بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على محمد وال محمد
لاشك ولاريب ان حديث الغدير من الاحاديث المتواترة التي لاتقبل الشكيك ولا الاعتراض من ناحية السند والدلالة . ولكن بما ان الطرف المخالف رافضا لولاية الحق لامير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب (ع) عنادا وجحودا للحق أخذ باثارت الشبهات والاشكالات الواهية الضعيفة لكي يصرفوا الناس ويشغلونهم عن اتباع الحق والمسير على نهجه المستقيم . وهذه الشبهات ليست على حديث الغدير لانه مقطوع التواتر بل كانت الشبهات تدور حول اية التبليغ واية الاكمال . وقبل بيان الشبهات والاجابة عليها نستعرض الروايات من كتب علماء اهل السنة والجماعة التي تبين سبب نزول اية التبليغ والاكمال وبعد ذلك نطرح الشبهات على الايتين ونجيب عليها ومن الله التوفيق والسداد . *** ومن خلال كلّ ذلك يُفهمُ بأنّ يوم الغدير اتخذه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم عيد، إذ بعد تنصيب الإمام عليّ وبعد أن نزل عليه قوله: { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... } الآية : قال : "الحمد للّه على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي " . الحاكم الحسكاني ج 1: ص 158 ح212 ، عن أبي سعيد الخدري في تفسيره للآية ، المناقب للخوارزمي : ص135 ح153.
*** الحاكم الحسكاني - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل
الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 239 )
[ النص طويل لذا استقطع منه موضع الشاهد ]
240 - .... وقوله : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ( المائدة : 67 ) } نزلت في علي ، أمر رسول الله أن يبلغ فيه فأخذ بيد علي ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.
*** فلمّا أنزل اللّه عليه : { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } أسرع في نفس الوقت وبدون تأخير بامتثال أمر ربّه ، فنصب علياً خليفة من بعده، وأمر أصحابه بتهنئته بإمارة المؤمنين، ففعلوا ، وبعدها أنزل اللّه عليهم : { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً }.
أضف إلى كلّ ذلك أنّنا نجد بعض علماء أهل السنّة والجماعة يعترفون صراحة بنزول آية البلاغ في إمامة عليّ :
قد رووا عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك ـ أنّ عليّاً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته واللّه يعصمك من الناس" . فتح القدير للشوكاني 2: 60، الدر المنثور للسيوطي 2:298، في تفسير الآية 67 من سورة المائدة.
الشبهات التي ترد على أية الغدير :
الشبهة الاولى : بأنّ الآية نزلت في يوم عرفة :
*** أخرج البخاري في صحيحه قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: إنّ أناساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فقال عمر: أَيَّةُ آية ؟ فقالوا: { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً }.الشبهة الاولى : بأنّ الآية نزلت في يوم عرفة :
فقال عمر: إنّي لأعلم أيّ مكان أُنزِلتْ، أُنزِلتْ ورسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واقفٌ بعرفة.
صحيح البخاري 5: 127، كتاب المغازي، باب 79 في حجّة الوادع، الدر المنثور 2: 258 تفسير سورة المائدة، الآية الثالثة.
*** وأخرج ابن جرير عن عيسى بن حارثة الأنصاري، قال: كنّا جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني: يا أهل الإسلام، لقد أُنزِلتْ عليكم آية لو أُنزِلتْ علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعه عيداً ما بقي منّا اثنان، وهي { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فلم يجبه أحد منّا، فلقيتُ محمّد بن كعب القرطني فسألته عن ذلك، فقال: ألا رددتم
عليه ؟ فقال عمر بن الخطاب : أنزلتْ على النبي وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة ، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين مابقي منهم أحد . الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2: 258 سورة المائدة، الآية الثالثة.
جواب الشبهة : أغلبُ الظنّ أنّ القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة ومؤسّسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خمّ بعد تأمير الإمام عليّ، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل على القائلين به; لأنّ يوم الغدير جمع مائة ألف حاج أو يزيدون، وليس هناك مناسبة في حجّة الوداع أقرب إلى الغدير من يوم عرفة في المقارنة، إذ أن الحجيج لم يجتمعوا على صعيد واحد إلاّ فيهما، فالمعروف أن الناس يكونون متفرّقين جماعات وأشتاتاً في كلّ أيام الحجّ، ولا يجتمعون في موقف واحد إلاّ في عرفة.
وهذه الروايات التالية أدناه كافية في رد هذا القول المحرف الكاذب بنزول الاية في يوم عرفة التي نسبوها الى عمر بن الخطاب والعجيب الغريب ان بعض الرواية ايضا عن عمر بن الخطاب حيث يهنئ فيها علي ابن ابي طالب فنزلت الاية في غدير خم بعد تبليغ الرسول الاكرم (ص) بولاية علي (ع) وليس في عرفة كما يقول المحرفون . واليكم هذه الاقوال والروايت بين ايديكم .
*** ابن عساكر - تاريخ دمشق - حرف العين - 4933 - علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف ...
الجزء : ( 42 ) - رقم الصفحة : ( 234 )
- وأخبرناه : أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا : أبو الحسين بن النقور ، أنا : محمد بن عبد الله بن الحسين الدقاق ، نا : أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري البزاز املاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ، نا : علي بن سعيد الشامي ، نا : ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شؤدب ، عن مطر الوراق ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله (ص) بيد علي بن أبي طالب ، فقال : الست مولى المؤمنين ، قالوا : نعم يا رسول الله فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر بن الخطاب : بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، قال : فأنزل تبارك وتعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ( المائدة : 3 ) } .
الشبهة الثانية :
بأن اية : (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) تتنافى مع اية : (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ولا علاقة لاحدهما بالاخرى .
جواب الشبهة : أنّ القول بنزول الآية: { اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } في يوم عرفة يتنافى أكيدا مع آية البلاغ: { يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } والتي تأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإبلاغ أمر مهمّ لا تتمّ الرسالة إلاّ به، والتي سبق البحث عنها وتبينّ نزولها بين مكة والمدينة بعد حجّة الوداع ، وهو مارواه أكثر من مائة وعشرين صحابياً، وأكثر من ثلاثمائة وستّين من علماء أهل السنّة والجماعة .
ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ آية البلاغ وحديث الغدير وآية الاكمال سبب نزولهن أمرٌ واحد ، وهو أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ الناس الولاية لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأن فصل الرواة والمحدّثين بينها لأجل الاختصار أو تقطيع الأخبار أو غير ذلك من الأسباب ، ومن هذا الباب جاء كلام المؤلّف حول عدد رواة آية البلاغ ، لأنه نظر إلى مجموع القضايا الثلاث كقضية واحدة كما هي في واقعها.
ومن هذا يعرف أنّ ما أشكل به صاحب كتاب كشف الجاني : 154 ناشئ من عدم فهم كلام المؤلّف ، والنظر إلى حادثة الغدير وآية البلاغ والإكمال كقضايا متعدّدة لا يرتبط بعضها ببعض ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، كما هو واضح لمن يرجع إلى الروايات وأسباب نزول الآيات .
أضف إلى ذلك أنّ كلام المؤلّف في آية البلاغ وليس في آية الإكمال ـ بناءً على الفصل بينهما ـ فلا وجه للخلط بين الأمرين .
وهذه الروايات التي بين ايديكم أدناه تثبت وجود العلاقة الارتباط بين كلى الايتين وان سبب نزولهن امرا واحدا :
*** ابن عساكر - تاريخ دمشق - حرف العين - 4933 - علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف ...
الجزء : ( 42 ) - رقم الصفحة : ( 237 )
- أنبأنا : أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء ، أنا : أبي أبو القاسم ، أنا : أبو محمد بن أبي نصر ، أنا : خيثمة ، نا : جعفر بن محمد بن عنبسة اليشكري ، نا : يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا : قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما نصب رسول الله (ص) عليا بغدير خم فنادى له بالولاية هبط جبريل (ع) عليه بهذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( المائدة : 3 ) }.
*** الحاكم الحسكاني - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل
الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 202 )
212 - حدثني : أبو زكريا ابن أبي إسحاق ، قال : أخبرنا : عبد الله بن اسحاق ، قال : حدثنا : الحسن بن علي العنزي ، قال : حدثني : محمد بن عبد الرحمن الذارع ، قال : حدثنا : قيس بن حفص الدارمي ، قال : حدثني : علي بن الحسين أبو الحسن العبدي ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري : أن النبي (ص) دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعيه فرفعهما ثم لم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( المائدة : 3 ) } فقال رسول الله (ص) : الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي ، ثم قال : للقوم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، والحديث اختصرته.
*** الموفق الخوارزمي - المناقب
الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 6 )
[ النص طويل لذا استقطع منه موضع الشاهد ]
- وكان القوم يحلمون بهذه الرؤية الشيطانية ، ويتربصون به ريب المنون لا يشكون في أن دعوته ستموت بموته لأنه في منظرهم ملك في صورة نبي ، وسلطته سلطة في صورة دعوة الهية فلئن مات أو قتل انقطع اثره وخمد ذكره ، كما هو المشهود من حال الملوك والجبابرة مهما تعالى أمرهم ، وبلغوا ، عن التكبر والتجبر وركوب رقاب الناس ، مبلغا عظيما كان الخصم يحلم بهذه الأمنية الشيطانية حتى جاء أمين الوحي فأدهشهم وطارت عقولهم فأمر النبي بتنصيب علي (ع) لمقام الولاية الإلهية ، واستخلافه في أمر المسلمين بعده فحاطبه بقوله : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ( المائدة : 67 ) } فقام النبي (ص) في محتشد عظيم من الناس التف حوله وجوه المهاجرين والأنصار ، وأخذ بيد علي (ع) ورفعها ، وقال : الست أولى بكم من أنفسكم ، قالوا : اللهم بلى ، فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأنصر من نصره ، وأخذل من خذله ، فصار عمل النبي (ص) وقيامه بواجبه في تنصيب علي (ع) مقام القيادة بعد وفاته ، سببا ليأس المشركين قاطبة فأذعنوا أن النبي نور لا يطفأ ، وسراج لا يخبو وأن كتابه فرقان لا يخمد برهانه ، وتبيان لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أنصاره ، وحق لا تخذل أعوانه ، وقد نزل أمين الوحي يبشر النبي الأكرم عن قنوط المشركين ويأسهم ، إذ قال : سبحانه : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( المائدة : 3 ) }.
تعليق