بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
ببالغ من الحزن والأسى نرفع كلمات التعازي إلى بقية الله في الأرض حضرة سيدي ومولاي الإمام القائم محمد ابن الحسن العسكري المهدي المنتظر (عليه السلام) والى جميع الأمة الإسلامية والى شيعة أمير المؤمنين والى العلماء ومراجع الدين بذكرى وفاة السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) أم المؤمنين والمؤمنات حليلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
إن السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) هي إحدى المظلومات اللائي ظلمهن الباحثون والمؤرخون بتقصيرهم في بيان دور هذه المرأة العظيمة في نصرة الإسلام والمسلمين بجميع ما تملك من أموال قدمتها هبة وهدية بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الغرض ، وهي أول امرأة دخلت في الإسلام وآمنت بالنبي وبدعوته الإسلامية قبل جميع الرجال - عدا الإمام علي عليه السلام – والنساء .
وبما أن فضل وفضائل السيدة خديجة الكبرى (عليها السلام) كثيرة لا يمكن كتمانها حاول بعض المغرضين والمبغضين ألفات النظر عن هذه السيدة الجليلة بالحديث عنها على أنها امرأة ثيب وليست باكراً عندما زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد تزوجت قبله مرتين ، إلا أننا في هذه المقالة سنرد على هذه الشبهة فنشرع بالرد ونقول :
وقعت مسألة زواجها (عليها السلام) قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) موضع نقاش وجدال بين الباحثين الإسلاميين فذهب أكثر المؤرخين والباحثين من العامّة إلى القول بأنها تزوجت قبل زواجها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين وأنها أنجبت من ذانّك الزوجين، وهذا ما ينفيه فريق من الباحثين الشيعة، ومن تلك المصادر التاريخية التي تشير إلى زواجها السابق :
1/ ذكر البلاذري في أنساب الأشراف أنّ خديجة (عليها السلام) كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أبي هالة هند بن النباش بن زُرارة الاسيدي ، من تميم ، ولدت له هند بن أبي هالة ، سمّي باسم أبيه . [13]
وقال البلاذري أيضا : ثم خلف عليها بعده - أي بعد أبي هالة - عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فطلقها ، فتزوّجها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانت خديجة عليها السلام ولدت لعتيق جارية ، يقال لها هند تزوجها صيفي بن أمية بن عابد . [14]
2/ وقال ابن حبيب صاحب كتاب المنمّق في معرض حديثه عن النباش : النباش أبو هالة زوج خديجة بنت خويلد (عليها السلام) قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فولدت له هالة وهنداً وهما رجلان . [15]
وقال ابن حبيب أيضا في كتابه المحبّر الذي ألفه بعد المنمّق في من تزوج ثلاث مرّات : كانت خديجة (عليها السلام) قبله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند أبي هالة هند بن النباش ؛ ثم عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
في المقابل نجد الباحثين والمؤرخين الشيعة - وبعد دراسات معمقة لزوايا الموضوع - يشككون في ذانّك الزوجين السابقين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويؤكدون أنها (سلام الله عليها) لم تتزوج قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحد قط . ومن القرائن والأدلة التي تدعم ما ذهب إليه الباحثين الشيعة هو :
1/ قال ابن شهر أشوب : وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر الطوسي في التلخيص : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج بها وكانت عذراء . يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة (عليها السلام) . [16] ومن الواضح أن ذيل كلامه لا يخلو من إشكال فإنّ المصادر التأريخية تؤكد بأنّ رقية وزينب هن بنات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة . [17] .
2/ قال أبو القاسم الكوفي : إن الإجماع من الخاص والعام ، من أهل الآثار ونقلة الأخبار ، على أنّه لم يبق من أشراف قريش ، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم ، إلا من خطب خديجة ، ورام تزويجها ، فامتنعت على جميعهم من ذلك ، فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون خديجة ، يتزوجها أعرابي من تميم ، وتمتنع من سادات قريش ، وأشرافها على ما وصفناه ؟! ألا يعلم ذوو التمييز والنظر : أنّه من أبين المحال ، وأفظع المقال .[18] .
لقد روي أنّه كانت لخديجة عليها السلام أخت اسمها هالة ، تزوجها رجل مخزومي ، فولدت له بنتاً اسمها هالة ، ثم خلف عليها - أي على هالة الأولى - رجل تميمي يقال له : أبو هند ، فأولدها ولدا اسمه هند ، وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية ، فماتت ، ومات التميمي ، فلحق ولده هند بقومه ، وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى ؟ فضمتهم خديجة إليها ، وبعد أن تزوجت بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ماتت هالة ، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وكان العرب يزعمون : أن الربيبة بنت ، ولأجل ذلك نسبتا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع أنهما ابنتا أبي هند زوج أخت خديجة (عليها السلام) .[19] .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
13/ البلاذري، أنساب الاشراف ، ج 15، ص 65.
14/ ابن حبيب، المنمّق، ص 247.
15/ ابن حبيب، المحبّر، ص 452.
16/ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ، ج 1، ص 159.
17/ ابن اثيرالجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 641.
18/ جعفر مرتضى العاملي ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ج 2، ص 123. نقلاً عن : (الاستغاثة ج 1، ص 70) .
19/ جعفر مرتضى العاملي ، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ج 2، ص 125.
تعليق