اللهم صل على محمد وآل محمد
قصّة الطوفان في التوراة
جاءت قصّة الطوفان في سفر التكوين 1 بصورة تفصيليّة تشبه أن تكون أساطيرية ، و فيها ما ترفضه العقول و تأباه واقعية الحياة ، فضلاً فن منافاتها لأصول الحكمة المهيمنة على مظاهر الوجود .
جاء فيه : أنّ قوم نوح فسدوا وأفسدوا في الأرض ، فغضب الله عليهم و أنذرهم على لسان نوح بعذاب الاستئصال بإرسال الطوفان العارم ، فلم يعبهوا بذلك و ظلّوا يعبثون و يعثون في البلاد .
و لمّا بلغ نوح من العمر ستمائة سنة أمرة الله بصنع الفلك ( في 300 ذراع طولاً و50 ذراع عرضاً و 30ذراعاً في الارتفاع ) .
فجاء الطوفان ، و جعلت ينابيع الأرض تتفجّر و السماء تمطر بغزارة أربعين صباحاً و الماء يرتفع شيئاً فشيئاً على وجه الأرض كلّها حتّى بلغ قمم الجبال الشامخة في كل جوانب الأرض و ارتفع على أشمخ قمّة من الجبال بخمس عشرة ذراعاً ، و بذلك هلك الحرث و النسل و مات كلّ ذي حياة على وجه الأرض من الدوابّ و البهائم و الدبّابات و الزحّافات و حتّى الطير في السماء . و دام الطوفان على وجه الماء حتّى أخذ الماء ينحطّ و يغور فاستقرّت سفينته على جبل « آرارات » بأرمينية . فنزلوا من السفينة و عاش نوح بعد ذلك ثلاثمائة و خمسين عاماً ، فكان كلّ أيّام نوح تسعمائة و خمسين سنة . على ما جاء في الإصحاح التاسع عدد 28 .
و كان الذي حمله نوح معه في السفينة ـ غير أهله و ذويه ـ أزواجاً ( ذكراً و اُنثى ) من كلّ أنواع الحيوانات لئلاّ ينقرض نسلها و تبيد من الوجود . « من جميع البهائم و الطيور ذكراً و اُنثى ، لاستبقاء نسلها على وجه كلّ الأرض » . 2
و هذا يعني : أنّ جميع الأحياء هلكوا على أثر الغَرَق « فمات كلّ ذي جسد كان يدبّ على الأرض من الطيور و البهائم و الوحوش و كلّ الزحّافات التى كانت تزحف على الأرض و جميع الناس ، كلّ ما في أنفه نسمة روح الحياة فيما في اليابسة مات » . 3
و ذلك أنّ الماء غمر وجه الأرض كلّها و طغى على أعالي الجبال الشامخة في كل أكناف الأرض « و تعاظمت المياه كثيراً جداً على الارض فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كلّ السماء خمس عشرة ذراعاً في الارتفاع فتغطّت كلّ الجبال » . 4
حادث الطوفان في القرآن
و حاشا القرآن أن يساير التوراة ( المتداولة ) في سرد أقاصيص أسطورية واهية ، و إنّما هي الواقعيّة ينتقيها و ينبذ الأوهام الخرافية و التي أحدقت بها على أثر طول العهد .
و إليك الحادث على ما جاء في سورة هود :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 5 6
مواضع عِبر أغفلتها التوراة
جاءت القصّة في التوراة كسائر الأحداث التاريخية القديمة مشوّهةً في خِضمًّ من خرافات بائدة و من غير أن تتأكّد على مواضع العِبر منها ، بل و أغفلتها في الأكثر . أمّا القرآن فبما أنّه كتاب هداية و عِبر نراهُ يقتطف من أحداث التاريخ عبرها و يجتني من شجرة حياة الإنسان السالفة يانع ثمرها ، فليتمتّع الإنسان بها في حياته الحاضرة في شعفٍ و هناء .
و قد أغفلت التوراة جانب زوجة نوح و ابنه اللذين شملهما العذاب بسوء اختيارهما . إنّها عِبرةٌ كبرى ، كيف يغفل الإنسان أوفر إمكانيّات الهداية و الصلاح ، و ينجرف بسوء اختياره مع تيّار الضلالة و الفساد ، و في النهاية الدمار و الهلاك !!
ذكر السيّد ابن طاووس : أنّه كان لنوح زوجان إحداهما وفيّة و أخرى غبيّة ، فركبت الصالحة مع أبنائها السفينة ، و هلكت الأخرى الطالحة مع الآثمين . 7
قال الله تعالى عنها و عن زوج لوط : ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ 8 .
و كانت خيانتهما هي المسايرة مع الكافرين و نبذ معالم الهداية التي كانت في متناولهما القريب .
و ابن نوح يقول عنه تعالى : أنّه ليس من أهله . لا يصل للانتساب إليه بهذا العنوان الفخيم ( أهل نوح ) لأنّه عملٌ غير صالح ، إنّه حصيلة أعماله غير الصالحة ، ومن ثَمَّ فإنّه كان يعيش خارج الإطار الذي كان يعيشه نوح و أهله .
و هذا أيضاً من أعظم العِبر ، كيف ينحدر الإنسان من أعلى قمم الهداية و التوفيق لينخرط مع البائسين الحيارى لا يهتدون سبيلاً ؟!
أمّا و كيف ابتغى نوح نجاة ابنه هذا و هو يعلم ما به من غواية الضلال ؟ فهذا يعود إلى حنان الأبوّة و رحمة العطوفة التي كان يحملها نوح ( عليه السَّلام ) لاسيّما مع ما وعدهُ اللهُ بنجاة أهله ، فلعلّه شملته العناية الربّانية و أصبح من المرحومين . و من ثَمَّ جاءته الإجابة باليأس و أنّه لا يصلح أن يكون أهلاً له و كان محتّماً عليه أن يمسي من المرجومين .
هل عمّ الطوفانُ وَجْهَ الارْض ؟
صريح التوراة أنّ الطوفان عمّ وجه الأرض و أهلك الحرث و النسل و حتّى الطير في السماء .
و ليس في القرآن دلالة و لا إشارة إلى ذلك ، بل على العكس أدلّ ، و أنّ الطوفان إنّما عَمَّ المنطقة التي كان يعيشها قوم نوح ولم يتجاوزها .
جاء في سورة الأعراف : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ 9 الى قوله : ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ ﴾ 10 .
فالذين كان يُخافُ عليهم عذابَ يومٍ عظيم ممّن كذّبوهُ و كانوا قوماً عمين ، كانوا هم المغرقين .
و لا دلالة فيها على غَرَق آخرين من أقوامٍ لو كانوا مبعثرين عائشين في سائر أقطار الأرض ممّن لم تبلغهم دعوة نوح ولم يكن مرسلاً إليهم .
هذا فضلاً عن سائر الحيوان من الزحّافات و الدبّابات المنتشرة في وجه الأرض ، و كذا الطير في الهواء . ممّا لا شأن لها و رسالات الأنبياء و لا وجه لأن يعمّها العذاب و هو عقاب على معصية لا مساس لها بغير الإنسان .
الأمر الذي يؤخذ على التوراة أشدّ الأخذ ! و لا سيّما بذاك الوصف الذي وصفته : غمر الماء وجه الأرض كلها و ارتفع حتّى غمر قمم الجبال الشامخات و علاهنّ بخمس عشرة ذراعاً ( سبعة أمتار ) !
نقض فرضية الشمول ؟
يقول «وُلتر» ـ الكاتب الناقد الفرنسي ( 1694 – 1778م ) بصدد تسخيف أسطورة الطوفان على ما وصفته التوراة ـ : كان يجب لمثل هذا التضخّم من الماء المتراكم على وجه الأرض أن تضطمّ اثنا عشر بحراً ، كلٌّ في سعة البحر الأطلانتي المحيط ، بعضها فوق بعض ، ليكون الأعلى في حجم أكبر بأربع و عشرين ضعفاً ، و هكذا حتّى تجتمع في مثل هذا الماء المتراكم ليغمر شامخات الجبال !
و يزيد ـ مستخفّاً عقلية مسطّر هذه الأساطير و ناقماً على الذين اعتنقوها باعتبارها وحياً من السماء ( وحاشاه ) ـ : يكفي بذلك معجزة خالدة لا حاجة معها إلى سائر المعاجز ، حيث لا مثيل لها في خرق نواميس الكون !! .
و يقول آخر : أنّ المحاسبات العلمية الدقيقة تعطينا : أنّ الأبخرة المنبثّة في أجواء الأرض لو تكثّفت جميعاً و هطلت أمطاراً لما كانت تكفي لأن تغمر و تعلو عن وجه الأرض بأكثر من بضع سانتي مترات ، فكيف بجبال شامخات ؟!
يقول الدكتور «شفا» : لو كانتِ السماء تهطل بأمطارها أربعين صباحاً ـ كما هو نصّ التوراة ـ لما كاد أن يغمر هَضبة ما بين النهرين ـ على صغرها ـ فكيف بغمر وجه الأرض و أن يعلو قمم الجبال ؟! و جبل « آرارات » يرتفع عن سطح البحر بأكثر من خمس كيلو مترات ما يكاد أن يغمره ، فكيف بسائر الجبال الشامخة ؟! 11
الطوفان ظاهرة طبيعية حيث أرادها الله
نعم ، كان حادث الطوفان ظاهرة طبيعية و على ما وصفه القرآن ممّا لا يكاد الغمز فيه .
كان قد مرّ على حياة الأرض في أدوارها الأولى كثير من تغيّرات جوّية مفاجئة ، كان وجه الأرض مسرحاً لتناوب هطول أمطار غزيرة و سيول هائلة منحدرة من أعالي الجبال كادت تغمّ الهضاب و الوديان و المناطق المنخفضة من سطح الأرض . و كان طوفان نوح إحدى تلكمُ الظواهر الكونية حدثت بإذن الله ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ 12 . فانحدرت سيول هائجة عبر سفوح الجبال و تفجر ينابيع الأرض المشبعة بالأمطار ، و هكذا أحاط الماء الهائم بقوم نوح و سد عليهم طرق النجاة . و حتى ابن نوح حاول اللجوء إلى أعالي المرتفعات لو لا أن جابهته سيول هائجة لتصرعه إلى حيث مهوى الهلاك ، بل وحتّى لم يجد فرصة التريّث فيما كان ينصحه أبوه ، و حال بينهما الموج فكان من المغرقين .
و في تواريخ الاُمم ما يسجّل حدث طوفانا هائلة جرفت بقسط من الحياة ، و لعلّه لتراكم الفساد و الشرّ في تلكمُ البقاع . فمن قدماء الفرس : أنّ طوفاناً هائلاً عمّ أرض العراق إلى حدود كردستان . و هكذا روي عن قدماء اليونان . و الهنود أثبتوا وقوع الطوفان سبع مرّات شمل شبه الجزيرة الهنديّة . و يروى تعدّد الطوفان عن اليابان و الصين و البرازيل و المكسيك و غيرهم . و يروى عن الكلدانيين ـ و هم الذين وقع طوفان نوح في بلادهم ـ : أنّ المياه طغت على البلاد و جرفت بالحرث و النسل . فقد نقل عنهم « برهوشع » و « يوسيفوس » : أنّ « زيزستروس » رأى في الحلم بعد موت أبيه « أوتيرت » أنّ المياه ستطغى و تغرق الناس كلّهم ( ممّن كان يعيش هناك طبعاً ) . فأمر بصنع سفينة يعتصم فيها هو و ذووه ، ففعل . و قد كان هناك جبابرة طغوا في البلاد و أكثروا فيها الفساد فعاقبهم الله بالطوفان و الاستئصال .
و قد عثر بعض الإنجليز على ألواح من الآجر نُقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسمارية في عصر « آشوربانيبال » من نحو ( 660 ) سنة قبل ميلاد المسيح و أنّها منقولة من كتابةٍ قديمة من القرن السابع عشر قبل الميلاد أو قبل ذلك . و من ثَمَّ فهي أقدم من كتابة سفر التكوين ( يرجع تدوينه إلى عام 536 قبل الميلاد بعد الرجوع من سبي بابل ) .
و يروي اليونان خبراً عن الطوفان أورده « أفلاطون » و هو : أنّ كهنة مصر قالوا للحكيم اليوناني « سولون » أنّ السماء أرسلت طوفاناً غيّر وجه الأرض مراراً فهلك الناس ( ممّن عمروا البلاد في المنطقة ) و انمحت آثارهم ولم يبق للجيل الجديد شيء من تلكمُ الآثار و المعارف . و أورد « مانيتيون » خبر طوفان حدث بعد « هرمس » الأوّل الذي كان بعد « ميناس » الأوّل . و هو أقدم من تاريخ التوراة أيضاً . 13
و هكذا جاء خبر الطوفان في « اُوستا » كتاب المجوس . 14
و جاء في كتاب « تاريخ الأدب الهندي » الجزء الأوّل المختصّ بالثقافة الوثنية الهندية ، للسيّد أبي نصر أحمد الحسيني البهوبالي الهندي ( مخطوط ) ص 42 و 43 ، في الباب الخامس ، و عنوانه « برهمانا و أوبانبشاء » :
و ممّا يلف النظر في « ساتا بانا برهمانا » قصّة الطوفان ، التي بيّنت في ضمن الضحايا . و القصّة و إن اختلفت من وجوه كثيرة عمّا في القرآن و التوراة ، و إن لم توجد شواهد قاطعة تربط القصّة الهندية مع السامية . توجب الاهتمام . .
ففي هذه القصّة البرهمانية يقوم « مانو » بدور نبيّ الله نوح ( عليه السَّلام ) في القرآن و في التوراة . و « مانو » اسمٌ نالَ التقديس و الاحترام في أدب الثقافة بأسره من الوثنيين ، فهو : ابن الله ، و مصدر جميع الناس و جدّهم الاُسطوري .
و خلاصة القصّة : أنّه بينما كان « مانو » يغسل يديه إذ جاءت في يده سمكة ، و ممّا اندهش به « مانو » أنّ السمكة كلّمته و طلبت إنقاذها من الهلاك ، و وعدته جزاءً عليه أنّها ستنقذه في المستقبل من خطرٍ عظيم . و الخطر العظيم المحدق الذي أنبأت به السمكة كان طوفاناً سيجرف جميع المخلوقات . و على ذلك حفظ « مانو » السمكة في « المرتبان » . فلمّا كبرت السمكة أخبرت مانو عن السنة التي سيأتي فيها الطوفان ، ثم أشارت عليه أن يصنع سفينة كبيرة ، و يدخل فيها عند طغيان الماء ، قائلةً : أنا أنقذك من الطوفان . فمانو صنع السفينة ، و السمكة كبرت أكثر من سعة « المرتبان » ، لذلك ألقاها « مانو » في البحر . ثمّ جاء الطوفان كما أنبأت السمكة . و حين دخل « مانو » السفينة ، عامت السمكة إليه ، فربط السفينة بقرن على رأس السمكة ، فجرّتها إلى الجبال الشمالية . و هنا ربط « مانو » السفينة بشجرة . و عندما تراجع الماء و خفّ ، بقي «مانو» بوحدته . 15
فذلكة الكلام : إنّ فيما أنبأت به الاُمم وحدّثت به الأجيال من حوادث جوّية خطيرة داهمت الحياة البشرية الأولى و كان فيها الهلاك و الدمار و منها حادث الطوفان في كرّات و مرّات لَيُشْرفْ بالاطمئنان على تحقّق الحادث إجماليّاً و لو يكن بذلك الشكل الأساطيري المنقول ، شأن سائر القصص البائدة حيكت حولها مخاريف ، الأمر الذي لا يوجب إنكارها من رأس . و لا سيّما أنّ مثل حادث الطوفان كان طبيعيّاً أن يهاجم حياة الإنسان و يواجهه بالنكبات في الأيام الأولى بكثرة ، و لا يزال ينتاب وجه الأرض بعد حينٍ و آخر .
و ربما كان من أعظمها و أشملها طوفان نوح ، عمّ المنطقة و دمّر وأباد . هذا شيءٌ لا مساغ لإنكاره ، بعد كونه طبيعيّاً و أخبر به الصادق الأمين .
أمّا الزيادات التي جاءت في الأساطير القديمة و نقلتها التوراة على علاّتها فهذا شيءٌ نستخلص منه و نبذه كما نبذه القرآن و استخلص الحادث صافياً جليّاً . الأمر الذي اختصّ به القرآن و كان نبأً غيبيّاً لا يعلمه أيّ إنسان ذلك الحين . ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 16 .
أي لا تعلمها بهذا الخُلوص و الجلاء . أمّا صورتها المشوّهة فكان يتداول بها أقوامٌ جاهلون بحقيقة الأمر .
لا شاهد على شمول الطوفان
لاشكّ أنّ شواهد الطبيعة لا تدع مجالاً لاحتمال شمول الطوفان ، و لا سيّما بذلك الارتفاع الهائل ! كما لا موجب لتناول الإعجاز لمثل هذا الحدّ غير الضروري قطعيّاً .
بقي ظاهر النصّ ( التعابير الواردة في القرآن الكريم ) ممّا حسبه البعض ذا دلالة أو إشارة إلى ذلك ، فضلاً عن قرائن اُخرى :
قال الشيخ محمّد عبده : و أمّا مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي موضوع نزاع بين أهل الأديان و أهل النظر في طبقات الأرض ، و موضوع خلاف بين مؤرّخي الاُمم . أمّا أهل الكتاب و علماء الأمّة الإسلامية فعلى أنّ الطوفان كان عامّاً لكلّ الأرض . و وافقهم على ذلك كثير من أهل النظر . و احتجّوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف و الأسماك المتحجّرة في أعالي الجبال ، لأنّ هذه الأشياء ممّا لا تتكّون إلاّ في البحر ، فظهورها في رؤوس الجبال دليل على أنّ الماء صعد إليها مرّةً من المرّات ، و لن يكون ذلك حتّى يكون قد عمّ الأرض . 17
و قال السيّد الطباطبائي : الحقّ أنّ ظاهر القرآن الكريم ـ ظهوراً لا ينكر ـ أنّ الطوفان كان عامّاً للأرض ، و أنّ من كان عليها من البشر اٌغرقوا جميعاً . . .
و من شواهد الآيات التي استند إليها قوله تعالى ـ حكايةً عن نوح ـ ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ 18 ، و قوله : ﴿ ... لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ... ﴾ 19 ، و قوله : ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ﴾ 20 .
قال : و من الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من الأمر بأن يحمل من كلًّ زوجين اثنين . 21 و من الواضح أنّه لو كان الطوفان خاصّاً بالمنطقة ( أرض العراق كما هو معروف ) لم تكن حاجة إلى ذلك . 22 نظراً لإمكان تداوم النسل بسائر أفراد النوع المنبّثة في أقطار الأرض حينذاك .
آثار جيلولوجية ؟
لكن وجود الفسايل و بقايا متحجّرة لحيوانات مائية و هكذا آثار الردم المشاهد في أعالي بعض الجبال لا يصلح شاهداً لصعود الماء إليها إذ لا يكفي لحدوث هذه الآثار و وجوده هذه البقايا صعودُ الماء أيّاماً معدودة و لفترة قصيرة ، بل و من المحتمل القريب أنها من بقايا رسوبية كانت يوماً مّا تحت البحر و على ضفافه ، غير أنّ التغيّرات الجيولوجية و التمعّجات الحاصلة على قشرة الأرض على أثر الزلازل و غيرها هي التي أوجبت تغّيراً في وجه الأرض ، فمنها ما ارتفع بعد ما كان مغموراً ، أو انغمر بعد ما كان علياً ، و هكذا تعرجّات حدثت على الأرض و لا سيّما في الفترات الأولى على أثر انخفاض حرارة سطح الأرض .
قال الشيخ محمّد عبده : إنّ وجود الأصداف و الحيوانات البحرية المتحجّرة في قلل الجبال لا يدلّ على أنّها من أثر ذلك الطوفان ، بل الأقرب أنّه كان من أثر تكوّن الجبال و غيرها من اليابسة في الماء . فإنّ صعود الماء إلى الجبال أيّاماً معدودة لا يكفي لحدوث ما ذكر فيها . 17
﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ 18
أخذوا من هذه الآية دليلاً على الطوفان و شموله لوجه الأرض كلّها .
قال الشيخ محمّد عبده : ليست الآية نصّاً في أنّ المراد بالأرض هذه الكرة كلّها ، فإنّ المعروف في أخبارهم أن تذكر الأرض و يراد بها أرضهم و وطنهم ، كقوله تعلى حكايةً عن خطاب فرعون لموسى و هارون : ﴿ ... وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ ... ﴾ 23 يعنى أرض مصر ، و قوله : ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ... ﴾ 24 فالمراد بها مكّة ، و قوله : ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ 25 و المراد ديار فلسطين ، و الشواهد على ذلك كثيرة .
قال : و ظواهر الآيات تدلّ بمعونة القرائن و التقاليد الموروثة عن أهل الكتاب ، على أنّه لم يكن في الأرض كلّها في زمن نوح إلاّ قومه ـ« و هو في أوّليات حياة البشر » ـ و إنهّم هلكوا كلّهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذرّيته . و هذا يقضي أن يكون الطوفان في البقعة التي كانوا فيها من الأرض سهلها و جبالها ، لا في الأرض كلّها . إلاّ إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين و بوجود البشر عليها فإنّ علماء التكوين و طبقات الأرض ( الجيولوجية ) يقولون : إنّ الأرض كانت عند انفصالها من الشمس كرة نارية ملتهبة ثمّ صارت كرة مائية ، ثمّ ظهرت فيها اليابسة بالتدريج . 26
و بذلك ظهر عدم دلالة الآية ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ﴾ 20 على شمول الطوفان لعامّة وجه الأرض ، بعد فرض محدودية نطاق النسل البشري آنذاك ( في عهدٍ بعيد جدّاً ) و عدم الانتشار في أقطار الأرض . و لا نتسلّم بما حدّدته التوراة من التاريخ القريب و لا مستند لها .
﴿ ... لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ... ﴾ 19
شاهدٌ آخر التمسوه دليلاً على عموم الطوفان .
قال تعالى : ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ 27 .
في هذه الآية موضعان يمكن الاستناد إليهما تدليلاً على شمول الطوفان :
1 ـ التعبير بالموج الهائل كالجبال ، ممّا لا يحدث إلاّ في متّسع من خضمّ الماء المتراكم .
2 ـ محاولة ابن نوح للصعود إلى جبلٍ يعصمه من الماء ، و لكن نوحاً أنذره أن لا عاصم اليوم . و معنى ذلك أنّ الماء سيغطّي الجبال أيضاً و لا يذر موضعاً يأوي إليه . و هكذا ابتلعه الموج الهائم فكان من المغرقين .
لكن لاشكّ أنّ هضبة كبيرة واسعة الأرجاء إذا ازدحمت عليها المياه واكتنفتها السيول العارمة من كلّ جانب و فاضت ينابيع الأرض فإنّ الماء ليجول و يصول في ساحتها و ربّما ارتفعت إلى عشرات الأمتار . و في مثل هذا الخضمّ من الماء الهائم و الذي في عرضة الطوفان و هبوب رياح عاصف لابدّ أنّ تحصل أمواج عالية و عاتية تلوي على كل شيء . لا بد أن ابن نوح كان واقفا على مرتفع من الارض ليرى تجوال السفينة على وجه الماء ، و حينما كلّمه أبوه ـ و هو راكبٌ في السفينة ـ لم يعبه بنصح أبيه ، و أنّه سوف يأوي إلى أعالي الجبال . لكنّه غافلٌ أنّ السيول الهائمة المنحدرة على سفوح الجبال سوف تلوي به إلى أعماق الغرق ، و بالفعل نزلت به النازلة و حال بينه و بين أبيه الموج فكان من الهالكين .
و ليس في ذلك دلالة على أنّ الماء سوف يرتفع على قمم الجبال الشامخة في كلّ مناحي الأرض .
و هكذا رجّح العلاّمة الشعراني أنّ الماء لم يرتفع في أرض الطوفان ( هضبة ما بين النهرين ) أكثر من عشرين أو ثلاثين متراً ، ممّا لا يمكن غشيانه قلل جبال رفيعة كقلّة آرارات من سلسلة جبال جودي . 28
﴿ ... قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... ﴾ 29
شاهدٌ ثالث أخذوه دليلاً على عموم الطوفان :
قال العلاّمة الطباطبائي : هذا كالنصّ في أنّ الطوفان عمّ البقاع اليابسة من الأرض جميعاً أو معظمها الذي هو بمنزلة الجميع . قال : و لو كان الطوفان خاصّاً بصقع من أصقاع الأرض و ناحيةٍ من نواحيها ـ كالعراق على ماقيل ـ لم يكن أيّ حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين . 30
و هذا المعنى قائم على أساس ما حسبه المفسّرون في سبب حمل زوجين من كلّ جنس من الحيوان لعلّة لاستبقاء نسلها لئلاّ تنقرض . قال صاحب المنار : و التقدير ـ على قراءة حفص [ بتنوينِ كلًّ ] ـ : احمل فيها من كلُّ نوعٍ من الأحياء أو الحيوان زوجين اثنين ذكراً و إنثى ، لأجل أن تبقى بعد غرق سائر الأحياء فتتناسل و يبقى نوعُها على الأرض . 31
و عامّة المفسّرين على ذلك ، و لعلّهم متأثّرون بنصّ التوراة و توارد الإسرائيليات بهذا المعنى . جاء في سفر التكوين : و من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعةً سبعةً ذكراً و اُنثى ، لاستبقاء نسلٍ على وجه كلّ الأرض . 32 و هكذا ورد في الإسرائيليات . 33
و لكن ما قدر السفينة حتّى يحمل فيها مثل هذا بعدد الجمّ من أنواع الحيوان الأهلية والوحشية و الحشار و الطيور لئلاّ ينقرض نسل الأحياء . بل و في هذه الروايات : حمل الأزواج من أنواع النبات و الشجر و الأعشاب ، و هو من الغرابة بمكان !!
و بحقًّ قال سيّد قطب : و مرّة اُخرى تنفرّق الأقوالُ حول ﴿ ... مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... ﴾ 29 . و تشيع في الجوّ رائحة الإسرائيليات قويّة .
و تعقّبه بقوله : أمّا نحن فلا ندع الخيال يلعب بنا و يشتطّ حول النصّ ﴿ ... احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... ﴾ 29 ممّا يملك نّوح أن يُمسك و أن يستصحب من الأحياء ، و ما وراء ذلك خبط عشواء . 34
و هذا هو الرأي الصحيحُ ، فقد رخّص الله لنوح أن يحمل معه ما يملكه من الحيوانات الأهلية بقدر ما يحتاج إليه من زادٍ و راحلة ، و لا يثقل حمله حتّى تعود الأحوال إلى أوضاعها الأولى . و أمّا سائر الأحياء الأهلية و الوحش فتتشرّد لوجهها و لا تبقى في المنطقة المصابة بالحادث ، كما هو مألوف . هذا ما يدّل عليه نصّ القرآن لا أكثر .
و الزوجان ـ في الأية ـ يراد به المتعدّد في تشاكل ، أي من كلّ جنسٍ عدداً يفي لتأمين الحاجة بها .
و هذا نظير قوله تعالى : ﴿ ... وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... ﴾ 35 ( في الارض ) أي من كلّ نوعٍ في أشكالٍ و ألوانٍ متقاربةٍ و متنوّعة ، كالتفّاحة في أشكالها و ألوانها ، و هكذا الليمون و الرّمان و سائر الفواكه من كلّ نوعٍ فيها أزواج متشابهة . كما قال تعالى : ﴿ ... وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ... ﴾ 36 أي متشاكلاً و غير متشاكل .
و جاء في وصف فواكه الجنّة : ﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾ 37 أي صنفان متشاكلان . و المراد المتعدّد في أشكالٍ و أصناف ، كما قال : ﴿ ... وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ... ﴾ 38 أي متشاكلاً .
و من الواضح أنّ الثمرة ـ و هي الفاكهة ـ ليس فيها ذكر و لا انثى و لا تزاوج لقاح ، و انما ذاك في بذور الازهار لا في الفواكه و الثمار .
على أنها لغة دارجة : أن يراد بالمثنى الشياع في الجنس لا الاثنان عددا . قال ابو علي : الزوجان في قوله : من كل زوجين يراد بهما الشياع و ليس يراد بهما عدد الاثنين ، كما قال الشاعر :
فاعمد لما يعلو فمالك بالذي *** لا تستطيع من الاُمور يدان
يريد : الأيدي و القوى الكثيرة حتّى يستطيع من الاُمور .
قال : و يبيّن هذا المعنى أيضاً قول الفرزدق :
و كلّ رفيقي كلّ رحل و إن هما *** تعاطى القنا قوماً هما أخَوان 39
إذ رفيقان اثنان يكونان رفيقي كلّ رحل ، و إنما يريد الرفقاء كلّ واحد مع صاحبه يكونان رفيقين .
و أمّا وصف الزوجين بالاثنين فلإرادة التأكيد و التشديد في المتبوع ، كما قال تعالى : ﴿ ... لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ... ﴾ 40 خطاباً مع المشركين ، نهى عن اتخاذ الآلهة ، و مع ذلك جاء تأكيده بالاثنين ، زيادةً في المبالغة . 41 و من ثمّ عقّبه بقوله : ﴿ ... إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ 40 .
و إنّما جاء بالتثنية باعتبار اتخاذ إلهٍ آخر معه سبحانه ، أي لا تتّخذوا مع الله إلهاً آخر ، و المعنى : النهي عن التعدّد في الآلهة و إن كان في صياغة المثنّى 42 و قد بحثنا عن إرادة الشياع من المثنّى بتفصيل فليرجع إليه . 43 فيما توهّم من المخالفة مع العلم .
----------------
يتبع
----------------
يتبع
تعليق