تويت
يرى المتتبع للأدب العربي أن الشعر من اكثر ألوانه إنشاراً وأبرزها تأثيراً لما تميز به من أسلوب وإيقاعية
تميل لها الذائقة وتألفها النفس ، فالشعرُ كلامٌ لكنّه مُسور بنظام ومُحدد بقوانين ، وهذه النظم والقوانين
هي التي تميزه عن الكلام العادي .
والشعر فنٌ قديمٌ من الفنون الأدبية عند العرب ، أثرى الساحة الادبية وقدم العديد من الاسماء التي
صنعت تاريخاً وعمقاً حضارياً كبيراً .
ولسنا _ هنا _ بصدد الحديث عن تاريخ الشعر العربي وإنما بصدد الحديث عن أنواعه التي اشتُهر بها
وعرف من خلالها .
النوع الاول /
الشّعرُ العموديّ
* يعتبر الشعر العمودي هو الشعر الأصيل الذي جاء به الشعراء منذ بداية ظهور الشعر
وتنتمي إليه جميع أنواع الشعر العربي الحديث التي اشتقت منه .
* يتميز بأنه يلتزم بقافيةٍ معينةٍ في أبياته، كما تتكون القصيدة الواحدة من عدة أبيات
وكل بيت يتكون من شطرين، الشطر الأول يسمى “صدر”، والشطر الثاني يُسمى “عجز”.
* يتبع الشعر العمودي لمجموعةٍ من القواعد والأحكام وضعها “الخليل بن أحمد الفراهيدي”،
وهذه القواعد والأحكام تسمى “علم العروض” الذي يتعلق ببحور الشعر وتقطيعه واوزانه وقافيته.
* يمتاز بأن ألفاظه جزلة، وأصيلة، وممتع جداً للسمع، كما يمتاز بأن إيقاعه جميل جداً
ويثري الخيال بالصور الشعرية الجميلة.
* يلتزم بعدة أحكام وهي: الوزن ، والقافية ، والمعنى الواضح ، والألفاظ
التي تعتمد على اللغة العربية الفصحى.
وشعراء هذا اللون كثيرون جداً كأمثال امرئ القيس وزهير والفرزدق والكميت والمتنبي الى شعراء
شعراء العصر الحديث أمثال حافظ ابراهيم وعبد المحسن الكاظمي وغيرهم .
وإليكَ نموذجاً من الشعر العمودي وهي قصيدة الفرزدق في مدح الامام زين العابدين (عليه السلام)
وفيها يقول :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها: *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته *** فما يكلم الاّ حين يبتسم
من جده دان فضل الأنبياء له *** وفضل أمته دانت له الأمم
ينشق نور الهدى عن نور غرته *** كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم
مشتقة من رسول الله نبعته *** طابت عناصره والخيم والشيم
هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله *** بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله شرفه قدماً وفضله *** جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك: من هذا؟ بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستوكفان ولا يعروهما العدم.
النوع الثاني /
الشّعرُ الحرُّ
* انتشر هذا النوع من الشعر في العصر الحديث، وقد برع فيه الكثير من الشعراء العظماء أمثال
بدر شاكر السياب، ومحمود درويش، وأحمد مطر، وأمل دنقل، ونزار قباني، وغيرهم.
* يستخدم أسلوب تعبيري حر عن قضايا مختلفة في العصر، كما يرد فيه العديد من الآمال والطموحات.
* ظهر هذا النوع من الشعر كردٍ على المدرسة الرومانسية.
* يمتاز بعدة ميزات منها أن الوزن فيه يملك تفعيلةً لكنه لا يلتزم بتفعيلةٍ واحدةٍ، حيث يكون في قصيدة
الشعر الحر عدد لا محدد من التفعيلات.
* يمكن تدويره بحيث يكون جزء معين من التفعيلة في آخر البيت، وياتي جزء جديد في بداية البيت التالي.
* يعتبر شعر متعدد القوافي وليس له قافية واحدة فقط.
* يسمى أيضاً بالشعر النثري.
* يعتمد كثيراً على الرمزية، حيث يكتنف الشعر الحر الكثير من الغموض في معظم الأحيان
بعكس الشعر العمودي الذي يكون له فكرة محددة على الأغلب مما قد يجعل القارئ في حيرةٍ كبيرةٍ
لا يعرف المغزى من القصيدة، أو ماذا يريد الشاعر.
ومن نماذج الشعر الحر إخترنا لكم قصيدة السياب ( سفر أيوب ) :
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
*****
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها
*****
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء