اللهم صل على محمد وآل محمد
لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام طيلة ربع قرن نجماً ساطعاً يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، تجلي بنظراتها الحانية الهمّ والشجن عن نبي الرحمة صلى الله عليه وآله، حتى حان موعدها مع القدر في العاشر من رمضان في السنة العاشرة من البعثة عندما أسلمت الروح لبارئها وألقت برحيلها المفجع ظلالاً من الكروب والأحزان على قلب النبي، وكان ذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة، ودفنت في الحجون، حيث دخل النبي صلى الله عليه وآله قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين، في ذلك الوقت لم تكن صلاة الميّت قد شرّعت بعد، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أشهر، وقيل بأنّ الفترة بين الوفاتين هي من ثلاثة أيام إلى ثلاثة أشهر، وعلى أيّ حال، كان وقع ذلك شديداً على النبي الكريم الذي فقد نصيرين له، وقد سمّي ذلك العام بعام الحزن، وأعلن الحداد فيه. ما فتئ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول: لم يسيطر عليّ الحزن والهمّ طيلة حياة أبي طالب وخديجة. لقد ظلّت ذكرى خديجة والسنوات المشتركة خالدة وماثلة في ذاكرة النبي لم يمحها الزمان.
وصايا السيدة خديجة عليها السلام
لقد أوصت السيّدة خديجة عليها السلام النبي الكريم عدّة وصايا وهي على فراش الموت هي:
أن يدعو لها بالخير
أن يلحدها بيده
أن يدخل قبرها قبل دفنها
أن يضع مرطه الذي ادّثر به عند نزول الوحي، على كفنها.
إنّ السيّدة خديجة عليها السلام التي وهبت كل ثروتها وأموالها إلى الحبيب المصطفى لم تطلب في مقابل ذلك سوى مرط، ومع ذلك فهي لم تطلبه منه مباشرة، بل بواسطة ابنتها الزهراء عليها السلام. حينذاك نزل الوحي من عند الله العلي القدير بكفن من الجنّة.
قامت أمّ أيمن وأم الفضل (زوجة العباس) بغسل جسد السيّدة خديجة عليها السلام ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة.
في البداية قام الرسول الأكرم بوضع مرطه على الكفن، ثمّ وضع كفن الجنة عليها. كانت السيّدة خديجة عليها السلام في الرمق الأخير من عمرها تنظر بقلق إلى ابنتها الزهراء عليها السلام، فما كان من أسماء بنت عميس إلا أن تعهّدت لها بأن تكون أمّاً لها ليلة زفافها.
المزار الطاهر للسيدة خديجة
مقام قبر السيدة خديجة الطاهرة يقع المزار الطاهر للسيّدة خديجة عليها السلام في بطن جبل حجون حيث كان على مدى أربعة عشر قرناً مزاراً يحجّ إليه ملايين المسلمين في موسم الحجّ والعمرة، لينهلوا من فيض نوره، وقد أفتى العديد من المراجع العظام باستحباب زيارة القبر.
لقرون عديدة كانت تعلو القبر ضريح وقبة شامخة، حتى جاء العام 1344 هـ، فسوّي الضريح بالأرض من قبل الوهابية.
بعد رحيل السيّدة خديجة عليها السلام، كانت السيّدة الزهراء تحيط بالرسول الكريم كفراشة تحوم حول الشمعة، وتسأله: أبتاه، أين أمي؟ فكان الرسول الأعظم يواسيها بأن يذّكرها بمنزلة والدتها الرفيعة في الجنّة. ولقد أنشد أمير البيان وإمام المتقين الإمام علي عليه السلام قصيدة في رثاء السيّدة خديجة عليها السلام، يستعرض فيها مناقبها وجميل خصالها.
خديجة يوم الحشر
يصف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ورود خديجة يوم الحشر بهذه العبارات البليغة: يأتي لاستقبالها سبعون ألف ملك يحملون رايات زيّنت بعبارة «الله أكبر».