الدرس الثالث: فن صياغة التقارير والإلقاءوالعرض
لقد أكد الهدهد أن ما لديه من مبررات يقينية ومؤكدة ولاتحتمل التأليف أو الظن أو التخمين أو الافتراض، ولكنها تقوم على الحقائق المجردة،ولا شك أن لنا وقفة جاء أوانها الآن لنتعلم من الهدهد أحد فنون الإدارة والاتصالات،فيما أصبح يُعرف الآن بفن "صياغة التقارير"، والإلقاء والعرض؛ عسانا أن نجد فيها منالدروس ما ينفعنا.
وبداية فإن التقرير- سواء كان شفهيًّا أو مكتوبًا- ما هو إلاوعاء يحتوي معلومات يقدم إلى مستوى إداري أعلى للمساعدة على اتخاذ قراراته على بينةورشد.
والتقرير الجيد له مواصفات عديدة؛ أهمها أجزاؤه المتماسكةوالمتكاملة والموجزة والكافية، كلماته الواضحة، والمعبرة، والبعد عن الغموض، أوالتخمين، أو الإيجاز المخلّ، أو التطويل المملّ… إلخ.
وأهم أجزاء التقرير: مقدمة مشوقة، وصلب الموضوع، ثم خاتمةوتوصيات في النهاية.. فماذا عن تقرير الهدهد، وأين هو من كل هذه المواصفات؟!! تعالوا ننظر ونتأمل معًا.
1- المقدمة:
لقد تضمن تقرير الهدهد كافة عناصر التقرير الجيد، وأولهاوجود مقدمة مشوقة ومعبرة عن الموضوع الذي سوف يتناوله، وذلك حينما قال: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍيَقِينٍ﴾ (النمل: من الآية 22)، فالتشويق الكامل يأتي من قوله ﴿أَحَطتُبِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ فهي تثير في المستمع كل قوى الاستعداد والتحدي لسماع ماسوف يأتي بعد ذلك؛ ما هذا الشيء الذي يعرفه الهدهد وأحاط به ولا يعرفه سليمان؟!!! رغم إمكاناته والقوى المسخرة لخدمته؟؟
إعطاء المستمع أوالقارئ فكرةً عن طبيعة الموضوع، وذلك حينما قال: ﴿وَجِئْتُكَمِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾فالموضوع يتعلق بسبأ،
2- صلب الموضوع:
ثم أخذ الهدهد في سرد عناصر التقرير التي تمثل صلب الموضوعالأساس، وهو هنا يحاول إعطاء صورة كاملة، وشاملة، وصافية، وغير منقوصة، كما رأىفيما يتعلق بقوم سبأ هؤلاء، ويمكن لنا أن نتبين أن هذا الطلب قد تضمن عناصر عدة؛أهمها:
أ- نظام الحكم.
ب- القدرة الاقتصادية.
ت- النظام الاجتماعي ووضع المرأة فيه.
ث- النظام الحضاري والصناعي ومدى تقدمه.
ج- العقيدة الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم.
﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةًتَمْلِكُهُمْ﴾(النمل: من الآية 23) نظام الحكم، ووضع المرأةالاجتماعي.
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل: من الآية 23) القدرة الاقتصادية.
﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾(النمل: من الآية 23) الوضع الحضاري والصناعي والمهاري.
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَايَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: من الآية 24) الوضع الديني والعقدي.. عبادة الشمس.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُأَعْمَالَهُمْ﴾ (النمل: من الآية 24)… مدى رسوخ ذلك في نفوسهم.
﴿فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِفَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل: من الآية 24)..
صعوبة تغييرهموتحويلهم عن هذا الوضع إلا بخطة محكمة ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا.
3- التوصيات:
لم يقف الهدهد عند مجرد النقل والسرد؛ بل إننا نلاحظ تدخلرؤيته وتقييمه للأمور وحكمته، والتي وصلت مداها بتوصية لسليمان يوجهه فيها لطبيعةالقرار الذي يجب اتخاذه في مثل هذا الموقف وهذا يوضح أعلى الدرجات الإيجابيةوالمسئولية والمشاركة من مقدم التقرير إلى قائده، وذلك حينما يختم تقريره بقوله: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِيالسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُلا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).
وهنا يتوقف سليمان ونتوقف نحن أمام هذا المستوى الراقي من جندي مبادر لا يكتفي بمجرد تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلق فهمه وإيمانه برسالةالمنظمة التي يعمل تحت لوائها، ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى في إتقان دوره بما ينعكسبأعلى درجات الكفاءة والفعالية على تحقيق وإنجاز هذه الرسالة.
الدرس الرابع: لا تبنِ قراراتك إلا على حقائق
\
لم يكد سليمان عليه السلام يسمع ذلك حتى بدأ في العمل دونإضاعة للوقت؛ حيث انصبَّ تفكيره على أمرين:
الأول: التأكد مما ساقه الهدهد من معلومات، وهل هي فعلاًبمثابة حقائق غير قابلة للجدل أو النقاش أو الاختلاف!
الثاني: البدء فورًا في رسم خطة عمل على أساس علمي ومدروس؛ليسوق لهؤلاء القوم فكرته وليبيع لهم بضاعته وليأخذ بأيديهم في نهاية المطاف إلىالدخول معه في دين الله الذي يؤمن به ويعمل له ويعيش من أجله.
والعجيب أن القائد الفذ سليمان عليه السلام اهتدى لوسيلةتخدم في الغرضين معًا، وهي أن يرسل الهدهد نفسه برسالة يحملها إلى ملكتهم ويرقب منبعيد ماذا يفعلون ويرجعون.. ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْكُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)﴾ (النمل).
فكأنه عليه السلام إنما أراد أن يتيقن من صدق الهدهد أوكذبه، من خلال هذا الكتاب "الرسالة" وفي نفس الوقت يتعرف على ردود أفعالهم تجاههاوطريقة تفكيرهم وأسلوبهم، ويمهد في نفس الوقت لعملية التغيير التي بدأ التخطيط لها،وذلك بإحداثه نوعًا من لفت الانتباه الشديد لهم إلى شيء آخر يجهلونه أقوى منهم،وأقدر عليهم، فهو يصل إلى ما لا يمكن أن يصل إليه أحد بسهولة، وهو مخدع الملكةنفسها.
الدرس السادس: رسالةنموذج
جزءٌ أعلى يحدد فيه:
- ممن الرسالة.
- ولمن.
- والموضوع.
ثم يذكر المطلوب الأساس بعد ذلك، وهو ما تضمنته هذاالإيجاز.
- فالرسالة من سليمان، بصرف النظر عن مدى علمهم من هو سليمانهذا أو عدم علمهم، وما هي يا تُرى قوَّته؟ وماذا يكون عليه ملكه؟
- أما لمن؟ فإنه ليس بالضرورة يجب كتابته؛ حيث ثم إلقاءالكتاب في يد من يراد له قراءته مباشرةً تقريبًا، ومن ثم ليس في الأمر غموض أو لبْسلمن توجه إليه، إنما التركيز هو ممن أتت.
- طبيعة الموضوع بإيجاز: ﴿وَإِنَّهُبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾هذا ما يمثِّل تقدمة عن طبيعةالموضوع الذي تحمله الرسالة، ولعل هذه الجملة- رغم إيجازها- تحقق الكثير منالأغراض، وهي:
- أولاً: توضح طبيعة الموضوع الذي تتناولهالرسالة.
- ثانيًا: تمثل خطوةً أولى في خلخلة الوضع النفسيلهم.
- ثالثًا: تمثل وضعًا مثيرًا أو يدعو إلى التفكير والبحثوالدراسة عمَّن هو هذا الذي يتحدث سليمان باسمه؟ والذي قال عنه: "الله، الرحمن،الرحيم"، فمن هو؟ وما قوته؟ وأين هو مما نعبد نحن؟ وأيهما حق؟ وأيهما باطل؟ وأيهماأقوى؟.. إلخ من ذلك الأسئلة.
صلب الموضوع:
﴿أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّوَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)﴾ (النمل).. هذا هو نهاية الرسالة وكلما يتعلق بها تم إيجازه بهذا الشكل المركز جدًّا دون إحالة أو إضاعة للوقت في القيلوالقال، والمقدمات.
الأول: النهي
﴿أَلاَّ تَعْلُواعَلَيَّ﴾أي عليهم أن يلزموا حدودهم ولا يتعدوا قدرهم، ويعودوا إلىصوابهم ويلزموا عقلهم ورشدهم، ويُنزلوا الآخرين "سليمان عليه السلام" قدره، ويعطونهمكانته التي تعلوهم، ويعرفوا قوته التي لا طاقة لهم بها والتي يستمدها أصلاً من قوةالله الرحمن الرحيم.
الثاني: الأمر
﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾
وأسلموا مع سليمان لله رب العالمين، دون استخدام أي نوع من أنواع القهر والإجبار أو القتال، فأي درجة من التناغم والتفاهم يمكن أن تحدث بين قائد وجنوده لتحقيق رسالتهم وأهدافهم بكفاءة وفعالية أعلى من ذلك؟!
لقد أكد الهدهد أن ما لديه من مبررات يقينية ومؤكدة ولاتحتمل التأليف أو الظن أو التخمين أو الافتراض، ولكنها تقوم على الحقائق المجردة،ولا شك أن لنا وقفة جاء أوانها الآن لنتعلم من الهدهد أحد فنون الإدارة والاتصالات،فيما أصبح يُعرف الآن بفن "صياغة التقارير"، والإلقاء والعرض؛ عسانا أن نجد فيها منالدروس ما ينفعنا.
وبداية فإن التقرير- سواء كان شفهيًّا أو مكتوبًا- ما هو إلاوعاء يحتوي معلومات يقدم إلى مستوى إداري أعلى للمساعدة على اتخاذ قراراته على بينةورشد.
والتقرير الجيد له مواصفات عديدة؛ أهمها أجزاؤه المتماسكةوالمتكاملة والموجزة والكافية، كلماته الواضحة، والمعبرة، والبعد عن الغموض، أوالتخمين، أو الإيجاز المخلّ، أو التطويل المملّ… إلخ.
وأهم أجزاء التقرير: مقدمة مشوقة، وصلب الموضوع، ثم خاتمةوتوصيات في النهاية.. فماذا عن تقرير الهدهد، وأين هو من كل هذه المواصفات؟!! تعالوا ننظر ونتأمل معًا.
1- المقدمة:
لقد تضمن تقرير الهدهد كافة عناصر التقرير الجيد، وأولهاوجود مقدمة مشوقة ومعبرة عن الموضوع الذي سوف يتناوله، وذلك حينما قال: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍيَقِينٍ﴾ (النمل: من الآية 22)، فالتشويق الكامل يأتي من قوله ﴿أَحَطتُبِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ فهي تثير في المستمع كل قوى الاستعداد والتحدي لسماع ماسوف يأتي بعد ذلك؛ ما هذا الشيء الذي يعرفه الهدهد وأحاط به ولا يعرفه سليمان؟!!! رغم إمكاناته والقوى المسخرة لخدمته؟؟
إعطاء المستمع أوالقارئ فكرةً عن طبيعة الموضوع، وذلك حينما قال: ﴿وَجِئْتُكَمِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾فالموضوع يتعلق بسبأ،
2- صلب الموضوع:
ثم أخذ الهدهد في سرد عناصر التقرير التي تمثل صلب الموضوعالأساس، وهو هنا يحاول إعطاء صورة كاملة، وشاملة، وصافية، وغير منقوصة، كما رأىفيما يتعلق بقوم سبأ هؤلاء، ويمكن لنا أن نتبين أن هذا الطلب قد تضمن عناصر عدة؛أهمها:
أ- نظام الحكم.
ب- القدرة الاقتصادية.
ت- النظام الاجتماعي ووضع المرأة فيه.
ث- النظام الحضاري والصناعي ومدى تقدمه.
ج- العقيدة الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم.
﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةًتَمْلِكُهُمْ﴾(النمل: من الآية 23) نظام الحكم، ووضع المرأةالاجتماعي.
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل: من الآية 23) القدرة الاقتصادية.
﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾(النمل: من الآية 23) الوضع الحضاري والصناعي والمهاري.
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَايَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: من الآية 24) الوضع الديني والعقدي.. عبادة الشمس.
﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُأَعْمَالَهُمْ﴾ (النمل: من الآية 24)… مدى رسوخ ذلك في نفوسهم.
﴿فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِفَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل: من الآية 24)..
صعوبة تغييرهموتحويلهم عن هذا الوضع إلا بخطة محكمة ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا.
3- التوصيات:
لم يقف الهدهد عند مجرد النقل والسرد؛ بل إننا نلاحظ تدخلرؤيته وتقييمه للأمور وحكمته، والتي وصلت مداها بتوصية لسليمان يوجهه فيها لطبيعةالقرار الذي يجب اتخاذه في مثل هذا الموقف وهذا يوضح أعلى الدرجات الإيجابيةوالمسئولية والمشاركة من مقدم التقرير إلى قائده، وذلك حينما يختم تقريره بقوله: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِيالسَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُلا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).
وهنا يتوقف سليمان ونتوقف نحن أمام هذا المستوى الراقي من جندي مبادر لا يكتفي بمجرد تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلق فهمه وإيمانه برسالةالمنظمة التي يعمل تحت لوائها، ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى في إتقان دوره بما ينعكسبأعلى درجات الكفاءة والفعالية على تحقيق وإنجاز هذه الرسالة.
الدرس الرابع: لا تبنِ قراراتك إلا على حقائق
\
لم يكد سليمان عليه السلام يسمع ذلك حتى بدأ في العمل دونإضاعة للوقت؛ حيث انصبَّ تفكيره على أمرين:
الأول: التأكد مما ساقه الهدهد من معلومات، وهل هي فعلاًبمثابة حقائق غير قابلة للجدل أو النقاش أو الاختلاف!
الثاني: البدء فورًا في رسم خطة عمل على أساس علمي ومدروس؛ليسوق لهؤلاء القوم فكرته وليبيع لهم بضاعته وليأخذ بأيديهم في نهاية المطاف إلىالدخول معه في دين الله الذي يؤمن به ويعمل له ويعيش من أجله.
والعجيب أن القائد الفذ سليمان عليه السلام اهتدى لوسيلةتخدم في الغرضين معًا، وهي أن يرسل الهدهد نفسه برسالة يحملها إلى ملكتهم ويرقب منبعيد ماذا يفعلون ويرجعون.. ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْكُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)﴾ (النمل).
فكأنه عليه السلام إنما أراد أن يتيقن من صدق الهدهد أوكذبه، من خلال هذا الكتاب "الرسالة" وفي نفس الوقت يتعرف على ردود أفعالهم تجاههاوطريقة تفكيرهم وأسلوبهم، ويمهد في نفس الوقت لعملية التغيير التي بدأ التخطيط لها،وذلك بإحداثه نوعًا من لفت الانتباه الشديد لهم إلى شيء آخر يجهلونه أقوى منهم،وأقدر عليهم، فهو يصل إلى ما لا يمكن أن يصل إليه أحد بسهولة، وهو مخدع الملكةنفسها.
الدرس السادس: رسالةنموذج
جزءٌ أعلى يحدد فيه:
- ممن الرسالة.
- ولمن.
- والموضوع.
ثم يذكر المطلوب الأساس بعد ذلك، وهو ما تضمنته هذاالإيجاز.
- فالرسالة من سليمان، بصرف النظر عن مدى علمهم من هو سليمانهذا أو عدم علمهم، وما هي يا تُرى قوَّته؟ وماذا يكون عليه ملكه؟
- أما لمن؟ فإنه ليس بالضرورة يجب كتابته؛ حيث ثم إلقاءالكتاب في يد من يراد له قراءته مباشرةً تقريبًا، ومن ثم ليس في الأمر غموض أو لبْسلمن توجه إليه، إنما التركيز هو ممن أتت.
- طبيعة الموضوع بإيجاز: ﴿وَإِنَّهُبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾هذا ما يمثِّل تقدمة عن طبيعةالموضوع الذي تحمله الرسالة، ولعل هذه الجملة- رغم إيجازها- تحقق الكثير منالأغراض، وهي:
- أولاً: توضح طبيعة الموضوع الذي تتناولهالرسالة.
- ثانيًا: تمثل خطوةً أولى في خلخلة الوضع النفسيلهم.
- ثالثًا: تمثل وضعًا مثيرًا أو يدعو إلى التفكير والبحثوالدراسة عمَّن هو هذا الذي يتحدث سليمان باسمه؟ والذي قال عنه: "الله، الرحمن،الرحيم"، فمن هو؟ وما قوته؟ وأين هو مما نعبد نحن؟ وأيهما حق؟ وأيهما باطل؟ وأيهماأقوى؟.. إلخ من ذلك الأسئلة.
صلب الموضوع:
﴿أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّوَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)﴾ (النمل).. هذا هو نهاية الرسالة وكلما يتعلق بها تم إيجازه بهذا الشكل المركز جدًّا دون إحالة أو إضاعة للوقت في القيلوالقال، والمقدمات.
الأول: النهي
﴿أَلاَّ تَعْلُواعَلَيَّ﴾أي عليهم أن يلزموا حدودهم ولا يتعدوا قدرهم، ويعودوا إلىصوابهم ويلزموا عقلهم ورشدهم، ويُنزلوا الآخرين "سليمان عليه السلام" قدره، ويعطونهمكانته التي تعلوهم، ويعرفوا قوته التي لا طاقة لهم بها والتي يستمدها أصلاً من قوةالله الرحمن الرحيم.
الثاني: الأمر
﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾
وأسلموا مع سليمان لله رب العالمين، دون استخدام أي نوع من أنواع القهر والإجبار أو القتال، فأي درجة من التناغم والتفاهم يمكن أن تحدث بين قائد وجنوده لتحقيق رسالتهم وأهدافهم بكفاءة وفعالية أعلى من ذلك؟!