هذا النص الذي يقرأ في محراب امير المؤمنين علي(ع) في مسجد الكوفة، وهو:
الهي: قدمه الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنهه بك.
الهي: قد جلس المسيء بين يديك مقراً لك بسوء عمله، راجياً منك الصفح عن زلـله.
الهي: قد رفع الظالم كفيه اليك، راجياً لما بين يديك، فلا تخيبه من فضلك.
الهي: قد جثا المعاند الى المعاصي بين يديك، خائفاً من يوم تجثونية ا لخلائق بين يديك.
الهي: جاءك العبد الخاطيء فزعاً مشفقاً ورفع اليك طرفه حذراً راجياً، وفاضت عبرته مستغفراً نادماً.
الهي: صل على محمد وآل محمد، واغفر لي برحمتك يا خير الغافرين.
ان هذا الدعاء ـ على قصره ـ حيث يتضمن ستة مقاطع، يبدأ كل منها بعبارة "الهي"، وكل واحدة منها يتوسل بالله على ان يعفو عنه: بعد ان يقدم في كل مقطع احد اشكال الوقوف بين يدي الله تعالى وتقديم المعذرة من الذنب...
ولكن مما يجدر ذكره هنا هو: ان هذه المقاطع من الدعاء تتضمن طرائف المعنى من حيث ا لمضمون، ومن حيث المضمون ومن حيث المظهر الخارجي الذي يطبع سلوك المذنب ... واليك اولاً: عرضاً اجمالياً لطرائف الدعاء المذكور او بعضها..
لنتحدث اولاً عن المظهر الخارجي لمضمون الدعاء، أي: الهيئة الجسمية لشخصية المذنب.
لو دققت النظر الى الملامح الخارجية للشخصية المذكورة، امكنك ان تلاحظ انماطاً من المظهر لها .. منها: ما يتصل باليد، ومنها: ما يتصل بالعين، ومنها ما يتصل بالهيئة الجسمية العامة من حيث وقوفها او جلوسها...
طبيعياً، ينبغي ان تضع في نظرك، بان الهيئة الخارجية لشخصية المتوصل بالله تعالى، لا تنفصل عن الوضع الداخلي لها، أي: ان المظهر الخارجي هو انعكاس لمظهر الشخصية داخلياً، وهذا جانب له اهميته الكبيرة، ولعلك تعرف تماماً ان النصوص القصصية والروائية الناجحة تحاول دائماً عند رسمها لابطال القصة او الرواية: ان ترسم ملامحهم الخارجية معبرة عن ملامحهم الداخلية، والا فان الرسم المجرد لملامح الشخصية: لا قيمة له ما لم يرتبط بالرسم الداخلي لها... والمهم هو: ان نذكر لك اولاً: ملامح هذه الشصخية التي رسمها الدعاء: خارجياً، واردفها بالرسم الداخلي في آن واحد....
بالنسبة الى الرسم الخارجي لاحظ ما يلي:
1- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل وهي: (مد اليدين).
2- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل ولكن من خلال (الكفين).
3- ان الدعاء رسم هيئة الجلوس بشكل عام.
4- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل ولكن بشكل خاص (وهو الحبو).
5- ان السماء رسم هيئة البصر وهو رفعه مقترناً: بنزول الدمع وافاضته.
6- ان الدعاء رسم اخيراً: الملمح اللفظي متمثلاً في طلب المغفرة.
اذن: نحن الان امام ستة انماط من الرسم الخارجي لشخصية المتوسل بالله تعالى غفران الذنب.
والطرافة هنا هي: ان كل ملمح ـ كما سنلاحظ لاحقاً له نكاته الخاصة... فمثلاً بالنسبة الى (اليد) نجد مرة ان المتوسل (ماداً) يديه باكملها (أي الاجزاء المتصلة باعلى اليد الى ادناها) بينما نجد حالة ثانية هي (رفع الكفين)...
ومن جانب اخر: نجد عملية (مدٍ) وتقابلها عملية رفعها، ,لابد ان يكون كل من المد والرفع دلالتهما، والامر نفسه بالنسبة الى هيئة "المثول" بين يد الله تعالى، فتارة نلحظ عملية (جلوس) للمتوسل، وهي هيئة عامة لكل جالس، بينما نجد تارةً اخرى عملية وجثو للمتوسل والجثور هو نمط خاص من الجلوس ... ولابد ايضاً: ان يكون لكل من الجلوس العام والخاص: نكاته الخاصة.
واما النمطان الاخران او الاخيران من الملامح الخارجية للمتوسل، فهما: رفع الطرف الي العين واستفاضة عبراتها، ثم: الكلام المنطوق المتمثل في عبارة (صلِ على محمد وآل محمد، واغفرلي برحمتك يا خير الغافرين). ايضاً بالنسبة الى رفع الطرف، واستفاضة عبراته، لابد وان تكون له نكاته.. واخيراً: نمط العبارة المسغفرة، وصلها بما تقدم هذه الملامح سنتحدث عنها في لقاءات لاحقة انشاء الله اما الان فنكتفي او نختم حديثنا بالتوسل الى الله تعالى بان يغفر لنا ذنوبنا، وان نحاسب انفسنا، وندربها على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النمو المطلوب.
مؤسسة السبطين العالمية
يتبع تكملة الدعاء المبارك لاحقا ان شا الله
تعليق