اللهم صل على محمد وآل محمد
انحدر الإمام علي بن موسى الرضا(ع) من سلالة طاهرة مطهّرة، ارتقت سلّم المجد والكمال، وكان ابناؤها قمة في جميع مقومات الشخصية الإنسانية؛ في الفكر والعاطفة والسلوك، فهم نجوم متألّقة في المسيرة الإنسانية، والقدوة الشامخة في تاريخ الإسلام، استسلموا لله واقتدوا برسول الله(ص) وكانوا عِدلاً للقرآن الكريم.
أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) الوارث لجميع الخصال النبيلة والمآثر الحميدة كما وصفه ابن حجر الهيتمي قائلاً: «وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم»[1].
واُمّه اُم ولد سمّيت بأسماء عديدة منها: نجمة، وأروى، وسكن، وسمان، وتكتم، وهو آخر أساميها[2]، ولما ولدت الرضا(ع) سمّاها الإمام الكاظم(ع) بالطاهرة[3].
ولد (ع) في مدينة رسول الله(ص)، (11) ذي القعدة سنة (148 ه )، وقيل سنة (151 ه ) وقيل: (153 ه )، والقول الأول هو الآشهر[4].
وحينما ولد هنّأ أبوه اُمَّه قائلاً لها: ]«هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك»، فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذَّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنّكه به، ثم قال: «خذيه، فإنّه بقية الله تعالى في أرضه» [[5]، وسمّاه باسم جدّه أميرالمؤمنين(ع).
وقد لقّب بألقاب كريمة أشهرها: الرضا، الصابر، الزكي، الوفي، سراج الله، قرة عين المؤمنين، مكيدة الملحدين، الصدّيق، والفاضل[6].
وأشهر كناه: أبوالحسن. وللتمييز بين الإمام الكاظم(ع) والرضا(ع) يقال للأب: أبوالحسن الماضي،وللآبن: ابوالحسن الثاني.
ولد (ع) بعد ستة عشر عاماً من سقوط الدولة الاُموية وتأسيس الدولة العباسية، في ظروف اتّسع فيها الولاء لأهل البيت(ع) وتجذرت مفاهيمهم في عقول الاغلبية العظمى من المسلمين، وكان التعاطف معهم قائماً على قدم وساق، وذلك واضح من حوار هارون العباسي مع الإمام الكاظم(ع) حيث قال له: أنت الذي تبايعك الناس سرّاً؟، فأجاب(ع): «أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم»[7].
وكانت الأنظار متوجهة إلى الوليد الجديد الذي سيكون له شأن في المسيرة الإسلامية لترعرعه في أحضان العلم والفضائل والمكارم.
وكان الرضا(ع) كثير الرضاع، تام الخَلق، فقالت اُمّه: أعينوني بمرضع، فقيل لها: أنقص الدرّ؟! فقالت: ما أكذب، والله ما نقص الدرّ، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولدت[8].
وفي ظلّ المكارم والمآثر ترعرع الإمام الرضا(ع)، وتجسّدت فيه جميع القيم الصالحة بعد آن نهلها من المعين الزاخر بالتقوى والاخلاص والسيرة الصالحة مقتدياً بأبيه الكاظم للغيظ وأجداده العظام، وكان الإمام الكاظم(ع) يحيطه برعاية فائقة وعناية خاصّة.
فعن المفضّل بن عمر قال: «دخلت علي أبي الحسن موسى بن جعفر(ع)، وعلي ابنه في حجره، وهو يقبّله ويمصّ لسانه ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: بأبي أنت وأُمي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلا لك، فقال(ع): يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبي(ع)( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[9]، قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم»[10].
وكان الإمام الكاظم(ع) يحيط ابنه الرضا(ع) بالمحبّة والتقدير والتكريم ويخاطبه بلقبه وكنيته، فعن سليمان بن حفص المروزي قال: كان موسى بن جعفر بن محمد... يسمّي ولده علياً(ع): الرضا، وكان يقول: «اُدعوا اليَّ ولدي الرضا، وقلت لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال له: يا أبا لحسن»[11].
وكان يلهج بذكره ويثني عليه ويذكر فضله ليوجّه الأنظار إلى دوره الرائد في المستقبل القريب وكان يبتدئ بالثناء على ابنه علي ويطريه، ويذكر من فضله وبرّه ما لا يذكر من غيره، كأنه يريد أن يدلّ عليه[12].
المصادر :
[1] ـ الصواعق المحرقة: 203. المؤلف/ أحمد بن حجر الهيتمي المكي، القاهرة، مصر.
[2] ـ عيون أخبار الرضا: 1/26 ح 32.
[3] ـ عيون أخبار الرضا: 1/24 ح 2 و ص 26/ ح 3. وعنه أعلام الورى: ج 2، ص 41.
[4] ـ أعلام الورى:2/40 وعنه بحار الأنوار: 49/3 ح 4؛ ومناقب آل أبي طالب: 4/397 وعنه البحار: 49/10 ح 21.
[5] ـ عيون أخبار الرضا: 1/29 وعنه تفسير نور الثقلين: 3/312 ح 192.
[6] ـ مناقب آل أبي طالب: 4/396 وعنه بحارالأنوار: 49/10 ح 21.
[7] الصوائق المحرقة: 204.
[8] ـ عيون أخبار الرضا: 1/24 ح 2.
[9] ـ آل عمران: 34.
[10] ـ عيون أخبار الرضا: 1/40 ح 28 وعنه البحار: 49/20 ح 26.
[11] ـ عيون أخبار الرضا: 1/23 ح 2 وعنه البحار: 49/4 ح 6.
[12] ـ عيون أخبار الرضا: 1/38 ح 21 وعنه البحار: 49/18 ح 19.
---------------------------
منقول
تعليق