بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
يجمع المختصون في التربية وإن اختلفوا في أساليبها, على الدور العائلي الريادي في نفسية المتربي، ويمكن القول أن “الرؤية” التي يحملها الوالدان بالنسبة للحياة وللإنسان هي العامل الأساسي في أداء دور التربية. والمقصود بالرؤية هي الطريقة الثابتة نسبياً في الفكر والعاطفة والتصرفات والتي كما ذكرنا لها الدور الأساسي في بناء شخصية الأبناء ورسم معالمها العقلية والعاطفية والسلوكية ومن صفات هذه الرؤية:
1ـ إن لأجزائها تعامل فيما بينها, أي إن العقل يؤثر على العاطفة، فعن النبي “ص”: “رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ”[1] كما يؤثر على السلوك, والعكس صحيح أيضاً, فالعاطفة تؤثّر بدورها على العقل والسلوك, كما يؤثر السلوك على كليهما {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه}[2].
2ـ هناك تناسب بين أجزائها، فعندما يكون البُعد المعرفي قوياً ومتجذراً فسوف يتبعه البُعد العاطفي, قَالَ الإمام الصَّادِقُ “ع”: “نَجْوَى الْعَارِفِينَ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْحُبِّ فَالْخَوْفُ فَرْعُ الْعِلْمِ وَالرَّجَاءُ فَرْعُ الْيَقِينِ وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ فَدَلِيلُ الْخَوْفِ الْهَرَبُ وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ الطَّلَبُ وَدَلِيلُ الْحُبِّ إِيْثَارُ الْمَحْبُوبِ عَلَى مَا سِوَاهُ…”[3] مما يمهّد الفرد نفسياً لسلوك مناسب كما ورد بأن “من أحب شيئاً أكثر ذكره”.
3ـ تتمتع الرؤية بصفات أصلية وفرعية، وتمتاز الصفات الأصلية بالتجذر في أعماق الفرد، وتؤثر على الصفات الفرعية، وقلّما تتأثر بالظروف الخارجية. فلوكان الإيمان بالله تعالى الركن الأساسي لرؤية الزوجين، لشعروا في قرارة أنفسهم بقدسية هذه العلاقة، وأدركوا بأن هدفها الغائي لا يتمثل في إشباع الحاجات المتقابلة, بل هو إعانة شريك الحياة على طاعة الله تعالى وعبور الطريق بما يعتريه من موانع، وأدركوا أن أبنائهم لا يمثلون امتدادهم الطبيعي وحسب, وإنما هم أمانة إلهية ينبغي إيصالها إلى ما أودعه المؤتمن فيها من قابليات، وسوف تتحول القبّلة التي يطبعانها على وجنات أبنائهما, بل وحتى نظرات الحب التي يهديانهما لهم من إبراز لغريزة العاطفة إلى فعل قدسي رفيع “وحين يحلّ في نفوسنا معنى قدسي رفيع فإنه يقوينا على اقتحام معارك العالم, وحين تذكر أصغر الواجبات بعلاقتنا بالله لا يلبث الأرضي أن يصير في تقديرنا سماوياً والزماني أبدياً، كأنّ حياتنا كلها حياة في الله”[4].
التربية الروحية
لاشك بأن أهل البيت “ع” يمثلون النموذج الأسمى للحياة الطيبة، وأنهم أكدوا ومارسوا الاهتمام بكافة شؤون الحياة بما يناسب نشآت النفس المختلفة، وكما مرّ أن النبي “ص” خالف سلوكاً رهبانيا صدر من أحد الصحابة؛ إلا أنهم “ع” اهتموا بالجانب الملكوتي وأوصونا بالاهتمام به, فهم أسوة لنا في ذلك ضمن القواسم الإنسانية المشتركة؛ وفي ظل موهبة الإرادة, وقد ورد في أعمال ليلة القدر بأن “السيدة فَاطِمَة الزهراءعليها السلام كانت لَا تَدَعُ أَحَداً مِنْ أَهْلِهَا يَنَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَتُدَاوِيهِمْ بِقِلَّةِ الطَّعَامِ وَتَتَأَهَّبُ لَهَا مِنَ النَّهَارِ وَتَقُولُ مَحْرُومٌ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا”[5].
ففي عمر تلك النشأة، وفي ظلّ ثقافة النهم التي تشتد وتيرتها وللأسف في شهر رمضان، كانت الصورة التي ترسمها تلك العبارة في مخيلتي على تناقض مع صورة الزهراء “س” التي هي مظهر رحمة الله، وسرّ الوجود، ولم أكن أعلم أن حب الزهراء ÷ لأبنائها ليس حباً غريزياً ساذجاً من أمٍ عادية، وإنما هي أم مثّلت الإنسان الكامل؛ فليست الزهراء “س” بالأم التي تتخم ولدها بالطعام ليناموا ملأ الأجفان ويحرموا من بركات ليلة القدر، وليست الزهراء ÷ ممن يسمح للغاية القريبة الزائلة بمحق الغاية البعيدة الباقية؛ فالانغماس في لذائذ الدنيا وتركيز الاهتمام على الجانب المادي والملذات الحسية، يؤدي شيئاً فشيئاً إلى نسيان المائدة الأسمى التي دُعي لها الإنسان والتي أُهّل له وحده من بين كل الكائنات إلى تذوّق طعمها, ألا وهي مائدة “الفيض الإلهي”، حقيقة الأمانة، وسرّ تكريم الإنسان.
إن حقيقة الأمانة وهي المعبّر عنها تارة بفضل اللّه {ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[6]، هي الفيض الإلهي الأتمّ بلا واسطة، والمراد منه الفناء عن كل شيء والبقاء باللّه، والإنسان من بين الممكنات مخصوص بذلك، وإنما سمّيت أمانة لأن الفيض بلا واسطة هو من صفات الحق تعالى وقد حمله الإنسان لا غير، لما ذكرنا من أن ما سواه غير مستعد لقبوله، لتقيّد كل منها بوجوده الخاص، والتقدير أنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات والأرض والجبال، ومعنى عرض الأمانة عرض تحمّل الفيض الوجودي على وجه العارية المأخوذة أولاً، المردودة إلى أهلها أخيراً، وقبول الفيض الوجودي الفائض من اللّه بلا واسطة على الوجه المذكور مختص بالإنسان الكامل دون غيره كما علمت.
وهذا كله قد تجسد في شخصية الزهراء “س” وفاض من وجودها وانعكس على تربيتها لأولادها حتى صاروا عرفاء متهجدين لله سبحانه, فيتفانوا في الحق تعالى وحققوا ذلك في أهدافهم, امتداداً من المجتبى “ع”, وختاماً في عرصات كربلاء, وخلوداً في سجل التاريخ.
--------------------
المصادر
أسرار الآيات لصدر المتألهين الشيرازي.
كمال واستكمال النفس اعلاء الدين ملك اوف.
الأسرة في القرآن لأحمد بهشتي.
[1] بحار الانوار, ج 1 , ص 106.
[2]. سورة فاطر, الآية 10.
[3] . بحار الأنوار, ج67, ص13.
[4] . ماكس مولر.
[5] . بحار الأنوار, المجلسي, ج94, ص 10.
[6] . سورة الحديد, الآية 29.
المصادر
أسرار الآيات لصدر المتألهين الشيرازي.
كمال واستكمال النفس اعلاء الدين ملك اوف.
الأسرة في القرآن لأحمد بهشتي.
[1] بحار الانوار, ج 1 , ص 106.
[2]. سورة فاطر, الآية 10.
[3] . بحار الأنوار, ج67, ص13.
[4] . ماكس مولر.
[5] . بحار الأنوار, المجلسي, ج94, ص 10.
[6] . سورة الحديد, الآية 29.
تعليق