دعاؤه لنفسه ولأهل ولايته
وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته:
يا مَنْ لا تَنْقَضي عَجآئبُ عَظَمَتِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْجُبْنا عَنِ الإلْحادِ في عَظَمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَنْتَهي مُدَّةُ مُلْكِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَأعْتِقْ رِقابَنا مِنْ نَقِمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَفنى خَزآئٍنُ رَحْمَتِهِ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدعاء الخامس
الشرح
وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته:
(يا من لا تنقضي عجائب عظمته) العجائب المستندة إلى عظمة الله سبحانه في السماء والأرض لا تنقضي، لأن فيضه العام يأتي كل يوم العجائب تورث عجب الإنسان (صلّ على محمد وآله واحجبنا) أي احفظنا (عن الإلحاد في عظمتك) الإلحاد الميل، أي أن نميل في هذه الجهة، بأن لا نعظمك حق عظمتك (ويا من لا تنتهي مدة ملكه) لبقاء الله سبحانه إلى الأبد وبقاء ملكه معه (صلّ على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك) أي غضبك، والنسبة إلى الرقبة لأنها موضع القتل والغل، وكل ما يشابه ذلك منسوباً إليها (ويا من لا تفنى خزائن رحمته) فإن خزائن الله عبارة عن الشمس والأرض والهواء والماء، ومن المعلوم أن كل شيء منها يتحول إلى غيره فلا يفنى. هذا إذا أخذنا بحسب المادة، أما بحسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَاجْعَلْ لَنا نَصيباً في رَحْمَتِكَ. وَيا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الأبْصارُ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدْنِنا إلى قُرْبِكَ؛ وَيا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الأخْطارُ؛ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَكَرِّمْنا عَلَيْكَ، وَيا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَواطِنُ الأخْبارِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَلا تَفْضَحْنا لَدَيْكَ؛ اللّهُمَّ أغْنِنا عَنْ هِبَةِ الوَهّابينَ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العموم فإن رحمة الله عامة يصدرها سبحانه بقوله: (كن) فلا فناء لها (صلّ على محمد وآله واجعل لنا نصيباً في رحمتك) بأن تتفضل علينا بالرحمة كما تتفضل على غيرنا (ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار) أي أن الأبصار لا تصل إلى حد تتمكن من رؤيته سبحانه، وذلك لاستحالة رؤية الله تعالى (صلِّ على محمد وآله وأدننا إلى قربك) المراد بالقرب قرب الشرف والرضا، لاستحالة المكان عليه سبحانه كما لا يخفى.
(ويا من تصغر عند خطره) أي عظمته (الأخطار) أي عظمة العظماء، إذ كل عظيم فهو صغير إذا قيس بعظمة الله سبحانه (صلّ على محمد وآله وكرِّمنا عليك) بأن نكون كرماء عندك (ويا من تظهر عنده بواطن الأخبار) إذ ليس شيء يخفى عليه سبحانه (صلّ على محمد وآله ولا تفضحنا لديك) أي وفقنا لئلا نعمل بالمعاصي حتى نفتضح لديك بسبب المعصية، والفضيحة كشف ستر الإنسان حتى يظهر أن باطنه كان مخالفاً لظاهره.
(اللهم أغننا عن هبة الوهابين) أي الذين يعطون الهبات والعطايا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِهِبَتِكَ، وَاكْفِنا وَحْشَةَ القاطِعينَ بِصِلَتِكَ حَتّى لا نَرْغَبَ إلى أحَدٍ مَعَ بَذْلِكَ؛ وَلا نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَدٍ مَعَ فَضْلِكَ؛ اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكِدْ لَنا وَلا تَكِدْ عَلَيْنا، وَامْكُرْ لَنا وَلا تَمْكُرْ بِنا، وَأدِلْ لَنا وَلا تُدِلْ مِنّا؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَقِنا مِنْكَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بهبتك) بأن تعطينا بدون واسطة وهاب موجب للمنة (واكفنا وحشة القاطعين) فإن الشخص إذا قطع عن الإنسان استوحش الإنسان لقطعه إياه (بصلتك) فإن الإنسان إذا وفقه الله سبحانه لطاعته والأُنس به لا يستوحش لقطع صديق (حتى لا نرغب إلى أحد مع بذلك) وعطائك لنا (ولا نستوحش من أحد مع فضلك) وإحسانك إلينا.
(اللهم فصلّ على محمد وآله وكد لنا) الكيد: العمل الخفي لترفيع شخص أو وضع شخص، ومعنى كد لنا هيئ الأسباب لعلوّنا ورفعتنا، ومن المعلوم أن الأسباب الغيبية خفية، ولذا أطلق (عليه السلام) لفظ الكيد (ولا تكد علينا) أي لا تهيئ الأسباب الخفية لوضعنا وذلنا (وامكر لنا) المكر: معالجة الأسباب الخفية للوصول إلى المسببات المرغوبة، وهذا أصل معناه لغة، ومنه قوله سبحانه (ويمكرون ويمكر الله) [1] لكن الشائع عند العرف إطلاقه على المعالجة الضارة، ولذا يستبشع هذا اللفظ إذا أُطلق بدون قرينة (ولا تمكر بنا) أي امكر لعلونا لا لضعتنا (وأدل لنا) الأدلة صرف الدولة من أحد لآخر، أي اصرف دولة الأعداء إلينا (ولا تدل منا) بأن تأخذ الدولة منا وتعطيها لغيرنا.
(اللهم صلّ على محمد وآله وقنا منك) الوقاية الحفظ، أي احفظنا حفظاً ناشئاً من جانبك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َواحْفَظْنا بِكَ؛ وَاهْدِنا إليك؛ وَلا تُباعدْنا عَنْكَ؛ إِنَّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ؛ وَمَنْ تُقَرِّبْهُ إليك يَغْنَمْ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنا حَدَّ نَوآئِبِ الزَّمانِ؛ وَشَرَّ مَصائدِ الشَّيْطانِ، وَمَرارَة صَوْلَةِ السُّلْطانِ، اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفي المُكْتَفُونَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(واحفظنا بك) أي احفظنا بذاتك حتى تكون أنت حفيظاً لنا (واهدنا إليك) بأن توفقنا لسلوك الطريق الموصل إلى رضاك (ولا تباعدنا عنك) المباعدة عنه سبحانه بالعصيان الموجب لبعد الإنسان عن رضاه تعالى، وإلاّ فليس له سبحانه مكان حتى يكون البعد مكانياً (إن مَنْ تقه) أي تحفظه، من وقى يقي (يسلم) عن الآفات والأخطار (ومن تهده) إلى مرضاتك (يعلم) الخير والشر لأنه مهدي (ومن تقربه إليك) أي إلى رضوانك (يغنم) من الغنيمة بمعنى الفائدة، أي يحصل على سعادة الدنيا والآخرة.
(اللهم صلّ على محمد وآله واكفنا حد) أي شدة، فإن حد السيف والسكين شفرتهما (نوائب الزمان) جمع نائبة، وهي المصيبة (وشر مصائد الشيطان) جمع مصيدة: وهي الشرك الذي يجعله الشيطان لصيد الناس وإلقائهم في المعاصي كالمال والجاه والشهوات وما أشبه (ومرارة صولة السلطان) أي هجومه ونكاله.
(اللهم إنما يكتفي المكتفون) أي الذين يكتفون بأرزاقهم ولا يحتاجون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِفَضْلِ قُوَّتِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنا؛ وَإنَّما يُعْطِي المُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأعْطِنا؛ وَإنَّما يَهْتَدِي المُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاهْدِنا، اللّهُمَّ إنَّكَ مَنْ والَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الخاذِلينَ؛ وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْعُ المانِعينَ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى شيء (بفضل قوتك) أي قوتك التي تتفضل بها عليهم القوة في المال أو ما أشبه (فصلّ على محمد وآله واكفنا) حتى لا نحتاج إلى مَنْ سواك (وإنما يعطي المعطون) أي الباذلون (من فضل جدتك) الجدة: بمعنى الوجدان، مصدر [وجد] كعدة مصدر [وعد] (فصلّ على محمد وآله وأعطنا) حتى لا نحتاج إلى عطاء غيرك (وإنما يهتدي المهتدون) أي الذين يهتدون إلى سبيل السعادة في الدارين (بنور وجهك) هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فإن المراد بوجه الله سبحانه توجهه وإرادته، كما أن المراد بنوره ما يلقى في القلب مما يضيء السبيل للإنسان تشبيهاً بالنور الذي يسبب معرفة الإنسان للطريق في الليل المظلم (فصلّ على محمد وآله واهدنا) حتى لا نضل.
(اللهم إنك مَنْ واليت) موالاة الله سبحانه نصرته للإنسان وترفيعه تعالى له (لم يضرره خذلان الخاذلين) الخذلان ترك النصرة، فإن الله إذا شاء ترفيع أحد لم يؤثر فيه خذلان الناس وترك نصرتهم له (ومَن أعطيت) إياه من جودك وفضلك (لم ينقصه منع المانعين) إذ لا يبقى له موضع ناقص حتى يضره كفّ الناس يدهم عنه (ومَن هديت لم يغوه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضْلالُ المُضِلّينَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَامْنَعْنا بِعِزِّكَ مِنْ عِبادِكَ، وَأغْنِنا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفادِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبيلَ الحَقِّ بِإرْشادِكَ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ سَلامَةَ قُلُوبِنا في ذِكْرِ عَظَمَتِكَ، وَفَراغَ أبْدانِنا في شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وَانْطِلاقَ ألْسِنَتِنا في وَصْفِ مِنَّتِكَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضلال المضلين) فإن كل مَن أراد إضلاله لم يؤثر فيه، لأن الله سبحانه أقوى في هدايته من المضل الذي يريد إضلاله.
(فصلِّ على محمد وآله وامنعنا بعزك) أي بسلطانك (من عبادك) حتى لا يؤثر فينا أذاهم وخذلانهم (وأغننا عن غيرك بإرفادك) أي إعطائك حتى لا نحتاج إلى غيرك (واسلك بنا سبيل الحق بإرشادك) سلك به: بمعنى دلّه على الطريق، أو أخذه معه، وعلى الثاني فالمعنى: أن يكون عون الله سبحانه مع الإنسان في كل خطوة.
(اللهم صلّ على محمد وآله واجعل سلامة قلوبنا) أي وقت سلامتها عن الآفات (في ذكر عظمتك) حتى لا نصرفها في اللغو والهذر (و) اجعل (فراغ أبداننا) أي حال فراغ بدننا وعدم اشتغالها بالأمور الضرورية (في شكر نعمتك) والمراد الشكر العملي بأعمال الخير وإقامة الصلاة وما أشبه، كما قال سبحانه: (اعملوا آل داود شكرا) [2]، فإن للشكر مراكز ثلاثة: القلب، واللسان، والبدن (و) اجعل (انطلاق ألسنتنا) أي وفقنا لأن نصرف ألسنتنا المطلقة (في وصف منتك) منن الله: نعمه على الإنسان، حتى لا نصرف ألسنتنا في اللغو والغيبة وما أشبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ دُعاتِكَ الدّاعينَ إليك؛ وَهُداتِكَ الدّالِّينَ عَلَيْكَ؛ وَمِنْ خآصَّتِكَ الخآصِّينَ لَدَيْكَ؛ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللهم صلّ على محمد وآله واجعلنا من دعاتك) جمع داعي (الداعين إليك) أي ندعو الناس إلى الإيمان بك والعمل بما أمرت (وهداتك) جمع هادي، والإضافة للتشريف (الدالين عليك) أي ندلّ الناس ونرشدهم إلى جنابك (ومن خاصتك) خاصة الرجل: الأقربون إليه، والمراد قرب الإنسان إلى رضوانه سبحانه (الخاصين) أي شديدي الخصوصية (لديك يا أرحم الراحمين) فإنه سبحانه أكثر ترحماً من كل راحم، والمراد برحمته تعالى عمله مع الإنسان عمل المترحم له من كشف البلية وإعطاء الرغبة.
المصدر: كتاب شرح الصحيفة السجادية (محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي)
يا مَنْ لا تَنْقَضي عَجآئبُ عَظَمَتِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْجُبْنا عَنِ الإلْحادِ في عَظَمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَنْتَهي مُدَّةُ مُلْكِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَأعْتِقْ رِقابَنا مِنْ نَقِمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَفنى خَزآئٍنُ رَحْمَتِهِ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدعاء الخامس
الشرح
وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته:
(يا من لا تنقضي عجائب عظمته) العجائب المستندة إلى عظمة الله سبحانه في السماء والأرض لا تنقضي، لأن فيضه العام يأتي كل يوم العجائب تورث عجب الإنسان (صلّ على محمد وآله واحجبنا) أي احفظنا (عن الإلحاد في عظمتك) الإلحاد الميل، أي أن نميل في هذه الجهة، بأن لا نعظمك حق عظمتك (ويا من لا تنتهي مدة ملكه) لبقاء الله سبحانه إلى الأبد وبقاء ملكه معه (صلّ على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك) أي غضبك، والنسبة إلى الرقبة لأنها موضع القتل والغل، وكل ما يشابه ذلك منسوباً إليها (ويا من لا تفنى خزائن رحمته) فإن خزائن الله عبارة عن الشمس والأرض والهواء والماء، ومن المعلوم أن كل شيء منها يتحول إلى غيره فلا يفنى. هذا إذا أخذنا بحسب المادة، أما بحسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَاجْعَلْ لَنا نَصيباً في رَحْمَتِكَ. وَيا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الأبْصارُ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدْنِنا إلى قُرْبِكَ؛ وَيا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الأخْطارُ؛ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَكَرِّمْنا عَلَيْكَ، وَيا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَواطِنُ الأخْبارِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَلا تَفْضَحْنا لَدَيْكَ؛ اللّهُمَّ أغْنِنا عَنْ هِبَةِ الوَهّابينَ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العموم فإن رحمة الله عامة يصدرها سبحانه بقوله: (كن) فلا فناء لها (صلّ على محمد وآله واجعل لنا نصيباً في رحمتك) بأن تتفضل علينا بالرحمة كما تتفضل على غيرنا (ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار) أي أن الأبصار لا تصل إلى حد تتمكن من رؤيته سبحانه، وذلك لاستحالة رؤية الله تعالى (صلِّ على محمد وآله وأدننا إلى قربك) المراد بالقرب قرب الشرف والرضا، لاستحالة المكان عليه سبحانه كما لا يخفى.
(ويا من تصغر عند خطره) أي عظمته (الأخطار) أي عظمة العظماء، إذ كل عظيم فهو صغير إذا قيس بعظمة الله سبحانه (صلّ على محمد وآله وكرِّمنا عليك) بأن نكون كرماء عندك (ويا من تظهر عنده بواطن الأخبار) إذ ليس شيء يخفى عليه سبحانه (صلّ على محمد وآله ولا تفضحنا لديك) أي وفقنا لئلا نعمل بالمعاصي حتى نفتضح لديك بسبب المعصية، والفضيحة كشف ستر الإنسان حتى يظهر أن باطنه كان مخالفاً لظاهره.
(اللهم أغننا عن هبة الوهابين) أي الذين يعطون الهبات والعطايا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِهِبَتِكَ، وَاكْفِنا وَحْشَةَ القاطِعينَ بِصِلَتِكَ حَتّى لا نَرْغَبَ إلى أحَدٍ مَعَ بَذْلِكَ؛ وَلا نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَدٍ مَعَ فَضْلِكَ؛ اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكِدْ لَنا وَلا تَكِدْ عَلَيْنا، وَامْكُرْ لَنا وَلا تَمْكُرْ بِنا، وَأدِلْ لَنا وَلا تُدِلْ مِنّا؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَقِنا مِنْكَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بهبتك) بأن تعطينا بدون واسطة وهاب موجب للمنة (واكفنا وحشة القاطعين) فإن الشخص إذا قطع عن الإنسان استوحش الإنسان لقطعه إياه (بصلتك) فإن الإنسان إذا وفقه الله سبحانه لطاعته والأُنس به لا يستوحش لقطع صديق (حتى لا نرغب إلى أحد مع بذلك) وعطائك لنا (ولا نستوحش من أحد مع فضلك) وإحسانك إلينا.
(اللهم فصلّ على محمد وآله وكد لنا) الكيد: العمل الخفي لترفيع شخص أو وضع شخص، ومعنى كد لنا هيئ الأسباب لعلوّنا ورفعتنا، ومن المعلوم أن الأسباب الغيبية خفية، ولذا أطلق (عليه السلام) لفظ الكيد (ولا تكد علينا) أي لا تهيئ الأسباب الخفية لوضعنا وذلنا (وامكر لنا) المكر: معالجة الأسباب الخفية للوصول إلى المسببات المرغوبة، وهذا أصل معناه لغة، ومنه قوله سبحانه (ويمكرون ويمكر الله) [1] لكن الشائع عند العرف إطلاقه على المعالجة الضارة، ولذا يستبشع هذا اللفظ إذا أُطلق بدون قرينة (ولا تمكر بنا) أي امكر لعلونا لا لضعتنا (وأدل لنا) الأدلة صرف الدولة من أحد لآخر، أي اصرف دولة الأعداء إلينا (ولا تدل منا) بأن تأخذ الدولة منا وتعطيها لغيرنا.
(اللهم صلّ على محمد وآله وقنا منك) الوقاية الحفظ، أي احفظنا حفظاً ناشئاً من جانبك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َواحْفَظْنا بِكَ؛ وَاهْدِنا إليك؛ وَلا تُباعدْنا عَنْكَ؛ إِنَّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ؛ وَمَنْ تُقَرِّبْهُ إليك يَغْنَمْ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنا حَدَّ نَوآئِبِ الزَّمانِ؛ وَشَرَّ مَصائدِ الشَّيْطانِ، وَمَرارَة صَوْلَةِ السُّلْطانِ، اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفي المُكْتَفُونَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(واحفظنا بك) أي احفظنا بذاتك حتى تكون أنت حفيظاً لنا (واهدنا إليك) بأن توفقنا لسلوك الطريق الموصل إلى رضاك (ولا تباعدنا عنك) المباعدة عنه سبحانه بالعصيان الموجب لبعد الإنسان عن رضاه تعالى، وإلاّ فليس له سبحانه مكان حتى يكون البعد مكانياً (إن مَنْ تقه) أي تحفظه، من وقى يقي (يسلم) عن الآفات والأخطار (ومن تهده) إلى مرضاتك (يعلم) الخير والشر لأنه مهدي (ومن تقربه إليك) أي إلى رضوانك (يغنم) من الغنيمة بمعنى الفائدة، أي يحصل على سعادة الدنيا والآخرة.
(اللهم صلّ على محمد وآله واكفنا حد) أي شدة، فإن حد السيف والسكين شفرتهما (نوائب الزمان) جمع نائبة، وهي المصيبة (وشر مصائد الشيطان) جمع مصيدة: وهي الشرك الذي يجعله الشيطان لصيد الناس وإلقائهم في المعاصي كالمال والجاه والشهوات وما أشبه (ومرارة صولة السلطان) أي هجومه ونكاله.
(اللهم إنما يكتفي المكتفون) أي الذين يكتفون بأرزاقهم ولا يحتاجون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِفَضْلِ قُوَّتِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنا؛ وَإنَّما يُعْطِي المُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأعْطِنا؛ وَإنَّما يَهْتَدِي المُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاهْدِنا، اللّهُمَّ إنَّكَ مَنْ والَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الخاذِلينَ؛ وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْعُ المانِعينَ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى شيء (بفضل قوتك) أي قوتك التي تتفضل بها عليهم القوة في المال أو ما أشبه (فصلّ على محمد وآله واكفنا) حتى لا نحتاج إلى مَنْ سواك (وإنما يعطي المعطون) أي الباذلون (من فضل جدتك) الجدة: بمعنى الوجدان، مصدر [وجد] كعدة مصدر [وعد] (فصلّ على محمد وآله وأعطنا) حتى لا نحتاج إلى عطاء غيرك (وإنما يهتدي المهتدون) أي الذين يهتدون إلى سبيل السعادة في الدارين (بنور وجهك) هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فإن المراد بوجه الله سبحانه توجهه وإرادته، كما أن المراد بنوره ما يلقى في القلب مما يضيء السبيل للإنسان تشبيهاً بالنور الذي يسبب معرفة الإنسان للطريق في الليل المظلم (فصلّ على محمد وآله واهدنا) حتى لا نضل.
(اللهم إنك مَنْ واليت) موالاة الله سبحانه نصرته للإنسان وترفيعه تعالى له (لم يضرره خذلان الخاذلين) الخذلان ترك النصرة، فإن الله إذا شاء ترفيع أحد لم يؤثر فيه خذلان الناس وترك نصرتهم له (ومَن أعطيت) إياه من جودك وفضلك (لم ينقصه منع المانعين) إذ لا يبقى له موضع ناقص حتى يضره كفّ الناس يدهم عنه (ومَن هديت لم يغوه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضْلالُ المُضِلّينَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَامْنَعْنا بِعِزِّكَ مِنْ عِبادِكَ، وَأغْنِنا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفادِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبيلَ الحَقِّ بِإرْشادِكَ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ سَلامَةَ قُلُوبِنا في ذِكْرِ عَظَمَتِكَ، وَفَراغَ أبْدانِنا في شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وَانْطِلاقَ ألْسِنَتِنا في وَصْفِ مِنَّتِكَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضلال المضلين) فإن كل مَن أراد إضلاله لم يؤثر فيه، لأن الله سبحانه أقوى في هدايته من المضل الذي يريد إضلاله.
(فصلِّ على محمد وآله وامنعنا بعزك) أي بسلطانك (من عبادك) حتى لا يؤثر فينا أذاهم وخذلانهم (وأغننا عن غيرك بإرفادك) أي إعطائك حتى لا نحتاج إلى غيرك (واسلك بنا سبيل الحق بإرشادك) سلك به: بمعنى دلّه على الطريق، أو أخذه معه، وعلى الثاني فالمعنى: أن يكون عون الله سبحانه مع الإنسان في كل خطوة.
(اللهم صلّ على محمد وآله واجعل سلامة قلوبنا) أي وقت سلامتها عن الآفات (في ذكر عظمتك) حتى لا نصرفها في اللغو والهذر (و) اجعل (فراغ أبداننا) أي حال فراغ بدننا وعدم اشتغالها بالأمور الضرورية (في شكر نعمتك) والمراد الشكر العملي بأعمال الخير وإقامة الصلاة وما أشبه، كما قال سبحانه: (اعملوا آل داود شكرا) [2]، فإن للشكر مراكز ثلاثة: القلب، واللسان، والبدن (و) اجعل (انطلاق ألسنتنا) أي وفقنا لأن نصرف ألسنتنا المطلقة (في وصف منتك) منن الله: نعمه على الإنسان، حتى لا نصرف ألسنتنا في اللغو والغيبة وما أشبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ دُعاتِكَ الدّاعينَ إليك؛ وَهُداتِكَ الدّالِّينَ عَلَيْكَ؛ وَمِنْ خآصَّتِكَ الخآصِّينَ لَدَيْكَ؛ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللهم صلّ على محمد وآله واجعلنا من دعاتك) جمع داعي (الداعين إليك) أي ندعو الناس إلى الإيمان بك والعمل بما أمرت (وهداتك) جمع هادي، والإضافة للتشريف (الدالين عليك) أي ندلّ الناس ونرشدهم إلى جنابك (ومن خاصتك) خاصة الرجل: الأقربون إليه، والمراد قرب الإنسان إلى رضوانه سبحانه (الخاصين) أي شديدي الخصوصية (لديك يا أرحم الراحمين) فإنه سبحانه أكثر ترحماً من كل راحم، والمراد برحمته تعالى عمله مع الإنسان عمل المترحم له من كشف البلية وإعطاء الرغبة.
المصدر: كتاب شرح الصحيفة السجادية (محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي)