بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
يخبرنا الإمام عليّ عليه السلام عن زمان يأتي على أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تترك فيه القرآن وتتخلّى عنه وتجعله سلعة وزينة لا أكثر، لا تُقيم الحقّ الّذي فيه ولا تُبطل ما أبطله، ففي نهج البلاغة روي عن الإمام عليه السلام قوله:
” وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ, وَلَا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَ لَا فِي الْبِلَادِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ. فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ.
فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَ لَيْسَا مَعَهُمْ, لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَإِنِ اجْتَمَعَا. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ, كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ وَلَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّهُ وَزَبْرَهُ 27″28 .
ولا شكّ أنّ من أعظم النعم علينا نعمة القرآن، فهل أدّينا حقّ هذه النعمة، أم هجرناها وتركناها؟ فما نالنا من ذلك إلّا الخسران. وسنكون موضعاً لشكوى الرسول يوم القيامة حيث يقول تعالى:﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾29 ، فينبغي لنا أن نعمل بالقرآن للدنيا والآخرة ونجعله إمامنا وقائدنا نعمل به ونهتدي بهداه، وذلك كما أوصى أمير المؤمنين عليه السلام في
آخر لحظات حياته حيث قال لأبناءه عليهم السلام: “والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم”30.
أهل القرآن
في صفة المتّقين يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ”31.
فالمؤمنون المتّقون هم أهل القرآن لا يسبقهم بالعمل به أحد، لهم أذن واعية، إن مرّوا على القرآن لم يمرّوا مرور الكرام بل جعلوه منارة هَدي ورشاد، يستذكرون به أحوالهم ويُحاسبون به أنفسهم، ويرغبون في عطاء الله، ويسألونه العفو والنجاة من العذاب.
سمعوا القرآن وسمعوا به، وأبصروه وتبصّروا به، فهم معه وهو معهم، كروح واحدة لأنّ القرآن طريق العبد إلى معبوده، وهنا يقول الأمير عليه السلام: “كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، لا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله” 32.
ويقول عليه السلام في صفة عباد الله المخلصين: “قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه. يحلّ حيث حلّ ثقله وينزل حيث كان منزله”33 .
خلاصة الدرس
شكّل القرآن بستاناً لكلّ متذوّق في العلوم وطالب للمعالي، وأهل البيت عليهم السلام هم السبيل إلى بيان ما يخفى علينا فيه لأنّهم عدله، وكما ينبغي التمسّك به ينبغي التمسّك بهم.
والقرآن منهاج حقّ لكلّ سالك إلى الله، وفيه تبيان كلّ شيء وفيه الهداية والشفاء والرحمة والعزّ والشفاعة، وهو أحسن الحديث.
إلّا أنّ زماناً أخبر عنه أمير المؤمنين عليه السلام لا يعرف فيه من القرآن إلّا اسمه ورسمه، ولا تُقام حدوده ولا يُلتزم بأحكامه.
وللمتقين علاقة خاصّة بالقرآن فإذا سمعوا آياته لا يمرّون عليها مرور الكرام بل يصغون إليها مسامع قلوبهم، ويُعملون مفاهيمها في حياتهم.
” وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ, وَلَا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَ لَا فِي الْبِلَادِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ. فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ.
فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَ لَيْسَا مَعَهُمْ, لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَإِنِ اجْتَمَعَا. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ, كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ وَلَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّهُ وَزَبْرَهُ 27″28 .
ولا شكّ أنّ من أعظم النعم علينا نعمة القرآن، فهل أدّينا حقّ هذه النعمة، أم هجرناها وتركناها؟ فما نالنا من ذلك إلّا الخسران. وسنكون موضعاً لشكوى الرسول يوم القيامة حيث يقول تعالى:﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾29 ، فينبغي لنا أن نعمل بالقرآن للدنيا والآخرة ونجعله إمامنا وقائدنا نعمل به ونهتدي بهداه، وذلك كما أوصى أمير المؤمنين عليه السلام في
________________________________________
27- أي كتابته.
28- نهج البلاغة, ج 2, ص 30 – 31.
29- سورة الفرقان, الآية: 30.
27- أي كتابته.
28- نهج البلاغة, ج 2, ص 30 – 31.
29- سورة الفرقان, الآية: 30.
آخر لحظات حياته حيث قال لأبناءه عليهم السلام: “والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم”30.
أهل القرآن
في صفة المتّقين يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ”31.
فالمؤمنون المتّقون هم أهل القرآن لا يسبقهم بالعمل به أحد، لهم أذن واعية، إن مرّوا على القرآن لم يمرّوا مرور الكرام بل جعلوه منارة هَدي ورشاد، يستذكرون به أحوالهم ويُحاسبون به أنفسهم، ويرغبون في عطاء الله، ويسألونه العفو والنجاة من العذاب.
سمعوا القرآن وسمعوا به، وأبصروه وتبصّروا به، فهم معه وهو معهم، كروح واحدة لأنّ القرآن طريق العبد إلى معبوده، وهنا يقول الأمير عليه السلام: “كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، لا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله” 32.
ويقول عليه السلام في صفة عباد الله المخلصين: “قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه. يحلّ حيث حلّ ثقله وينزل حيث كان منزله”33 .
________________________________________
30- نهج البلاغة، الخطبة 286.
33- م. ن, ج 1, ص 153.
30- نهج البلاغة، الخطبة 286.
31- م. ن, ج 2, ص 161 – 162.
32- م. ن, ج 2, ص 17.
32- م. ن, ج 2, ص 17.
33- م. ن, ج 1, ص 153.
خلاصة الدرس
شكّل القرآن بستاناً لكلّ متذوّق في العلوم وطالب للمعالي، وأهل البيت عليهم السلام هم السبيل إلى بيان ما يخفى علينا فيه لأنّهم عدله، وكما ينبغي التمسّك به ينبغي التمسّك بهم.
والقرآن منهاج حقّ لكلّ سالك إلى الله، وفيه تبيان كلّ شيء وفيه الهداية والشفاء والرحمة والعزّ والشفاعة، وهو أحسن الحديث.
إلّا أنّ زماناً أخبر عنه أمير المؤمنين عليه السلام لا يعرف فيه من القرآن إلّا اسمه ورسمه، ولا تُقام حدوده ولا يُلتزم بأحكامه.
وللمتقين علاقة خاصّة بالقرآن فإذا سمعوا آياته لا يمرّون عليها مرور الكرام بل يصغون إليها مسامع قلوبهم، ويُعملون مفاهيمها في حياتهم.
تعليق