إن القلب السليم هو القلب الذي يمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: أن يكون القلب خالياً من الملكات الفاسدة، فالإنسان الذي يُؤْمن جانبه: أي الخير منه مأمول، والشر منه مأمون؛ إنسان غير حقود، وغير حسود، ومتواضع؛ فهذه مرحلة من مراحل سلامة القلب.
المرحلة الثانية: أن يكون القلب خالياً من حب الدنيا، وهي مرحلة أعلى من الأولى.. فالزهد: هو أن يقطع الإنسان العلاقة القلبية بينه وبين الدنيا، والأمر لا يحتاج إلى ترك الدنيا، ولا إلى هجر النساء، ولا حتى القصور؛ بإمكان الإنسان أن يعيش في قصر ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ ولكن لا يكون متعلقًا به.
المرحلة الثالثة: أن يكون القلب مليئاً بذلك الحب المستوعب لكل جهات القلب:﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾؛ القرآن الكريم أشار إلى هذا الحب المتبادل بين العبد وربه.. فتارة يعبر عن حب المؤمن لربه، وتارة يعبر عن حب الرب لعبده.. والملفت أن الحب الإلهي لعبيده جاء في آيات، منها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ﴾؛ ﴿إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.. وهنا بشرى لأصحاب المعاصي!.. فالذي يرجع عن المعصية له امتيازات إيجابية؛ ولكن بشرط التوبة!.. ويكفي أن الله يحبه، ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾؛ والتواب كثير الرجوع عن الخطأ، وكثير الرجوع، هو كثير الزلل؛ ولكن ذلك الإنسان الذي لا يستهزئ بالله -عز وجل- في توبته.. فالإنسان العاصي له امتيازان:
الامتياز الأول: أنه جرب المحرمات.. فالمؤمن العادي قد يتمنى لو أن الخمرة حلال، أو الزنا حلال، أو لحم الخنزير حلال؛ ليجرب هذه الأمور!.. بينما العاصي جرب بعض هذه الأمور، فما رأى إلا السراب، ثم عاد إلى ما كان عليه.. ولكن لا ننسى أنه: ليس من أذنب وتاب، كمن لم يعص أبداً!.. حيث هنالك براءة، وكما يقال: حالة من البكرية في روح المؤمن.. فهنيئاً لمن كان بكراً في هذا المجال، قبل البلوغ كان بريئاً براءة الطفولة، وبعد البلوغ براءة الاستقامة!.. فهذا الإنسان العاصي الذي جرب المعاصي، عندما يرجع إلى طريق الإيمان، لا يفكر أبداً في الرجوع إلى المعصية التي آلمته أيما إيلام!..
الامتياز الثاني: أن أهل المعاصي -تقريباً- يُؤْمن منهم جانب العجب!.. فالمؤمن الذي لم يعص، من الممكن في يوم من الأيام أن يعجب بوضعه.. وهذا العجب قاتل؛ لأنه إذا دخل في حياة المؤمن؛ أسقطه في الامتحان.. بينما العاصي كلما قرأ مناجاة التائبين؛ يتذكر ذنوبه.. فعند قراءة هذه الفقرة: "قبح الذنب من عبدك"، الإنسان العادل الذي لم يعص في حياته، يقول: هذه مجاملة، أنا ما عندي ذنب قبيح.. ولكن أهل المعصية عندما يقرؤون مناجاة التائبين، تجري دموعهم على خدودهم، هذه الدموع لا تعوض بشيء، ألم يرد في الحديث الشريف: (يا آدم!.. أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائيين)!.. هذا الأنين، وهذه الدمعة عند الله لها وزن كبير، تطفئ بحاراً من غضبه.
علامات المحب..
أولاً: الأنس.. إن المؤمن إذا وصل إلى مرحلة الأنس بالله تعالى، تصبح له علاقة قريبة جداً بالله عز وجل.. وبما أن كل إنسان صاحب حاجة: إما حاجة للدنيا، أو حاجة للآخرة.. إما يريد الحور أو الرضوان في الجنة، أو حاجة من حوائج الدنيا: كشفاء مريض، أو مال، ...الخ.. فالمؤمن إذا وصل إلى مرحلة الأنس والدلال مع رب العالمين؛ فإنه يعيش حالة الارتياح في الوجود، وكلما وقع في ورطة، يدعو ربه!.. فإن جاءه الجواب فوراً، نعم المطلوب!.. وإن لم يأت الجواب، يعلم أن هنالك أحد أمرين:
1. التعويض في الآخرة.. إذا لم تجب دعوته، يعلم بأن هناك تعويضاً في الآخرة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن المؤمن ليدعو الله في حاجة، فيقول الله: أخروا حاجته؛ شوقاً إلى صوته وسماعه!.. فإذا كان يوم القيامة يقول الله: عبد!.. دعوتني في كذا وكذا، فأخرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا.. ودعوتني في كذا وكذا، فأخرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا.. قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا، لما يرى من حسن الثواب).
2.ليس هنالك مصلحة له.. المؤمن عليهبالدعاء، ولا يستعجل الإجابة، فهو لا يعلم أين الصلاح:(ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي، لعلمك بعاقبة الأمور)!.. ولهذا المؤمن لا إصرار في دعائه، لأنه لا يعلم الخواتيم.. مثلاً: الشاب الذي يحب الزواج من فتاة، ويدعو الله تعالى وبإصرار؛ هل يعلم أنه ستنجب له ولداً صالحاً، أو هل ستنجب أصلاً؟.. أو هل تستمر عيشتها معه؟.. من أين يعلم المصلحة؟.. لذا، عليه أن يقول: يا رب، إن كان فيها الصلاح، يسر الأمر.. والذي يسأل الله -عز وجل- المال الوفير، من أين له العلم، أن هذا المال لا يكون وبالاً عليه؟.. فليسأل ولا يُعلّم رب العالمين ما هي المصلحة!..
الخلاصة:
إن القلب السليم هو ذلك القلب الذي يرد على الله -عز وجل- ليس خالياً من الملكات السيئة فحسب، وليس خالياً مما سوى الله فحسب؛ وإنما فيه ذلك الحب الإلهي، الذي إذا وُجد في قلب العبد تغير مجرى حياته!.. ومن مصاديق هذا الحب، الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث أنه كان في يوم عاشوراء، كلما اشتد عليه البلاء؛ أشرق لونه.. وكان يناجي ربه في ذلك اليوم قائلاً:
المرحلة الأولى: أن يكون القلب خالياً من الملكات الفاسدة، فالإنسان الذي يُؤْمن جانبه: أي الخير منه مأمول، والشر منه مأمون؛ إنسان غير حقود، وغير حسود، ومتواضع؛ فهذه مرحلة من مراحل سلامة القلب.
المرحلة الثانية: أن يكون القلب خالياً من حب الدنيا، وهي مرحلة أعلى من الأولى.. فالزهد: هو أن يقطع الإنسان العلاقة القلبية بينه وبين الدنيا، والأمر لا يحتاج إلى ترك الدنيا، ولا إلى هجر النساء، ولا حتى القصور؛ بإمكان الإنسان أن يعيش في قصر ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ ولكن لا يكون متعلقًا به.
المرحلة الثالثة: أن يكون القلب مليئاً بذلك الحب المستوعب لكل جهات القلب:﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾؛ القرآن الكريم أشار إلى هذا الحب المتبادل بين العبد وربه.. فتارة يعبر عن حب المؤمن لربه، وتارة يعبر عن حب الرب لعبده.. والملفت أن الحب الإلهي لعبيده جاء في آيات، منها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ﴾؛ ﴿إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.. وهنا بشرى لأصحاب المعاصي!.. فالذي يرجع عن المعصية له امتيازات إيجابية؛ ولكن بشرط التوبة!.. ويكفي أن الله يحبه، ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾؛ والتواب كثير الرجوع عن الخطأ، وكثير الرجوع، هو كثير الزلل؛ ولكن ذلك الإنسان الذي لا يستهزئ بالله -عز وجل- في توبته.. فالإنسان العاصي له امتيازان:
الامتياز الأول: أنه جرب المحرمات.. فالمؤمن العادي قد يتمنى لو أن الخمرة حلال، أو الزنا حلال، أو لحم الخنزير حلال؛ ليجرب هذه الأمور!.. بينما العاصي جرب بعض هذه الأمور، فما رأى إلا السراب، ثم عاد إلى ما كان عليه.. ولكن لا ننسى أنه: ليس من أذنب وتاب، كمن لم يعص أبداً!.. حيث هنالك براءة، وكما يقال: حالة من البكرية في روح المؤمن.. فهنيئاً لمن كان بكراً في هذا المجال، قبل البلوغ كان بريئاً براءة الطفولة، وبعد البلوغ براءة الاستقامة!.. فهذا الإنسان العاصي الذي جرب المعاصي، عندما يرجع إلى طريق الإيمان، لا يفكر أبداً في الرجوع إلى المعصية التي آلمته أيما إيلام!..
الامتياز الثاني: أن أهل المعاصي -تقريباً- يُؤْمن منهم جانب العجب!.. فالمؤمن الذي لم يعص، من الممكن في يوم من الأيام أن يعجب بوضعه.. وهذا العجب قاتل؛ لأنه إذا دخل في حياة المؤمن؛ أسقطه في الامتحان.. بينما العاصي كلما قرأ مناجاة التائبين؛ يتذكر ذنوبه.. فعند قراءة هذه الفقرة: "قبح الذنب من عبدك"، الإنسان العادل الذي لم يعص في حياته، يقول: هذه مجاملة، أنا ما عندي ذنب قبيح.. ولكن أهل المعصية عندما يقرؤون مناجاة التائبين، تجري دموعهم على خدودهم، هذه الدموع لا تعوض بشيء، ألم يرد في الحديث الشريف: (يا آدم!.. أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائيين)!.. هذا الأنين، وهذه الدمعة عند الله لها وزن كبير، تطفئ بحاراً من غضبه.
علامات المحب..
أولاً: الأنس.. إن المؤمن إذا وصل إلى مرحلة الأنس بالله تعالى، تصبح له علاقة قريبة جداً بالله عز وجل.. وبما أن كل إنسان صاحب حاجة: إما حاجة للدنيا، أو حاجة للآخرة.. إما يريد الحور أو الرضوان في الجنة، أو حاجة من حوائج الدنيا: كشفاء مريض، أو مال، ...الخ.. فالمؤمن إذا وصل إلى مرحلة الأنس والدلال مع رب العالمين؛ فإنه يعيش حالة الارتياح في الوجود، وكلما وقع في ورطة، يدعو ربه!.. فإن جاءه الجواب فوراً، نعم المطلوب!.. وإن لم يأت الجواب، يعلم أن هنالك أحد أمرين:
1. التعويض في الآخرة.. إذا لم تجب دعوته، يعلم بأن هناك تعويضاً في الآخرة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن المؤمن ليدعو الله في حاجة، فيقول الله: أخروا حاجته؛ شوقاً إلى صوته وسماعه!.. فإذا كان يوم القيامة يقول الله: عبد!.. دعوتني في كذا وكذا، فأخرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا.. ودعوتني في كذا وكذا، فأخرت إجابتك، وثوابك كذا وكذا.. قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا، لما يرى من حسن الثواب).
2.ليس هنالك مصلحة له.. المؤمن عليهبالدعاء، ولا يستعجل الإجابة، فهو لا يعلم أين الصلاح:(ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي، لعلمك بعاقبة الأمور)!.. ولهذا المؤمن لا إصرار في دعائه، لأنه لا يعلم الخواتيم.. مثلاً: الشاب الذي يحب الزواج من فتاة، ويدعو الله تعالى وبإصرار؛ هل يعلم أنه ستنجب له ولداً صالحاً، أو هل ستنجب أصلاً؟.. أو هل تستمر عيشتها معه؟.. من أين يعلم المصلحة؟.. لذا، عليه أن يقول: يا رب، إن كان فيها الصلاح، يسر الأمر.. والذي يسأل الله -عز وجل- المال الوفير، من أين له العلم، أن هذا المال لا يكون وبالاً عليه؟.. فليسأل ولا يُعلّم رب العالمين ما هي المصلحة!..
الخلاصة:
إن القلب السليم هو ذلك القلب الذي يرد على الله -عز وجل- ليس خالياً من الملكات السيئة فحسب، وليس خالياً مما سوى الله فحسب؛ وإنما فيه ذلك الحب الإلهي، الذي إذا وُجد في قلب العبد تغير مجرى حياته!.. ومن مصاديق هذا الحب، الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث أنه كان في يوم عاشوراء، كلما اشتد عليه البلاء؛ أشرق لونه.. وكان يناجي ربه في ذلك اليوم قائلاً:
تركت الخلق طرًا في هواكا *** وأيتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب إربًا *** لما مال الفؤاد إلى سواكا
الإمام الحسين (عليه السلام) لا يقول ذلك في محراب العبادة، بل في ميدان القتال.. وهو يقاتل القوم، وإذا بالحب الإلهي مشتعل في قلبه!.
فلو قطعتني في الحب إربًا *** لما مال الفؤاد إلى سواكا
تعليق