عالمية دولة الحق الالهية
عاشت البشرية منذ العصور الاولى تحت مظلة الاضطهاد ، وسيطرة الطواغيت على زمام الحكم بالقوة ، وأشاعة الرعب والخوف في قلوب الناس ، ليصبح الجميع عبيد تحت ظل عروشهم الخاوية والتسلط على رقابهم ، فأخذت هذه المجتمعات تنظر الى المخلص الذي يخلصهم من تلك القوقعة ويفك الاغلال عن رقابهم ، ويجعلهم احرارا في ممارسة حياتهم.
ولعب الانبياء (عليهم السلام) دورا مهما في انذار الناس ، ودعوتهم الى التوحيد الله وترك عبادة الاصنام ، الا ان هذه الدعوة لم تكن جزافا ، بل أطرت من الحق تعالى ، من حيث الاسلوب والمنهج ، حيث قال تعالى ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .
وهذا الاسلوب جلي وواضح في حياة الانبياء ، حيث الحكمة تقدم في دعواهم ومن ثم الموعظة ، لذا نرى الله سبحانه وتعالى لما أمر نبيه موسى عليه السلام ليذهب الى فرعون أن يخاطبه بخطاب للين وبأسلوب يكسبه له ، حيث قال تعالى ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) .
ونقرأ في زيارة النبي الاعظم محمد ( ص ) التي تدل على عمق دعوته الى الحق ، وتخليص المجتمع من الشرك والضلال ، وجاء في الزيارة ( وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة ) .
وقد أشارت الزيارة المباركة الى المنهج الالهي الذي رسمه الله تبارك وتعالى للانبيائه ومنهم خاتم الرسل ، الذي انتشل تلك الامة التي ساد فيها قتل النفس المحترمة ، وكل ما هو ما لا يناسب الواقع الانساني ، حيث غير رسول الله (ص) المنهج السلوكي في حياة أهل الجزيرة العربية ، حتى رتفعت كلمة لا إله الا الله ، وكل هذا كان ضمن الاطار الالهي الذي رسمه الله الى انبيائه ، ليستنقذ عباده من الشرك وحيرة الضلالة .
والمتتبع لآيات القرآن الكريم وروايات أهل بيت العصمة عليهم السلام ، يتيقن أن أسلوب وحكمة الامام المهدي (عجل الله فرجه ) ، هي ذلك الامتداد الذي لايمكن ان ينقطع في زمن ما ، لانه الحقلة المتواصلة للانبياء جميعهم ، حيث نقرأ في دعاء الندبة ( أين مؤمل الانبياء ) .
ومن الادلة القرآنية على ذلك قوله تعالى ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) ، فمبا أن الخطاب للرسول الله (ص) حيث انه ارساله رحمة للعالمين جميعا ، وليس مقتصرا على فئة معينة ، وكذا ولده الامام الحجة (عج) يكون خروجه رحمة للعالمين ، وقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام قال : خروج قائمنا كخروج رسول الله .
ومن العلائم القرآنية الدالة عالمية دولة الحق التي يقوم بها الامام الحجة (عج) هي قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا )
حيث جاءت البشارة الالهية لرسوله الكريم (ص) بأظهار دينه على جميع الايادن ، الملاحظ ان النبي الخاتم (ص) لم ينشر الاسلام في ربوع المعمورة ايام نبوته بل كان مقتصرا بعض البلدان ، لكن عالمية الاسلام المحمدي الاصيل ستكون في اخر الزمان على يد الامام المهدي (عجل الله فرجه ) كما بشر به (ص) ، ولا يبقى شجر ولامدر ولاحجر حتى يشهد بالتوحيد والنبوة والامامة ، فبذلك تتحق عالمية دولة الاسلام .
بقلمي : الاستاذ بدر ناصر الناصري
تعليق