سؤال :
هل من آمن مثلي بأصول الدين الخمسة لدى الشيعة الإمامية صار شيعياً ؟ أم أن هناك أموراً أخرى حتى يدخل المرء مذهب أهل البيت عليهم السلام ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
التشيع والمشايعة لمذهب آل البيت ع هو الامتداد الحقيقي للرسالة المحمدية الخاتمة كما ارادها الله لأمة الاسلام بل للبشرية جمعاء
وهذه الاصول الاعتقادية هي الاساس الاعتقادي الصحيح والضروري واللازم لذلك
ولكن وكما هو الحال في كل اعتقاد ودين مقبول عند الله يجب ان يشفع الاعتقاد الصحيح الطيب بالعمل الصالح (1) كما لا يخفى على جنابكم الكريم ،
كما في قوله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }
فما يصعد الى الله او قل ما جعل الله من العمل ان يكون له قابلية الصعود ( اي القبول ) هو ان يكون عمل طيب اي اعتقاد طيب ، وحتى يصعد هذا الاعتقاد الطيب يجب ان يعمل المعتقد به ( والعمل الصالح يرفعه ) ، وهذ العمل هو التطبيق للشريعة وهنا يحتاج جنابكم وغيركم وكلّنا ان نتبع القران وسنة الرسول الصحيحة وسنة خلفاء الرسول أئمة الهدى الذين اصطفاهم الله وجعلهم اعلام هدى على الصراط المستقيم وهم تحديدا العترة الاثني عشر اولهم أمير المؤمنين علي ع وآخرهم الامام المهدي الغائب المنتظر عجل الله فرجه .
لذلك اذا كان هذا واضحا فان الاعتقاد ( الْكَلِمُ الطَّيِّبُ / المقبول عند الله ) سيكون ثابت مترسخ في النفس ومنتج للكمال والرقي المطلوب ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ )
وعدى ذلك اذا كان الاعتقاد ليس طيبا كالمنحرفا او المنقوص ( الخبيث ) فحتى العمل به ليس بنافع كثيرا الا ما وافق الحق منه ( والسير على الطريق الخاطئ لا يزيد السائر إلا بعدا ) , والحق في الاعتقاد كما اراده الله ان يكون بشرطه وشروطه اي بالاعتقاد بشرط توحيد الله ( لا اله الا الله ) وشروطها المتممة والمكملة وهي الاعتقاد بالنبوة والمعاد والإمامة والعدل ، وعليه يترتب على ذلك الانحراف في الاعتقاد انه يكون اعتقادا خبيثا والخبيث مصيره في القرآن : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ )
من هنا يتبين لجنابكم اهمية الاعتقاد الطيب الصحيح في مصير الانسان واهمية العمل به . ومن اهم الاعمال المرتبطة باعتقاد اصل ( الإمامة ) هو التولي ( والتولي هو من الفروع )
التولي : هو ان تتولى آل البيت وتجعلهم قادة وأئمة هدى مطاعين باذن الله وتتبعهم باحسان لان طاعتهم كطاعة الرسول ص ، وهي بدورها كطاعة الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) .
وبخلافه عدم تولي آل البيت ع كما امر الله ورسوله يترتب عليه محذور قال القران فيه : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ .
ولا يتم تولي آل البيت ع الا بــ التبري من اعدائهم ومبغضيهم ومخالفيهم الجاحدين المعاندين ، الذين هم النقيض ، فلا يجتمع الطيب والخبيث في قلب ( اعتقاد وعمل ) المؤمن في آن واحد : مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (2) , بل يجب فصله والسنة الإلهية ايضا تعمل على هذا الاساس كما في قوله تعالى : مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ .
اي - المؤمنين عنوان فيه جهة تصف الظاهر وفيه صفة متعلقها الباطن والحقيقة ، فالظاهر يحتمل فيه الطيب و الخبيث ( كالمنافق ، والذي يعبد الله على حرف ) وحتى يظهر الله بواطن وحقيقة الايمان يفتنه / يختبره ، فاذا حصل ذلك يميزه ويفصل بينهما ويجعل كلا على شاكلته بعضا على بعض كما في قوله تعالى ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .
كل الذي سبق هو استدلال واستظهار ببعض من القرآن الكريم الذي يفسر ويصدّق بعضه بعضا ، ويرجى من هذا العلم الحق ليس الحصول عليه فقط او العلم بالمعلومة وحدها ! بل حصول التعقّل بها
انظر قوله تعالى : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
فالغاية التعقل وليس العلم ، بل العلم وسيلة العقل والتعقل ، وبالعلم تفهم وبالعقل تؤمن ، وما لا تفهمه لا تعلمه إلا لعله بالعنوان ، وما لا تعقله من العلم لا تؤمن به ، لذلك الامثال ( الحقائق والحكم والعبر ) تحتاج الى العلم كي تصل اليها فاذا وصلت اليها بالعلم فثمرته المرجوّة هو حصول التعقّل بها .
والعقل كما فسّره آل البيت ع هو : ما عُبد به الرحمن وكسبت به الجنان ، ودون ذلك فليس بعقل ولا علم نافع بل هي قد تكون اقرب للشيطنة والضياع والتفريط .
اذا كان هذا واضحا مفهوما ترى ان الكثير ( وللاسف ) يمر ويطلع على حقائق القران والروايات فيما تخص صدق مذهب ال البيت ع ولكن لا يثمر اطلاعهم وعلمهم به حتى من مصادرهم لانه علم بلا تعقّل ، وما حصل لجنابكم الكريم وغيركم هو انه تعقّل ما علم واخذ به اعتقادا وسار به عملا ، فهداه الله بهذا العلم الى الصراط المستقيم ، فافهم .
----------------
ملاحظة : هذا الاتباع للشريعة ( القرآن ) وللرسول ولأئمة الحق والهدى من آل البيت ع يسميه ويصفه الله بالحب : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
والمُحب في تحقق وحقيقة حبه يستلزم الميل والانجذاب والقبول والقصد لمن يحب ، فاذا كان المحبوب سيده ووليه فهنا يكون ما سبق في طاعته ورضاه ( اتباعه ) وتجنب معصيته ومخالفته وسخطه ، فاذ انحصرت غايته ومصيره وزاد كماله الاخروي المخلوق من اجله بسيده ومولاه كان لا بد من اتباعه على صراطه المستقيم صراط القرآن الكريم وصراط محمد وال محمد الطاهرين ومن سبقهم من الانبياء والمرسلين ، فتأمل .
والله اعلم
الباحث الطائي
*********************
(1) : لذلك ترى انّه كلما جائت في القرآن كلمة ( الذين آمنوا ) تشفع بـ ( وعملوا الصالحات ) , فالايمان اساس العمل ، والعمل وفق الايمان الصحيح اساس تحقق الكمال
(2) : مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ - فمثل الجسد هي الروح ، والقلب فيها هو قلب واحد واعتقاد واحد ، اما طيب او خبيث .
تعليق