نحن عندما نزور الأئمة (عليهم السلام) بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام) على أساس أنها جامعة لكل الفضائل والمقامات للأئمة (عليهم السلام) لا نزور بها فاطمة (عليها السلام)؛ لأن لها زيارة مخصوصة حيث تقول هذه الزيارة: (يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة...).
زيارة المعصومين تبدأ عادة بالسلام كأن يقال: (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله...)، أو (السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده) هذا التكرار يساعد على تحقيق مستوى من الاستقرار النفسي لدى الزائر أما في زيارة الزهراء (صلوات الله عليها) فإن النفس لا تكون مستقرة! بل تشعر بهزات من الأعماق؛ لأن أول ما يأتي به الزائر في خطابه فوراً ومن دون أية مقدّمات: (يا ممتَحنَة) فيزلزله الخطاب، ويوقد فيه نار الاضطراب! فيشعر فيه بعظمة الامتحان الذي تعرّضت له الزهراء (عليها السلام)، والمعروف أن الإنسان يتعرض للامتحان لمعرفة مدى استعداداته وقابلياته، أو لزيادة في منزلته وكرامته، وهذا ما جرى مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) حيث امتحنها الله تعالى؛ لكي تكون حاملة لشيء عظيم اقتضت إرادة السماء أن تحمله وذلك بعد نجاحها في الامتحان.
ولن تترك تتمة العبارة الأولى للزائر مجالاً للهدوء بعد تفسيره الذهني لكلمة (ممتَحَنة)، فبمجرد أن يواصل الخطاب سيتلاشى عنده هذا التفسير ويراه أصغر من أن يقتنع به وذلك عندما يقرأ: (امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك) حيث يبين له النص بأن الله تعالى وجد الزهراء صابرة لما امتحنها به قبل أن يخلقها لإظهار مقامها حيث استحقت لقب الصابرة.
والصبر مقام سامٍ، وهذا نراه من خلال القرآن الكريم حيث أثبت الله تعالى الثواب لكثير من الفضائل الموجودة في القرآن، أما الصبر والصابر فإن أجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله تعالى: (إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) سورة الزمر آية 10، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف ولا يكاد الزائر يضرب صفحاً عن هذه التساؤلات حتى تصعقه عبارة: (وزعمنا أنّا لك أولياء...)!.
فيأتي التساؤل: ما معنى هذا؟ هل أن موالاتنا للزهراء (صلوات الله عليها) مجرد زعم؟!؛ لأن الزعم - لغة - هو الادعاء المحتاج إلى دليل للإثبات، فالأصل فيه الكذب إلا أن يثبت الصدق بدليل، إذا عرفنا ذلك أدركنا مدى خطورة الأمر، فالحقيقة هي أننا نزعم أننا موالون للزهراء (عليها السلام) ولكن إثبات أننا مخلصون في موالاتنا يبدو صعباً على نفوس ملوثة بالذنوب مثل نفوسنا!.
وهذا ما عبّرت عنه الزهراء (عليها السلام)، فقد رُوي أن رجلاً أرسل امرأته إلى فاطمة (عليها السلام) وقال لها: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسأليها عني أني من شيعتكم أم ليس من شيعتكم؟ فسألتها فقالت: قولي له: (إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا، وإلا فلا).
ولهذا نتوجه لها بالزيارة والتي فيها من الأسرار كثير؛ لتشملنا بشفاعتها؛لأنها تحرّك كوامن الضمير وتستثير المشاعر وتدفعنا نحو محاسبة النفس أكثر، كما ويعطينا نص الزيارة بارقة أمل في عبارة: (وزعمنا أنّا لك أولياء، ومصدقون وصابرون، لكل ما أتانا به أبوك -صلى الله عليه وآله-، وأتانا به وصيه -عليه السلام-، فإنا نسألكِ إن كنا صدقناكِ إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشَّر أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ)،
سبحان الله! تكون الزهراء (عليها السلام) هي المسؤولة عن إلحاقنا بأبيها وبعلها (عليهما الصلاة والسلام)، ويكون كل ذلك مقيّداً ومشروطاً بتصديقها هي فما أروع هذا المقام الفاطمي الشامخ!.
وفي آخر مقطع من الزيارة يسرح خيال الزائر في فضاء رحب وهو يردد: (لنبشّرَ أنفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتكِ)، فما سرّ هذا التطهير الإكسيري النابع عن ولاية فاطمة (عليها السلام)، هل تطهير طريقي أم موضوعي؟ هل هو تطهير تكويني؟ أو تطهير شرعي حكمي؟ أم هذه كلها مجتمعة؟ أم هو تطهير من جنس خاص يغيب عن محتوى معرفتنا القاصرة؟.
وبعد فهذا بعض ما امتازت به فاطمة الزهراء (عليها السلام) من خصائص وليست كلها؛ لأن الحديث عنها (عليها السلام) له بداية وليس له نهاية، وكيف ينتهي الحديث عمن وصفها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى بقوله: (لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة بل هي أعظم فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً).
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة - جزء من مقال
تعليق