بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
نهنئ ونبارك للعالم الإسلامي عامة ، ولشيعة أهل البيت (عليهم السلام) خاصة ، بمناسبة قدوم عيد الفطر المبارك أحله الله على العراقيين وجميع بلاد المسلمين بالأمن والأمان وجعل الله جميع أيام بلاد المسلمين أعيادا ومسرة بحق محمد وعترته الطاهرة صلواتك عليهم أجمعين .
نلاحظ عند ثبوت العيد في بلادنا العراق الحبيب وفي غيره من البلدان الإسلامية أن جميع الناس في يوم العيد المبارك سواء كان عابداً وصائماً وقائماً في شهر الطاعة والغفران ، أم كان عاصياً ولم يمتثل لأمر رب العالمين ولم يصم ولم يصلي ولم يسجد لله رب العالمين في شهر ضيافة الرحمن ، يلبسون الثياب الجديدة ويسلم أحدهم على الأخر بتحية الإسلام ثم يهنئ بعضهم بعضا بتهاني عيد الفطر المبارك وهذا شيء جيد لا بأس به في حد نفسه .
إلا أننا عندما نحلل فلسفة عيد الفطر المبارك نجد أن العيد في الواقع والحقيقة قد خصه الله تعالى إكراما للطائعين والعابدين والذاكرين لله عز وجل في شهر رمضان المبارك في النهار بالصيام وتلاوة القران والتصدق على الفقراء والمساكين والأيتام . والليل بالتقرب إلى الله بالدعاء والصلاة وإحياء ليالي القدر الثلاثة .
فالعيد هو الفرحة الأولى التي يفرحها الصائم القائم لإنهائه شهر رمضان مع امتثاله فيه لأوامر ونواهي الرحمن - وللصائم أيضا فرحة ثانية عند لقاء ربه - والعيد هو الربح النهائي المضمون للمؤمن الذي اكتسبه في تجارته مع الله بالذكر والدعاء والصلاة والصيام والقيام ، وهذا العيد لا يشمل أكيدا العاصين والفاسقين والغافلين وأصحاب اللهو الذين ابتعدوا عن الله والطاعة واقتربوا من العصيان والشيطان . فالعيد للعبد الذي امتثل أوامر الله من الطاعات قاصدا وعد الله بدخول الجنات ، مبتعدا عن نواهي الله من المحرمات أمناً من وعيده بدخول النار .
ويؤيد هذه المعاني التي ذكرناها الروايات الشريفة المأثورة عن أهل البيت الطيبين الطاهرين التي تخص هذا العيد بالطائعين دون العاصين وإليكم بعضا منها :
1- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد) بإمكان كل واحد منا أن يجعل جميع أيامه عيداً بطاعته لله . فالضابطة على كون العيد عيدا هو الطاعة دون المعصية .
2- عن سويد بن غفلة قال: « دخلت عليه » أي على أمير المؤمنين سلام الله عليه « يوم عيدٍ فإذا عنده فاثور» فاثور: يعني صوان، يعني سفرة طعام يفطر، سفرة طعام يأكل فيها في العيد «عليه خبز السمراء » يعني الحنطة ، فكان الإمام علي يأكل خبز الحنطة « وصفحة فيها خطيفة » الخطيفة : لبن بالحنطة « وملبنة » ملعقة يأكل بها « فقلت : يا أمير المؤمنين ؛ يوم عيدٍ وخطيفةٍ ؟ فقال : إنما هذا عيدُ من غُفر له » هذا يوم عيد والإمام يأكل أكل الفقراء ، تواضع بين الشخص الآكل وبين الطعام المأكول ، أكله لبن وحنطة كل الناس يأكلونه ، ليس من أحد إلا يأكله ، خاصة أفقر الفقراء يأكل هذا الطعام ؛ يوم عيد لابد أن الإنسان يأكل شيئاً دسماً ! الإمام علي ماذا قال؟
لاحظوا جواب الأمير (عليه السلام) مفهوم العيد ليس أن تأكل بأصابعك الخمسة وأن تلبس الملابس الجديدة ، بل مفهوم العيد هو : « إنما هذا عيدُ من غُفر له » فالعيد هو لمن غفر له ، إذا الشخص الذي لم يغفر له هل يكون له عيدا ؟
كلا لأن طيلة الأيام في شهر رمضان عاش : في اللهو ، في اللعب ، ابتعد عن الطاعات وارتكب المحرمات ، عصى الله ، لم يتب من ذنوبه ، لم يوفق لذلك.
3- قال الإمام علي عليه السلام في بعض الأَعيَاد : إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ . نهج البلاغة » الحكم » الحكمة رقم ظ¤ظ¢ظ¥.
4- عن الإمام الحسن عليه السلام : « مر الحسن عليه السلام في يوم فطرٍ بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه » يريد يكتشف الضمائر وخفايا الناس يخرج كل الأحسن « فيستبقون فيه بطاعته » المفترض أن نتسابق إلى الطاعات {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} المائدة: 48، « إلى مرضاته » لا إلى غضبه « فسبق قومٌ ففازوا وقصَّر آخرون » اللهم لا تجعلنا منهم .« فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحكٍ لاعبٍ في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون » . « وأيم الله » قسم « لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه ، والمسيء مشغول بإساءته » .
5- قال رسول الله (ص) : « زينوا أعيادكم بالتكبير» لا نزين العيد باللعب ، ولا باللهو ، ولا بلبس الملابس الجديدة ، بل نزين العيد بذكر الله والزينة لابد لها من تهيئة مسبقة والتهيئة المسبقة هي ذكر الله تعالى والامتثال لأوامره ونواهيه في شهر رمضان .
اللهم صل على محمد وآل محمد
تعليق