فِي زيارة قبور المؤمنين (رضي الله عنهم أجمعين)
روى الثقة الجليل الشيخ جعفر بن قولويه القمي عن عمرو بن عثمان الرازي قال: سَمِعتُ أبا الحسن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) يَقول: مَنْ لَمْ يَقدر أن يَزُورُنا فَليَزُر صالحي موالينا، يُكتَبْ لَهُ ثَواب زيارتُنا، وَمَنْ لَمْ يَقدر عَلَى صِلَتُنا فَلِيَصل صالحي موالينا يُكتَب لَهُ ثَواب صِلَتُنا.عَنْ الإمام الرِضا (عليهِ السلام) قال: مَن أتى قبرَ أخيه المؤمن ثُمَّ وَضَعَ يَدهُ عَلَى القبر [وَاستقبلَ القبلة] وَقَرأ (سورة القدر 7 مرات) أمِنَ يوم الفَزع الأكبر.
وَروي فِي كِتاب كامل الزيارة بِسَند مُعتبر عَنْ عَبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سألتُ الإمام الصادق (عليهِ السلام) كيف أضع يدي عَلَى قبور المُسلمين؟
فَأشار بيدهِ إلى الأرض فَوَضعها عليها وَهو مُستقبل القبلة.
وَروي بِسَند صحيح عَنْ عبدالله بن سنان قال: قُلتْ لِلإمام الصادق (عليه السلام) كيفَ أُسلم عَلَى أهل القبور؟
قالَ: نَعم، تَقول: السَّلامُ عَلَى أهْلِ الدِّيار مِنَ المُؤمنين وَالمُسلمين أنتم لَنا فرط وَنَحنُ إن شاء الله بِكُمْ لاحقون.
وَعَنْ الإمام الحُسين (عليهِ السلام) قال: مَنْ دَخَلَ المَقابر فَقال: اللّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الأرَواحِ الفانيةِ وَالأجْسادِ البالِيَةِ وَالعِظامِ النَّخِرةِ التي خَرَجَتْ مِنَ الدُّنيا وَهِيَ بِكَ مُؤمِنَةٌ، أدُخِلْ عَلَيْهِمْ رَوحاً مِنْكَ وَسَلاماً مِنّي.
كَتَبَ اللهُ لَهُ بِعَدد الخلق مِنْ لَدُن آدم إلى أن تَقوم السّاعة حَسنات.
وَعَنْ الإمامُ عَلِيّ (عليه السلام) قال: مَنَ دَخَلَ المَقابِر فَقال: بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، السَّلامُ عَلَى أهْلِ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، مِنْ أهْلِ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، يا أهْلَ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، بِحَقِّ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، كَيْفَ وَجَدْتُمْ قَوْلَ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، مِنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، يا لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، بِحَقِّ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، اغْفِرْ لِمَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَةِ مَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ عَلِيٌّ وَليُّ اللهِ.
أعطاهُ الله سُبحانهُ وَتعالى ثَواب خَمسين سَنة، وَكَفَّرَ عَنْهُ وَعَنْ أبويه سيئات خَمسين سنة.
وَفِي رواية أُخرى، إن أحسن ما يُقال فِي المَقابر إذا مَررتَ عليها أن تَقف وَتَقول: اللّهُمَّ وَلِّهِمْ ما تَوَلَّوْا وَاحْشُرْهُمْ مَعَ مَنْ أحَبُّوا.
وَقالَ السّيِّد ابن طاووس فِي مُصباح الزّائِر: إذا أردتَ زيارة المُؤمنين فَينبغي أن يَكون يَوم الخَميس وَإلاَّ فَفِي أيّ وَقت شِئتْ، وَصِفَتُها:
أن تَستَقبل القبلة، وَتَضع يَدُكَ عَلَى القَبر وَتَقول: اللّهُمَّ أرْحَمْ غُرْبَتَهُ، وَصِلْ وَحْدَتَهُ، وَآننِسْ وَحْشَتَهُ، وَآمِنْ رَوْعَتَهُ، وَأسْكِنْ إلَيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ رَحْمَةً يَسْتَغْني بِها عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوالكَ، وَألْحِقْهُ بِمَنْ كانَ يَتَوَلاّهُ.
ثُمَّ اقرأ (سورة القدر 7 مرات).
وَروي فِي صفة زيارتهم وثوابها حديث آخر عَنْ فَضيل قال: من قرأ (سورة القدر 7 مرات، وَسورة الحمد 3 مرات، وَالمعوذتين 3 مرات، وَسورة الإخلاص 3 مرات، وَآية الكرسي 3 مرات) عِندَ قبر مؤمن، بَعثَ الله إليهِ مَلَكاً يَعبد الله عِندَ قبرهِ، وَيكتب لِلمَيت ثواب ما يَعمل ذلك الملك، فَإذا بَعثهُ الله مِنْ قبره لَمْ يَمر عَلَى هول إلاّ صَرفهُ الله عَنهُ بِذَلِكَ المَلك حتّى يُدخله الجَنَّة.
وَروي أيضاً فِي صفة زيارتهم رواية أخرى، عَنْ محمد بن مُسلم قال: قُلتُ لِلإمام الصادق (عَلَيهِ السلام) نَزور المَوتى؟
قال: نَعم.
قُلتُ: فَيعلمون بِنا إذا أتيناهم؟
قَالَ: أي وَالله لَيعلمون بِكُمْ وَيَفرحون بِكُمْ وَليستأنسونَ إليكم.
قالَ: قُلت: فَأي شيء نَقول إذا أتيناهم؟
قالَ (عليهِ السلام): قُلْ: اللّهُمَّ جافِ الأرضَ عَنْ جُنُوبِهِمْ، وَصاعِدْ إلَيْكَ أرْواحَهُمْ، وَلَقِّهِمْ مِنْكَ رِضْوَانَاً، وَأسْكِنْ إلَيْهِمْ مِنْ رَحْمَتِكَ ما تَصِلُ بِهِ وَحْدَتَهُمْ وَتُونِسُ بِهِ وَحْشَتَهُمْ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيء قَديرٌ.
ثُمَّ قال السّيِّد ابن طاووس: فَإذا كُنتَ بينَ القبور فَاقرأ (سورة الإخلاص 11 مرة) وَأهدِ ذَلِكَ لَهُم، فَقد رُوي ان الله يُثيبه عَلَى عَدد الأموات.
وَرُوي فِي كامل الزِّيارة عَن الإمام الصّادق (عليه السلام) قال: إذا زُرتُمْ موتاكُمْ قَبل طلوع الشّمس سَمِعوا وَأجابوكم، وَإذا زُرتُموهم بَعدَ طلوع الشَّمس سَمِعوا وَلَمْ يُجيبوكم.
وَقد رُوي فِي كِتاب الدَّعوات للرّاوندي حَديث عَنْ رَسُول الله (صلى الله عليه وَآلهِ وَسّلَّم) فِي كراهة زيارة الأموات ليلاً. كما قال لأبي ذر: وَلا تزُرهم أحياناً بِالليل.
وَروي فِي مَجموعة الشيخ الشهيد عَنْ رَسُول الله (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم) قال: لا يَقول أحد عِندَ قبر ميت 3 مرات: اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدْ وَآلِ مُحَمَّدٍ أن لا تُعَذِّبَ هَذا المَيِّتَ.
إلا وَأقصى الله عنهُ عذاب يوم القيامة.
وَعن جامع الأخبار عَنْ بَعض أصحاب النّبي (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم) قال: قالَ رَسُول الله(صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم): اهدوا لِموتاكُم.
فَقُلنا: يا رَسُول الله، وَما نَهدي الأموات؟
قالَ: الصدقة وَالدُّعاء.
وَقالَ: إن أرواح المُؤمنين تأتي كُل جُمعة إلى السّماء الدُّنيا بِحذاء دورهم وَبيوتِهم، يُنادي كُل واحد مِنهم بِصوت حَزين، باكين:
يا أهلي وَيا ولدي وَيا أبي وَيا أمّي وَاقربائي اعطفوا علينا يرحمكم الله بِالَّذِي كانَ فِي أيدينا، وَالويل وَالحساب علينا وَالمَنفعة لِغيرنا.
وَيُنادي كُلَّ واحِد منهم إلى أقربائهِ:
اعطفوا علينا بِدرهم أو رَغيف أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجَنَّة.
ثُمَّ بَكى النّبي (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم) وَبكينا مَعهُ، فَلَمْ يَستَطع النّبي (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم) أن يَتَكلم مِنْ كِثرة بُكائِهِ، ثُمَّ قال (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم):
أولئك أخوانكم فِي الدين فَصاروا تُراباً رَميماً بَعدَ السّرور وَالنَّعيم فَينادون بِالويل وَالثبور عَلَى أنفسهم، وَيَقولون:
يا ويلنا لو أنفقنا ما كان في أيدينا فِي طاعة الله ورضائه ما كُنّا نَحتاج إليكم، فَيرجعون بِحسرة وَنَدامة، وَينادون: أسرعوا صدقة الأموات.
وَروي عَنهُ أيضاً قال: ما تَصدقتَ لِمَيّت فَيأخذها مَلك فِي طَبق من نور ساطع يبلغ سبع سماوات ثُمَّ يَقوم عَلَى شَفير الخندق فَيُنادي:
السَّلامُ عَلَيكُمْ يا أهَلَ القُبور أهلُكُمْ أهدوا إليكم بِهَذِهِ الهَديّة، فَيأخذها وَيَدخل بِها فِي قبره توسع عليه مضاجعه.
فَقال النّبي (صلى الله عليهِ وَآلهِ وَسّلَّم):
ألا مَنْ أعطف لِمَيّت بِصَدقة فَلَهُ عِندَ الله مِنَ الأجر مِثل أُحُد وَيَكون يوم القيامة فِي ظل عَرش الله يومَ لا ظل إلا ظل العرش، وَحي وَميّت نجا بِهَذِهِ الصّدقة.
وَحُكي أنَ والي خُراسان شُوهد فِي المَنام وَهُوَ يَقول: ابعثوا إلي ما تَطرحونهُ إلى الكلاب، فَإني مُفتقر إليه.
وَأعلم إن لِزيارة قبور المُؤمنين أجراً جَزيلاً وَهي عَلَى ما لَهُ مِنْ جَزيل الأجر ذات فَوائد وَآثار عَظيمة، فَهي تُورث العِبرة وَالانتِباه وَالزُّهد وَالإعراض عَنْ الدُّنيا وَالرَّغبة فِي الآخرة، وَيَنبغي زيارة المَقابر إذا اشتدّ السّرور أو الغم.
فَالعاقل مَن اتخذ المَقابر عِبرة يَنزع بِها حلاوة الدُّنيا مِنْ قلبهِ، وَيُحول شَهدها مُراً فِي ذائقتهِ، وَتَفَكر فِي فناء الدُّنيا وَتَقلب أحوالهِ، وَاستحضر بِالبال أنهُ هو نفسه سَيكون عما قريب مِثلهم وَيَقصر يدهُ عَنْ الصّالحات وَيَكون عِبرةٌ لِغيرهِ.