء لهم ولا يظلمهم، أو يبذل علمه للجاهل منهم. كل موقف من هذا القبيل قد يأخذ بيد المؤمن إلىٰ مراقي الصعود في درجات الإيمان، ويشكّل بمفرده حقيقة من حقائقه الناصعة، يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم: «ثلاث من الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم، والانصاف من نفسك»[14].
ثامناً: حالة الخوف والرجاء: قد تتمثل حقيقة الإيمان في الجانب النفسي عندما يكون المؤمن في حالة نفسية بين الخوف والرجاء عاملاً وفق مقتضياتهما. قال أبو عبدالله الصادق عليه السلام: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتىٰ يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتىٰ يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»[15].
* الإيمان والكفر وآثارهما على الفرد والمجتمع - بتصرّف
اترك تعليق: