يعد الرسم من أهم وأمتع النشاطات التي يمارسها الانسان بشكل عام والطفل بشكل خاص ، كما وإن له دوراً مهماً في حياة المرء، لاسيما عند الاطفال في الاستفادة من وقتهم والاستمتاع بطفولتهم وإشباع ميولهم وتنمية ملكاتهم، فغالباً ما تحمل رسومهم في طياتها رسائل للبالغين تعبر عن الطريقة التي يستشعرون بها عالمهم السحري الصغير، فهي بمثابة رواية حقيقية لحياتهم.
وتعد فنون الأطفال بصورة عامة من الأنشطة الذاتية التلقائية الحرة، التي تعد مدخلاً تربوياً أساسياً لتعلمهم وتوجيه استعداداتهم وميولهم الفنية، والكشف عن مستوى ارتقائهم ونضجهم بصفة عامة، فما نلمسه من طبيعة رسوم الأطفال ان ما ينتجونه بسليقتهم إنما يمكن تفسيره على ضوء فهمنا للعملية الابتكارية على أنه (نشاط إنساني فطري طبيعي)، وأن ما يتضمنه فن الأطفال من مشاعر تكتسب قيمتها من طبيعة الإنسان وحاجاته، فهي ليست منتجات عقلية بحتة.
فالرسم هو موهبة الطفل يتعلم من خلاله أنماطاً سلوكية تعينه على إدراك أوسع للعالم المحيط به، لأنه عندما يرسم فأن أشكاله تحمل دلالات معينة بقدر ما تتضمن من قوة انفعالية دافعة ونشاط جسمي وحركة، وأن أية صياغة جديدة لموقف جديد في فكرة الطفل أو في تجسيمه لمظهر من مظاهر الأشياء المحيطة به يتجسد في حركات وسكون ما يرسمه من أشياء بصرية أو ذهنية مضيفا لها سمات تصطفيها عن غيرها مما في الحياة من شواهد حية أو شواهد إبداعية .
وتعد فنون الأطفال على اختلاف سبلها وطرقها شواهد نفسية على سماتهم الشخصية والمزاجية، وعما يعانونه من صراعات ومكبوتات وعجز، أو ما يشعرون به من تفوق وتميز وقدرة على الإنجاز، كما إنها ترتبط بمشاعرهم وقت إنتاجهم لها فيعبرون من خلالها عن مدى سعادتهم أو حزنهم أو مخاوفهم وانفعالاتهم الايجابية أو السلبية تجاه الأشياء أو الأشخاص الذين يعبرون عنهم، فالطفل يبعث برسائل ذات دلالات نفسية موجهة للكبار ليطلعهم على عالمه الداخلي، كأنه ينطق (كيف يشعر– كيف يفكر - كيف يرى العالم من حوله)، فهو يسقط رغباته واحتياجاته ويندمج متوحدا مع شخصه، ويجسم ويبالغ في الأشياء التي لها دلالة لديه كما يحذف ويلغي الأشياء التي لا تمثل أي أهمية خاصة به .
تختلف رسومات الأطفال من عمر لآخر من حيث الوضوح وما تحمله من موضوع فلا يجب أن تقارن بين رسومات طفلين مختلفي الفئة العمرية ، لأن كل مرحلة او فئة عمرية يتميز فيها أصحابها بنوعية من الرسم، وقد قسم الباحثون في مجال الصورة الذهنية للأطفال المرحلة العمرية للرسم الى عدة أقسام، واتفقوا على عدة مراحل عمرية يشترك فيها الأطفال من خلال رسوماتهم، وهي
1.المرحلة الابتدائية - وتكون من 1عمر الى 3 سنوات ويكون فيها الطفل يعبر عما يجوب خاطره من خلال اللخبطة والخربشة وتعلم الامساك بالقلم.
2.مرحلة الواقعية العرضية : و تكون من عمر 3 الى 5 سنوات،حيث يبدأ ظهور بعض المواضيع المفهومة والقصدية في الرسم والحكاية
3.مرحلة الواقعية الفكرية - وهي تكون بين 5 الى 12 سنة حيث يصبح الطفل فيها قادرا على اعادة رسم ما يعرفه وليس فقط ما يراه ويعطي بعض التفاصيل ذات طابع خاص كما تتسم رسوماته بالوضوح
4.مرحلة الواقعية المرئية وتكون بدايتها فوق سن 12 ، حيث تظهر جملة من التحولات من بينها احترام واقعية الألوان والقياسات واكتساب قدرات تصويرية مقبولة جدا ويدخل في هذا الاطار حتى البالغون
وفي دراسات اخرى لبعض الباحثين في هذا المجال، ميزوا صنفين رئيسين من الصور الذهنية وهي (صور ثابتة و صور ذات حركة وتحول)، وان طبيعة التصورات الشخصية التي تميز الأعمار والتي تسبق سن السابعة والثامنة تميل إلى أن تكون (ثابتة)، أي مجرد صور استنساخية، بينما يصبح التصور في السنوات التالية لهذه الفئة العمرية (بعد سن السابعة)أكثر مرونة، وتكون على نحو تطوري قادر على تقديم حركات وتحولات تتميز بقيمتها المستقبلية.
إن تعبير الطفل بالشكل واللون، وبتلقائية عفوية بريئة، يعد فناً خاصاً ونوعاً متميزاً لا يقدر على إبداعه إنسان غيره، وهذا ما قرره بعض علماء عالم الطفولة امثال العالم النمساوي (تشزك) الذي قال:
" إن فن الطفل هو فن لا ينتجه غير الطفل. هناك شيء آخر يمكن أن يقوم به ولكن هذا لا نسميه فناً، وإنما نسميه تقليداً أو افتعالاً ".
ومع انتشار الحداثة في الفن التشكيلي وجد كثير من فناني المدارس الفنية العالمية مصادر ابداعهم في فنون الأطفال واعتبروا تلك الرسومات نمطاً من التعبير الفني، له خصوصيته التي مارسها الإنسان البدائي والساذج، أو حتى مثل الأنماط التي قدمها فنانون كبار، لكنهم وجدوا أن تقديم فن كفن الطفل، وبعفوية وبساطة كبساطتهم، يمكّن الفنان من الوصول إلى شكل أكثر تلقائية، واصالة، ويعكس لنا عالمه بكل خصوصيته.
وحيث أن اللعب هو أسمى تعبير عن التطور الإنساني لدى الأطفال، فإنه يظهر لديهم عندما نطلق لهم الحرية ليعبروا عن انفسهم والعالم المحيط بهم بغير ضغط أو إكراه، وبمعنى آخر ( أن يعبر الطفل عن نشاطاته العقلية بغير قيد ويتوصل إلى استحداث أشكال وألوان وخطوط جديدة لها سمتها المميزة).
لكن هذه الحرية في عالمنا العربي الاسلامي قد أحيطت بمواصفات عديدة منها (أن الطفل ما هو إلاّ صفحة بيضاء علينا أن نكشف الغطاء عنها، ولكي يتم هذا لابد من أن نحميه من أي مؤثرات تقف في طريق تعبيره حتى لا يقلد أو ينقل أو يحاكي)، وبهذا نكون قد أغلقنا عيوننا وآمنا واعتقدنا أن الطفل يأتي إلى المدرسة صفحة بيضاء ونسينا وأغفلنا مؤثرات المحيط والبيئة التي تحتضنه (جغرافياً واجتماعياً).
ولذلك حينما نسعى الى تأويل تلك الرسوم نحس بتلك البيئة التي يعيش فيها هؤلاء الأطفال معكوسة بصدق وبملاحظات غير عادية تدل على حنكة ودراية بما يرسمون دون أن يغفلوا الموضوعات التي تدور حولهم وان كانت صغيرة.
فهل يمكن فعلاً أن نجعل الطفل بعيداً عن المحاكاة والتقليد في إنتاجه وهو الذي يعيش وينمو من خلال معايشته لمظاهر الطبيعة و المظاهر الاجتماعية والثقافية التي يتشرب بها وتنغرس في ذهنه؟
ولاشك ان يكون الجواب ( لا يمكن ) فهم ابناء مجتمعاتهم يتعلمون منها ويتأثرون بها، ويسترجعونها في أشكال مرئية للعين دالة على مستوى تطور التعبير الفني لديهم.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة