بسم الله وله الحمد مبدأ كل خير ونعمة تبارك وتعالى اكرم الاكرمين، وصلى الله على ينابيع رحمته الكبرى للعالمين المصطفى الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وقفة عند احد مقاطع دعاءالحجب او الاحتجاب، الذي اهتم عرفاء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بالتوجه به الى الله عزوجل لعظيم اثره في توثيق العلاقة بالله عزوجل
في هذا المقطع يعلمنا حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) الثناء على ربنا الكريم جل جلاله بذكر اوضح نعمه على العباد واهمها فنقول:
(يا من زين السماء بالنجوم الطالعة، وجعلها هادية لخلقه، يا من أنار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من انار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه، ... يا اكرم الاكرمين).
ايها الاطائب، انتهى بنا الحديث الى الفقرة الاخيرة من هذا المقطع وهي قول الدعاء: (يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه). وهي كما هو واضحٌ تهدف الى اثارة روح الحمد والشكر لله عزوجل على نعمائه المتواترة في قلب الداعي؛ وهذا هو الهدف المحوري للمقطع الكامل برمته؛ فما هو السر في ذلك؟
في الاجابة عن هذا السؤال نقول: ان تحقق هذا الهدف هو احد اركان استجابة الدعاء لان الشكر لله يستتبع زيادة نعمه على الشاكر كما صرحت بذلك الايات الكريمة والاحاديث الشريفة.
واستجابة الدعاء هو من مصاديق زيادة النعمة، هذا من جهة ومن جهة ثانية فان استذكار النعم الالهية من شانه ان يعزز في قلب الداعي الشعور الفطري لدى الداعي بسعة الرحمة الالهية، وهذا الامر يحقق احد الشروط الاساسية لاستجابة الدعاء طبق ما ذكرته النصوص الشريفة وهو شرط اليقين باستجابة الدعاء حتى ان الاحاديث الشريفة تامر الداعي بان يدعو الله بحالة من ايقن ان حاجته بالباب، ومعلومٌ ان دعاء من ايقن الداعي بسعة رحمته وكثرة نعمه وجميل لطفه من اهم العوامل التي توجد هذه الحالة المطلوبة.
نعود احباءنا الى قول الداعي في الثناء على الله تبارك وتعالى: (يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه)؛ فنلاحظ اولاً استخدام الدعاء لتعبير (استوجب الشكر)، وهو تعبير قوي الدلالة على أن شكر الله امرٌ واجب على الانسان، الامر الذي يحثه بقوة للمبادرة القلبية لشكر الله وبالتالي استحصال بركات الشكر في زيادة النعم واستجابة الدعاء، وهذا امر مفهوم لان الانسان بطبيعته يندفع للامر الذي يشعر بانه واجبٌ عليه.
ثم يبين الدعاء علة وجوب الشكر لله عزوجل بعبارة: (بنشر سحائب نعمه). أي لانه نشر على ذلك النطاق الواسع سحائب نعمه على الخلق؛ وهذا التعبير مقتبس من الآيات القرآنية، اذ نجد فيها كثيراً من التنبيهات لكثرة بركات المطر لان نزوله هو منشأ للكثير من البركات والنعم، كتوفير الطعام والشراب وطيب الهواء وازالة الامراض وغير ذلك من النعم الكثيرة.
ولعل هذا هو سر اختيار مظهر (السحاب) للاشارة الى نشر النعم الالهية التي لا تحصى للخلق. ولكن هل ينحصر مصداق هذه النعم بسحائب المطر المادي المعروف، الاجابة تاتيكم بعد قليل فتابعونا مشكورين.
اعزاءنا المستمعين، في حلقات سابقة عرفنا ان النصوص الشريفة صريحة في التاكيد على ان للنعم المذكورة في هذا المقطع كالنجوم والكواكب والقمر والشمس مصاديق مادية هي الاجرام السماوية المعروفة، ومصاديق معنوية تتمثل في اولياء الله المعصومين محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين)، فمثلما ان وجود الكواكب المادية شرط اساسي للاهتداء المادي وحفظ النظام الكوني وتوفير معائش الناس المادية، كذلك الحال مع وجود الكواكب المعنوية (عليهم السلام) شرط اساسي للاهتداء المعنوي وحفظ النظام الكوني والحياة المعنوية الحقيقية.
وهذه القاعدة تنطبق ايضاً على (سحائب النعم الالهية)، فلها مصاديق مادية تتمثل بالمطرو البركات الناشئة منه، كما ان لها مصاديق معنوية تتمثل في سحائب الفيض والعطاء المعنوي الذي يتفضل به الله تبارك وتعالى على خلقه، كالعلوم النافعة وسيدها ما في كتابه المجيد القرآن الكريم، وكذلك انواع الالهامات المعرفية التي يسدد بها عباده في المواقف الصعبة، وكذلك انواع الاخلاق الطيبة التي يوفق لها عباده، وكذلك جميع التوفيقات التي يتفضل بها على عباده لبلوغ الحياة الطيبة والكمالات المقدرة لهم، وسائر النعم المعنوية الاخرى.
ايها الاخوات والاخوة، وقد صرحت بالحقيقة المتقدمة العديد من النصوص الشريفه منها ما يصف النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بانه الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي،
من برنامج (ينابيع الرحمة) بتصرف يسير
تعليق