بسم الله الرحمن الرحيم
إعلم ; أن من الكنى الخاصة المأثورة لآية الله العظمى ، والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها : « أم أبيها » .
ففي مقاتل الطالبين عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « إن فاطمة تكنى بأم أبيها » . وفي كشف الغمة « إن النبي كان يحبها ويكنيها بأم أبيها » .
وفي هذا اللفظ أمران : أحدهما : حب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) ، والآخر تسميتها بأم أبيها حبا لها .
وصاحب الطبع اللطيف والذوق المنيف إذا أمعن النظر في العبارة علم أن إطلاق هذه الكنية على المخدرة الكبرى بعد قوله « يحبها » فيه دلالة واضحة على شدة الحب وكثرة الود . وقد اختلف العلماء في معنى هذه الكنية العظيمة ، وذهبوا فيها إلى مذهب تشعبت فيها آراء الفضلاء الصائبة ، وتفرقت أنظار العلماء المستطابة ، وكنت مطالبا منذ أمد بالحديث عنها وتوثيق ورودها في الأخبار المسندة لذا قدمت ذكر السند كما ذكره المجلسي ( رحمه الله ) وزيادة ، وها أنا ذا مجد مجتهد في بيان معناها وتوضيحها للأفهام ورفع ما حصل من الإبهام في فهمها مستمدا المدد الوافي من البواطن الشريفة لتلك العصمة الكبرى فأقول : أولا : كيف تكون فاطمة أم أبيها ؟ ومن الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي ، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض ؟ ثانيا : « أم » لغة بمعنى القصد ، كما في « اللهم » ، قال تعالى : ( ولا آمين البيت الحرام ) ويقال « أم فلان فلانا » أي قصده ، وبالفارسية « أم » بضم الهمزة أصل كل شئ وجمعه امات وأصل « أم » « أمهة » وجمعه « أمهات » ، وتستعمل غالبا « أمهات » للإنسان و « أمات » للبهائم ، وتصغيرها : « أميمة » وهو اسم امرأة ، وقد تضاف التاء إلى « الأب » أو « أم » بدلا عن الياء ، فيقال « يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي » . وقولهم « لا أم لك » ذم ودعاء ، وإمام مشتقة من نفس المادة ، وهو من قصده الخلق وتقدمهم ; وفي التفسير ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) قال : هو الكتاب وفي قوله ( وإنهما لبإمام مبين ) قال : هو الطريق . والأمام بالفتح هو القدام . والغالب استعمالها بمعنى « الأصل » يقال : « أم الجيش » وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش وهي ملاذ الجيش وملجأ . قال قيس بن الحطيم : عصبنا أمنا حتى ابذعروا * وصار القوم بعد ألفتهم شلالا و « أم الكتاب » مر معناه ، و « أم الطريق » : الطريق الأعظم ، و « أم الدماغ » - كما في مجمع البيان - المقدم من كل شئ ، والجامع منه يقال له « أم الرأس » ، وقيل « أم الدماغ » لأنه مجمع الحواس والمشاعر ، ويقال للأرض « أم » لأنها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود ، قال تعالى جل شأنه : ( ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ) . وقال أمية بن الصلت : فالأرض معقلنا وكانت أمنا * فيها مقابرنا وفيها نولد وكذا « أم القرى » لانتشار القرى والمدن منها ، ويقال لرئيس القوم « أم القوم » ، ويقال للماهية « أم الوجود » لأنها مظهر الوجود ، ويقال للعناصر الأربعة « الأمهات » لتوليد المواليد الثلاثة ، وقال الإمام المعصوم للخمر « أم الخبائث » لأنها سبب لكل الذنوب الأخرى ، ونظائره كثير . وكذا يقال للمجرة « أم النجوم » ولإمام الجماعة « أم القوم » . ثالثا : تبين مما مر أن « الأم » بمعنى « القصد » . ورأيت في البحث أن الأم تعني أيضا الثمرة ، لأنها القصد والمقصود من الشجرة . الوجوه المذكورة في معنى « أم أبيها » وبناء على ما مر تلوح لنا عدة وجوه في معنى « أم أبيها » : الوجه الأول إن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثمرة شجرة النبوة وحاصل عمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصدف درر العصمة ولئاليها ، وقد استقرت بها السماوات العلوية والأرضون السفلية . وبعبارة أخرى : إن الولد هو المقصود للأب والأم ، وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) خاصة هي المقصود الأصلي والأصل الكلي من بين بنات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمعنى « أم أبيها » أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي الولد الذي كان يقصده ويريده النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويريد نتائجها الكريمة وفوائدها العظيمة المترتبة عليها من جهة البنوة ، ومن فضائلها النفسانية المطلوبة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وعليه يكون معنى « أم » أي القصد والأصل والمقصود والمراد . وهذا المعنى ينسجم مع مذهب اللغويين ، بل والمحدثين أيضا . وإذا أردنا تطبيق الكنية على الاستعمالات التي ذكرناها آنفا لكلمة الأم ، نراها صحيحة منسجمة بأجمعها . فيصح أن نسمي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : أم النجوم بلحاظ أبنائها . ويصح أن نسميها « أم القرى » بلحاظ الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) . ويصح أن نسميها « أم الرأس » بلحاظ التقدم وتناسل ذريتها الطيبة . وأم الجيش لأنها ملجأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمته ، وانكسارها يعني الانكسار الفاحش للإسلام والمسلمين . وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « فاطمة روحي ومهجة قلبي ، وفاطمة مني وأنا من فاطمة » ، فهي أصل وجود النبي ( صلى الله عليه وآله) ، وحقيقته ، ومجمع الأنوار ومنبع الأسرار للرسالة ، وكأن النبي فاطمة وفاطمة هي النبي ، واتحاد نورهما ظاهر وبديهي . وعلى أي حال ، فإن ما ذكر كان جملة من الشواهد على إثبات مرادي ، لتعلم أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت مقصود النبي وثمرة فؤاده ورايته العظمى وظل الرحمة الوارفة وأصل وجود صاحب المقام المحمود ، وقد مدحها الله وذريتها .
إعلم ; أن من الكنى الخاصة المأثورة لآية الله العظمى ، والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها : « أم أبيها » .
ففي مقاتل الطالبين عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « إن فاطمة تكنى بأم أبيها » . وفي كشف الغمة « إن النبي كان يحبها ويكنيها بأم أبيها » .
وفي هذا اللفظ أمران : أحدهما : حب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) ، والآخر تسميتها بأم أبيها حبا لها .
وصاحب الطبع اللطيف والذوق المنيف إذا أمعن النظر في العبارة علم أن إطلاق هذه الكنية على المخدرة الكبرى بعد قوله « يحبها » فيه دلالة واضحة على شدة الحب وكثرة الود . وقد اختلف العلماء في معنى هذه الكنية العظيمة ، وذهبوا فيها إلى مذهب تشعبت فيها آراء الفضلاء الصائبة ، وتفرقت أنظار العلماء المستطابة ، وكنت مطالبا منذ أمد بالحديث عنها وتوثيق ورودها في الأخبار المسندة لذا قدمت ذكر السند كما ذكره المجلسي ( رحمه الله ) وزيادة ، وها أنا ذا مجد مجتهد في بيان معناها وتوضيحها للأفهام ورفع ما حصل من الإبهام في فهمها مستمدا المدد الوافي من البواطن الشريفة لتلك العصمة الكبرى فأقول : أولا : كيف تكون فاطمة أم أبيها ؟ ومن الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي ، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض ؟ ثانيا : « أم » لغة بمعنى القصد ، كما في « اللهم » ، قال تعالى : ( ولا آمين البيت الحرام ) ويقال « أم فلان فلانا » أي قصده ، وبالفارسية « أم » بضم الهمزة أصل كل شئ وجمعه امات وأصل « أم » « أمهة » وجمعه « أمهات » ، وتستعمل غالبا « أمهات » للإنسان و « أمات » للبهائم ، وتصغيرها : « أميمة » وهو اسم امرأة ، وقد تضاف التاء إلى « الأب » أو « أم » بدلا عن الياء ، فيقال « يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي » . وقولهم « لا أم لك » ذم ودعاء ، وإمام مشتقة من نفس المادة ، وهو من قصده الخلق وتقدمهم ; وفي التفسير ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) قال : هو الكتاب وفي قوله ( وإنهما لبإمام مبين ) قال : هو الطريق . والأمام بالفتح هو القدام . والغالب استعمالها بمعنى « الأصل » يقال : « أم الجيش » وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش وهي ملاذ الجيش وملجأ . قال قيس بن الحطيم : عصبنا أمنا حتى ابذعروا * وصار القوم بعد ألفتهم شلالا و « أم الكتاب » مر معناه ، و « أم الطريق » : الطريق الأعظم ، و « أم الدماغ » - كما في مجمع البيان - المقدم من كل شئ ، والجامع منه يقال له « أم الرأس » ، وقيل « أم الدماغ » لأنه مجمع الحواس والمشاعر ، ويقال للأرض « أم » لأنها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود ، قال تعالى جل شأنه : ( ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ) . وقال أمية بن الصلت : فالأرض معقلنا وكانت أمنا * فيها مقابرنا وفيها نولد وكذا « أم القرى » لانتشار القرى والمدن منها ، ويقال لرئيس القوم « أم القوم » ، ويقال للماهية « أم الوجود » لأنها مظهر الوجود ، ويقال للعناصر الأربعة « الأمهات » لتوليد المواليد الثلاثة ، وقال الإمام المعصوم للخمر « أم الخبائث » لأنها سبب لكل الذنوب الأخرى ، ونظائره كثير . وكذا يقال للمجرة « أم النجوم » ولإمام الجماعة « أم القوم » . ثالثا : تبين مما مر أن « الأم » بمعنى « القصد » . ورأيت في البحث أن الأم تعني أيضا الثمرة ، لأنها القصد والمقصود من الشجرة . الوجوه المذكورة في معنى « أم أبيها » وبناء على ما مر تلوح لنا عدة وجوه في معنى « أم أبيها » : الوجه الأول إن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثمرة شجرة النبوة وحاصل عمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصدف درر العصمة ولئاليها ، وقد استقرت بها السماوات العلوية والأرضون السفلية . وبعبارة أخرى : إن الولد هو المقصود للأب والأم ، وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) خاصة هي المقصود الأصلي والأصل الكلي من بين بنات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمعنى « أم أبيها » أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي الولد الذي كان يقصده ويريده النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويريد نتائجها الكريمة وفوائدها العظيمة المترتبة عليها من جهة البنوة ، ومن فضائلها النفسانية المطلوبة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) . وعليه يكون معنى « أم » أي القصد والأصل والمقصود والمراد . وهذا المعنى ينسجم مع مذهب اللغويين ، بل والمحدثين أيضا . وإذا أردنا تطبيق الكنية على الاستعمالات التي ذكرناها آنفا لكلمة الأم ، نراها صحيحة منسجمة بأجمعها . فيصح أن نسمي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : أم النجوم بلحاظ أبنائها . ويصح أن نسميها « أم القرى » بلحاظ الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) . ويصح أن نسميها « أم الرأس » بلحاظ التقدم وتناسل ذريتها الطيبة . وأم الجيش لأنها ملجأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمته ، وانكسارها يعني الانكسار الفاحش للإسلام والمسلمين . وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « فاطمة روحي ومهجة قلبي ، وفاطمة مني وأنا من فاطمة » ، فهي أصل وجود النبي ( صلى الله عليه وآله) ، وحقيقته ، ومجمع الأنوار ومنبع الأسرار للرسالة ، وكأن النبي فاطمة وفاطمة هي النبي ، واتحاد نورهما ظاهر وبديهي . وعلى أي حال ، فإن ما ذكر كان جملة من الشواهد على إثبات مرادي ، لتعلم أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت مقصود النبي وثمرة فؤاده ورايته العظمى وظل الرحمة الوارفة وأصل وجود صاحب المقام المحمود ، وقد مدحها الله وذريتها .