كان حلم حياته أن يزف ابنه عريسا، أن يرى احفاده حوله يلعبون، وهذا الحلم بدأ يتحقق امام ناظريه، البيت مزدحم هذا اليوم، البعض يعد وليمة العشاء، والبعض الآخر يحتفي بابنه سعيد عريسا، وبين لحظة ولحظة تنطلق في اجواء البيت الزغاريد مهلهلة بالفرح.. جماعة العريس يعدون سيارات الزفاف لتحمل البهجة، وخاصة سيارة العريس التي زينوها بتشكيلات جذابة..
اسعد حياة الانسان حين يحتفي به الناس، ويحملون اليه التهنئة القلبية بهذه المناسبة السعيدة، سيشعر حينها بعظمة هذه الالفة: الأقرباء، والأصدقاء، والجيران.. يزرعون الفرحة في هذا البيت العامر بالحب.
نظر الى زوجته الحاجة أم سعيد ليقرأ في عينيها الالم والحرقة، وكأنها تقول له: انظر يا حاج حتى في قمة الفرح بالسعادة، هناك غصة الم تعتمر القلب، دمعة زوجته تسأله عن ولدها زين هل يعقل ان يتخلف عن فرح سعيد اخوه الأكبر وضنوته وحزام ظهره:ـ لماذا لم يأت يا حاج؟
الحاج وكأنه يريد ان يخبرها بما تشعر: زين هناك لا تخافي عليه، انه يحتفي بعرس اخيه سعيد على الساتر، هناك على سواتر العز يدافع عن العراق، لولاهم ما كان لنا فرح يا أم سعيد، وما كانت هذه الالفة وهذه الناس والزغاريد..
أيعقل يا أم سعيد في عرس ابني واحرم الشربت؟
انتبهت الحاجة وصاحت: اعطوه الشربت قبل ان يطلب اللبن، وضحك الناس وانطلقوا الى سياراتهم ليذهبوا الى بيت العروس، قرر الحاج ان يبقى في البيت وكل الخير في اعمام العريس وأخواله وناس محلته..
:ـ دعوني هنا استقبل الضيوف في غيابكم، وبعد برهة فرغ البيت لا احد سواه أحس بغصة غياب ولده زين، حتى صار زين بين عينيه، لقد اتصل به قبل يومين..
:ـ بابا عرس اخوك لابد أن تأتي..
:ـ لا اقدر يا ابي، فهنا هجوم متوقع وكلفت وحدتي بواجب الاستعداد.. ومع هذا ان شاء الله سأحضر..
:ـ هذا وعد يا بني؟
:ـ ان شاء الله يا ابي..
ذهب الى المطبخ ليبحث عن كأس شربت قد يرفع عنه لهيب الصدر المستعر باللهفة والحنين، غصة في القلب تركها غيابك يا ولدي.. هكذا صار الحاج يحدث نفسه، هكذا صار يتوسل الدمع ان لايفضحه في يوم عرس ابنه..
رنّ الموبايل..
:ـ اهلا ولدي زين، اين انت؟
برهة صمت
:ـ انا محمد يا حاج صديقه وآمر وحدته، مبارك عليك العرس يا حاج..
:ـ الله يبارك بك يا ولدي.. اين زين؟ متى سيأتي الناس هنا افتقدته، أجابه محمد وهو يبكي: نعم يا حاج هو سيأتي... بقى الصوت في حيرة صمته..
:ـ زين.. محمد اجبني لماذا سكت؟ لماذا تبكي يا ولدي؟ هل حدث شيء لابني زين؟ هل استشهد ابني.. محمد تكلم لا تسكت، سكوتك يقطع نياط القلب... محمد لا تسكت ارجوك طمأني..
:ـ البقاء في حياتك يا حاج، وابنك زين في الطريق محمولا اليك، يا الهي كيف سيلتقيه؟ كيف سيشيع الخبر الى المحتفلين بالعرس من الاهل والاقارب والاصدقاء؟ ماذا سيقول لأمه.. هل سيقول لها البقاء في حياتك يا حاجة في ابنك زين.. هل سيكسر فرحتها التي انتظرتها العمر كله، واذا بالحاجة امامه والزفة في اوج حماسها..
:ـ ها حاج خير؟ ما بك؟
سرعان ما اخفى الحاج دمعته وقال
:ـ ابشرك ابنك زين في الطريق.. اطلقت حينها الأم
زغرودة بحجم بلد..