هل اختلف السلف فى مسائل فى التوحيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
السؤال
ما أثر عــن بعض السـلف في اخــتلافهــم في بعض المــسائل للتــوحيد والعــقيدة كــإثــبات الصورة على صورة آدم ورؤية الرسول صلــى الله عليه وسلم لربــه ليــلة المعــراج ومــثلا التــوسل وغــيره من المــسائل ,يعني كــيف نــوجهــها مع أن المــشهور أن السلف الصالح رضي الله عـنهم لم يخــتلفوا في العــقائد .
الاجابة
أولا :ذكـر في جــملة ما اختلفوا فيه التــوسل فإلى عـلمي أنه لا خـلاف بينهم في التوسل ؟ هذا أولا .
وثـانيا :التـوسل ليس من العـقائد وإنـما هو من الأحكام , أي هـل يجوز أن يدعوَ الإنسان بدعـاء فيه توسل بمخلوق ؟ أو لا يجوز ؟
فليـس للتـوسل علاقـة بالعـقيدة , اللهـم إلا إذا اقترن مع التـوسل عـقيدة في لفظ المـتوسل يعنيهـا به , فحينذاك تأخذ (طورا) آخـر أمـا مجرد التـوسل بمخلوق فذلك لا يدخل المسألة في جـملة العـقائد .
ثـالثـا :ماذا نـعني بأنهم اختلفوا في الصـورة؟ ومـن هـم الذين اخــتلفوا؟
لقد اتـفقوا على إثـبات الصورة لله عـز وجل في الجـملة وليــس في التـفصـيل وإنـما اخـتلفوا في مـرجع ضمـير قوله عليه الصـلاة والسلام :
(( خــلق الله آدم على صــورته ))
فأيضـا حـصر هذا الإخـتلاف في مـرجع هذا الضـمير لـيس له عـلاقة أيـضا في اعتقــادي بالعـقيدة لأن الصورة كـعقيدة مـتفق عليـها بين عـلماء الحديث والسنة دون تـكييف ودون تأويل , أمـا مرجـع ضمـير
(( خـلق آدم على صـورتـه ))
هذا خـلاف فرعـي ليـس له بالعقيـدة ,
اما عن سؤال هل راء النبى صلى الله علية وسلم ربة فى:المعراج ,
فنقول , اخــتلفوا صحيح في هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربـه وهذا الإخـتلاف لا يمكن إنـكاره ولكـن لعـل ذلك أيـضا مرجعـه إلى تـفسير قوله تـعالى :
{ ولـقد رآه نـزلة أخـرى عـند سدرة المـنتهـى }
وجـمهور العـلماء من المـحدثين وغـيرهـم على نـفي رؤيـته صلى الله عليه وآله وسلم لربـه بعيـنيه , والخـلاف الذي يـشار إليه بهذه المـناسبة هـنا , إنـما هـو ما جـاء عن ابن عـباس رضي الله عنه أنه قال :
(( إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيـنيه ))
لكـن هذا الأثر , هذا الحـديث يمـكن أن يقال فيه إنـه أثـر وإنــه حـديث , فهـو أثـر باعـتبار أن لـفظه من ابن عـباس ويمـكن أن يقال فيه إنـه حديث باعـتبار أنـه يتـحدث فيه عـن النبي صلى الله عليه وآله وسلم , هذا الأثـر أو الحـديث المروي عن ابن عـباس لم يـستقر على هذا اللفـظ الذي فيه أنـه رأى ربـه بعيــنيه ,فقد جـاء عـنه روايتـان أخـريان ,الأخـرى
الرؤيا (( رأى ربـه )) دون ذكر العـينين .
والأخـرى وهي الثـالثة :
(( رآه بقـلبه ))
وعلى هذا فهذا الأثـر أو هذا الحـديث مـضطرب عن ابن عـباس رضي الله عـنه ما بين رآه مـطلقا ورآه بعـينيه ورآه بـقلبه والحـديث المـضطرب من أقسـام الحـديث الضعــيف وحـينئذ فلا نـستطيع أن نجزم بأن ابن عباس كان من عقيدتـه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربـه ولكـن مع هذا لا يمـكن لكـل باحـث منصف أن يدعـي أنـه لم يكـن هـناك من يقول بقول ابن عـباس لكن هذا القـائل لا يـعرف عـينه ولا شخصـه , أمـا أنه كان هناك من يقول بقول ابن عباس فذلك يمكن أن يؤخذ من نفس حديث السيدة عـائشة رضي الله عـنها المروي في الصحيحين من طريق مسروق -رحـمه الله- حـيث سألهـا قائلا لــها :
(( يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه ؟)) الحــديث.
ولا بأس بإتمـامه ولكــن لابد من ذكر موضع الشـاهد منه فسـؤال مـسروق لأم المؤمنين هل رأى محمد ربه ؟
يشـعر البـاحث بأنه كـان هناك من يقول بأن محمد صلى الله عليه وآله سلم رأى ربـه , من هـو ؟ الله أعـلم , يمكـن أن يكون هـو ابن عـباس نـفسه ولكن ابن عباس لم يستقر رأيه على شيء من أقـواله الثـلاثة التي ذكرتـها آنـفا , نعود إلى حديث عائشة رضي الله عـنها فلمـا سألهـا وقال لـها : هل رأى مـحمد ربـه ؟ قالت : لقد قص شعـري ممـا قلت , قال : (( يا أم المؤمنين ألم يقل رب العالمين
{ ولقد رآه نزلة أخـرى } الآيـة , قالت : أنا أعلم الناس بذلك سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : رأيت جـبريل في صـورتـه التي خـلق فيـها مرتـين وله جـناحان قد سد الأفق)) فإذن مـرجع هذا الضـمير في تـفسير الرسول عليه السـلام نفسـه لهذه الآية إنـما يعود إلى جـبريل وليـس إلى رب العالمين تبارك وتعالى , ثم تابعت بيانهـا رضي الله عـنها فقالت
:"ثـلاث من حـدثكموهـن فقد أعـظم على الله الفرية:
من حـدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسـلم رأى ربـه فقد أعـظم على الله الفـرية ثم تلت قوله تعالى :
{وما كـان لبشـر أن يكلمه الله إلا وحـيا أو من وراء حـجاب } .
"فلا سبيل إلى رؤية الله تبارك وتعالى من أحـد في هذه الحـياة الدنيا ,
قالت :"ومن حـدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كـتم شيئـا أمر بتبليغـه فقد أعـظم على الله الفريـة ثم تـلت قوله تعالى :
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تـفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }"
قالت:
"ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كـان يعلم الغـيب فقد افتـرى وكـذب على الله تبارك وتعالى ثـم تلت قوله عـز وجل :
{قـل لا يعـلم من في السمـاوات والأرض الغـيب إلا الله } "
فحـديث عائشة هذا إذن فيه إشارة أنه كـان هناك من يقول بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه ولكـنها نفت ذلك نفيا باتا وتـلت ما سبق من الآية ,
وحـينئذ فلا أرى في نهاية المطاف في هذا المجال لا أرى أن يقال إنه كـان هنـاك خلاف بين السلف في مسألة عـقائدية كـمسألة رؤية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لربه , ثم نقول جدلا إن فرضنا أنه كـان هناك حقيقة خـلاف في مسألة ما بين السـلف فذلك لا يعني أن هذا الخـلاف يـضر مادامت الأدلة قـائمة بتأييد الوجـهة الصحيحة أو القول الصحيح ممـا اخـتلفوا فيه , فالقول بأن السـلف لم يختلفوا في شيء من الأمور الإعـتقادية هذا يقوله بعضهـم وبحسب ما أحـاط به علمه فإن استـطاع أن يثبت ذلك فلا ضير لأن المرجع إلى الدليل وأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان يدعو ربه تبارك وتعالى في دعـاء الإستفتاح في قـيام الليـل كان يقول فيه ( اللهم اهدني لما اخـتلف في من الحق بإذنك إنك تهدي من تشـاء إلى صـراط مستـقيم )),
وهذا كـان تعليما منه صلى الله عليه وآله وسلم لأمـته فعلينا نحن إذا وجـدنا اختلافا حقيقيا فضلا عن اخـتلاف موهـوم أن نطلب من الله تبارك وتعالى أن يهدينا لمعرفة الحق واتـباعه ,
والحمد لله رب العالمين
تعليق