أهميّة عنصر الإعلام في النهضة الحسينية
للإعلام مكانة مميّزة ودور كبير في حياة الناس، فقد يساهم في إسقاط ملوك وحكومات، وقد يهدّ أنظمة و يُشيّد أُخرى، وبإمكانه تغيير أنماط الحياة؛ بسبب تأثيره المباشر والفعّال في الناس، ودوره في ضبط مشاعرهم وآرائهم وتوجهاتهم؛ لذا، فالملاحظ في النهضات الفكرية والمبدئـية أنّ الإعلام يتقدّم على أولوياتها ويتصدر اهتماماتها، بل ويشكّل أخطر وأهم أسلحتها.
ولا تكون الثورات والحركات الاجتماعية والمبدئـية مثمرة، ولن يُكتب لها النجاح إلّا من خلال إيصال مضامينها ومبادئها إلى أكبر عدد ممكن من الناس، عبر اعتماد سلاح الإعلام، فهو كلمة السرّ في نجاح الثورات... وإذا نظرنا إلى تاريخ الثورات وحركات التحرر ورفض الاستعباد، فلن نجد حركة أو نهضة نالت من الشهرة والمجد والخلود مثلما نالته حركة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء، ومثلما حازت عليه من سعة وامتداد على صعيد الزمان والمكان ([4]).
والحقيقة المبدئـية والرسالية لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء، تجعل من الإعلام ضرورة حيوية لا يمكن إغفالها، فقد قرر الإمام (عليه السلام) تكثيف المجهود الإعلامي؛ لأجل توضيح الأُمور للأُمّة الإسلامية، والتركيز على نشر الحقائق بين المسلمين، فاختار المكان والزمان بدقة وحنكة لبثّ رسالته الإعلامية، فسافر إلى مكّة المكرّمة حيث اجتماع المسلمين وقدومهم من كلّ صوب لأداء مراسم الحج والعمرة، ووصل إليها في غرّة شعبان، فمكث (عليه السلام) في مكّة مدّة أربعة أشهر تقريباً، يدعو ويُعلن ويُبلّغ إلى أن اختار الوقت الأنسب لبدء نهضته والتحرّك نحو الكوفة، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة عام (61هـ).
يقول الشهيد المطهري: «إنّ لخروج الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم التروية (8 ذي الحجة)، أكبر صدى إعلامي وأكثر تأثيراً وإبلاغاً لنداء الإسلام، وأشدّ وقعاً في نفوس المسلمين؛ لأنّ مفهوم الحج تحت نير الحكومة الأُموية يفقد روحه ومصداقيته، ويعود ليصبح كحج الجاهليّة الأُولى ما قبل الإسلام» ([5]).
الأبعاد الإعلامية لحمل الحسين (عليه السلام) عائلته وأهل بيته إلى العراق
لقد كان لحمل الحسين (عليه السلام) عياله وأهل بيته معه في نهضته ضدّ الظلم والطغيان الأُموي ـ بالرغم من المعارضات التي أبداها بعض، ومراجعة بعض شيوخ الهاشميين له بأن يرجع عن قراره هذا ـ دلالات وأبعاد إعلامية كثيرة نستشفّها من خلال ردّه (عليه السلام) وردّ أُخته العقيلة زينب (سلام الله عليها) على بعض هذه الاعتراضات.
أهم الدلائل الإعلامية لحضور العائلة في نهضة الحسين (عليه السلام)
يمكن أن نستظهر عدّة أُمور من حضور عائلة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، نستعرضها فيما يلي:
1- الدفاع عن الدين
إنّ نزوح عائلة الحسين (عليه السلام) كان بحد ذاته إعلاماً بخطورة الموقف، وإيذاناً للأُمّة بأنّ المرحلة هي مرحلة دفاع عن بيضة الإسلام وحرمة الدين، وهي مرحلة يشترك فيها النساء والرجال والشيوخ والشباب، حتى الأطفال الصغار، وكفى بهذا إعلاماً بعظم المسؤولية، وتنبيهاً على خطورة الموقف، وتحريكاً لـمَن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ وأيُّ دلالةٍ أبلغ من استنفار النساء والأطفال للذود عن مبادئ الدين.
2- المشيئة والإرادة الإلهية
حينما سأل محمد بن الحنفية الإمام الحسين (عليه السلام) عن السبب وراء حمل النساء والعيال معه إلى العراق، أجابه الإمام قائلاً: لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، وقال لي: «إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا» ([6]).
وفي كلام الإمام الحسين (عليه السلام) دلالة واضحة وإشارة بارزة على أنّ اصطحابه لأهل بيته وحُرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) معه أمر إلهي، وتكليفٌ دينيٌ لا نقاشَ فيه، ومسألة حتميّة لا مناص منها، وأنّه من إرادة الله تعالى ومشيئته أن يكون للنساء بقيادة العقيلة زينب (سلام الله عليها) دورٌ وشأنٌ عظيمٌ في الدين والرسالة.
3- موقف زينب (سلام الله عليها) من حمل النساء والعيال
لقد كلّمت العقيلة زينب (سلام الله عليها) عبد الله بن عباس، عندما راجع الإمام الحسين (عليه السلام) في مسألة حمل العيال معه في سفره الخطير هذا، حيث ذكر الشيخ النقدي أنّ السيدة زينب (سلام الله عليها) عندما سمعت نصيحة عبد الله بن عباس للإمام الحسين (عليه السلام) ـ بأن لا يأخذ النساء والعيال معه إلى العراق ـ اعترضت عليه باكية، وقالت: «يا بن عباس، تُشير على شيخنا وسيدنا أن يخلّفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيى معه، ونموت معه، وهل أبقى لنا الزمان غيره؟!» ([7]).
إنّ ردّ العقيلة هذا فيه إشارة واضحة إلى الاستنفار التام، والتسليم الكامل لأمر الله تعالى، وفيه دلالة واضحة على أنّ شأن النساء ودورهنّ في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) لا يقلّ أهميّة وخطورة عن دور الرجال؛ وذلك أنّهن اُنتدِبْنَ للجهاد، وللذود عن حياض الدين بالكلمة والموقف والإعلام الهادف الجريء، فلقد قرّرنَ الجهاد مع إمام الأُمّة وسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذود عن مبادئ الدين الحنيف، مهما كانت التضحية، ومهما كان الثمن، ولا يثنيهن عن عزمهن هذا بُعد طريق ولا شقّة سفر.
الكاتبة: نُهى القطراني
مجلة الإصلاح الحسيني – العدد الثالث عشر- جزء من المقالة
تعليق