اللهم صل على محمد وآل محمد
يقول الله تبارك و تعالى في محكم آياته في سورة مريم ألآيتين 22 و 23 بسم الله الرحمن الرحيم / فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ـ فاجاءها المخاض الى جذع النخلة ، فأين هذا المكان الذي انتبذت اليه السيدة مريم عليها السلام و جاءها المخاض هل في بيت لحم بفلسطين كما هو معروف أم في دير و من ثم مسجد براثا في العراق ؟
والجوابانه لا يمكن الجزم بمكان ولادة السيد المسيح عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) حيث أن الروايات الواردة بهذا الخصوص مختلفة ، و الآيات القرآنية التي تحدثت عن قصة ولادة النبي عيسى ( عليه السلام ) لم يأتي فيها تحديد المكان بصورة دقيقة سوى الاشارة الى أنها ( عليها السلام ) تنحت به الى مكان قصي أي مكان بعيد ، و أنها إلتجأت في حالة المخاض الى جذع النخلة من دون تحديد مكان النخلة أو مكان وضعها لولدها عيسى ( عليه السلام ) .
قال الله عز و جل : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ 1 .
الأقوال في موضع ولادة النبي عيسى ( عليه السلام ) :
القول الأول : أنه وُلد في بيت لحم : فقد رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ـ أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ـ ( عليه السلام ) عن الرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ـ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي صِفَةِ الْمِعْرَاجِ ـ ثُمَّ قَالَ لِي ـ أي جبرئيل ـ : انْزِلْ فَصَلِّ . ـ : " فَنَزَلْتُ وَ صَلَّيْتُ " .
فَقَالَ لِي : أَ تَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ ؟
فَقُلْتُ : " لَا " .
فَقَالَ : صَلَّيْتَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ ، وَ بَيْتُ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ( عليه السلام ) 2 .
القول الثاني : أن مريم ( عليها السلام ) وضعت عيسى ( عليه السلام ) في كربلاء في موضع قبر الحسين ( عليه السلام ) ، فقد رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِهِ : ﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ 3 ، قَالَ : " خَرَجَتْ مِنْ دِمَشْقَ حَتَّى أَتَتْ كَرْبَلَاءَ ، فَوَضَعَتْهُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) ، ثُمَّ رَجَعَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا " 4 .
القول الثالث : أن موضع ولادة المسيح بن مريم ( عليه السلام ) على صخرة بيضاء في أرض برثا أي موضع مسجد برثا الحالي 5 : رَوَى الْمُفِيدُ بأسناده عَنْ الإمام عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) حديثاً مفصلاً جاء فيه : أن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) لَمَّا رَجَعَ مِنْ وَقْعَةِ الْخَوَارِجِ اجْتَازَ بِالزَّوْرَاءِ ، فَلَمَّا أَتَى يَمْنَةَ السَّوَادِ إِذَا هُوَ بِرَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ ـ فجرى بينهما حديث ، الى أن قال ـ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ ... : إِنِّي وَجَدْتُ فِي الْإِنْجِيلِ نَعْتَكَ وَ أَنَّكَ تَنْزِلُ أَرْضَ بَرَاثَا بَيْتَ مَرْيَمَ وَ أَرْضَ عِيسَى ( عليه السلام ) فَأَتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) مَوْضِعاً فَلَكَزَهُ بِرِجْلِهِ فَانْبَجَسَتْ عَيْنٌ خَرَّارَةٌ . فَقَالَ : " هَذِهِ عَيْنُ مَرْيَمَ الَّتِي أُنْبِعَتْ لَهَا " . ثُمَّ قَالَ : " اكْشِفُوا هَاهُنَا عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً " . فَكُشِفَ فَإِذَا بِصَخْرَةٍ بَيْضَاءَ . فَقَالَ ( عليه السلام ) : " عَلَى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى ( عليها السلام ) مِنْ عَاتِقِهَا ، وَ صَلَّتْ هَاهُنَا " . ثُمَّ قَالَ : " أَرْضُ بَرَاثَا هَذِهِ بَيْتُ مَرْيَمَ ( عليها السلام ) " ، 6 . و الله العالم بحقيقة الأمر .
----------------------------------
1. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآيات: 16 - 25، الصفحة: 306.
2. بحارالأنوار : 14 / 208 .
3. القران الكريم: سورة مريم (19)، الآية: 22، الصفحة: 306.
4. تهذيب الأحكام : 6 / 73 ، و وسائل الشيعة : 14 / 517 .
5. مسجد براثا مسجد معروف ببغداد ، و هو مسجد صلى فيه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لما رجع من قتال أهل النهروان .
6. بحارالأنوار ج : 14 / 210 .