بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
یصادف هذا اليوم الأول من شهر ذي الحجة، ذكرى زواج الإمام علي من السيدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام) فهنيئاً لنا ولكم هذه المناسبة وكلّ عام والموالون بخير ببركة هذه المناسبة العطرة وقد سمي بزواج النورين..
بمهر قليل جداً، ووليمة عرس متواضعة، وبأمر من الله سبحانه، تم زواج النور من النور، وضم بيت الزوجية البسيط، فاطمة الزهراء إلى علي بن أبي طالب(ع)؛ ليكون مركز الإشعاع الذي سيستمر العطاء الإلهي من خلاله، فيملأ الأكوان بنور الإسلام والقرآن، بعد أن اكتمل الدين على يدي رسول الله (ص)، وتمت النعمة على المسلمين، ورضي المولى سبحانه وتعالى الإسلام ديناً للعالمين.
انتقلت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلى البيت الزوجي وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوّة الى دار الإمامة والولاية، فهي تعيش في جوّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته.
ولم يكن رسول الله(ص) ليترك هذا الغرس النبويّ دون أن يرعاه ويحتضنه بتوجيهه وعنايته، فعاش الزوجان في ظلّ رسول(ص) وفي كنفه ومنحى(ص) فاطمة بعد زواجها ما لم يمنحه لأحد من الحبّ والنصيحة والتوصية، فقد علّمها أبوها(ص) معنى الحياة، وأوحى لها بأنّ الإنسانية هي جوهر الحياة، وأنّ السعادة الزوجية القائمة على الخلق والقيم الإسلامية هي أسمى من المال والقصور والزخارف وقطع الأثاث وتحف الفن المزخرفة.
وتعيش فاطمة الزهراء في كنف زوجها قريرة العين سعيدة النفس، لا تفارقها البساطة ولا يبرح بيتها خشونة الحياة، فهي الزوجة المثالية، زوجة عليّ عليه السلام بطل المسلمين، ووزير الرسول(ص) ومشاوره الأول، وحامل لواء النصر والجهاد، وعليها أن تكون بمستوى المسؤولية الخطيرة، وأن تكون لعليّ كما كانت اُمّها خديجه لرسول الله(ص) تشاركه في جهاده وتصبر على قساوة الحياة ورسالة الدعوة الصعبة.
لقد كانت حقاً بمستوى مهمتها التي اختارها الله تعالى لها، فكانت القدوة الصالحة للمسلم الرسالي وللمرأة النموذجية المسلمة.
البيت الوحيد الذي كان يضمّ بين جدرانه زوجين معصومين مطهّرين منزّهين عن ارتكاب الذنوب واكتساب المآثم، يتصفان بالفضائل الأخلاقية والكمال الإنساني هو بيت علي وفاطمة عليهما السلام.
فعليّ عليه السلام نموذج الرجل الكامل في الإسلام، وفاطمة نموذج المرأة الكاملة في الإسلام، ترعرعا في ظلّ النبي الأكرم(ص) وغذّاهما بالعلم وسائر الفضائل، واستأنست آذانهما الواعية منذ الصغر بالقرآن الكريم وهما يسمعان النبيّ(ص) يرتّله ليلاً ونهاراً وفي كلّ آن، وأطلاّ على الغيب وارتشفا العلوم والمعارف الإسلامية من معينها الأصيل ومنبعها العذب، ورأيا الإسلام يتحرّك في شخص رسول الله(ص) فكيف إذن لا تكون اُسرتهما النموذج الأمثل للاُسرة المسلمة؟.
كان بيت عليّ وفاطمة عليهما السلام أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، وقضى رسول الله(ص) بخدمة فاطمة دون الباب وقضى على عليّ عليه السلام بما خلفه.
لقد كانت بنت النبيّ الأكرم تبذل قصارى جهدها لإسعاد اُسرتها، ولم تستثقل أداء مهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، حتى أنّ عليّاً أمير المؤمنين(ع) رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: «ألا اُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله(ص) إليه، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ(ص) فوجدت عنده حدّاثاً فاستحت فانصرفت».
قال علي عليه السلام: فَعلم النبيّ(ص) أنّها جاءت لحاجة، قال عليه السلام: فغدا علينا رسول الله(ص) ونحن في لِفاعنا، فقال(ص): السلام عليكم، فقلت: وعليك السلام يا رسول الله اُدخل، فلم يعد أن يجلس عندنا، فقال(ص): يا فاطمة، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟ قال عليه السلام: فخشيت إن لم تجبه أن يقوم، فأخبره عليّ بحاجتها، فقلت: أنا والله اُخبرك يا رسول الله إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل، فقال(ص): "أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين".
عاشت الزهراء عليها السلام في بيت أعظم شخصية إسلامية بعد الرسول الأعظم(ص) على الإطلاق، رجل مهمته حمل راية الإسلام والدفاع عنه.
وكانت الظروف السياسية حسّاسة وفي غاية الخطورة يوم كانت جيوش الإسلام في حالة إنذار دائم، إذ كانت تشتبك في حروب ضروس في كلّ عام، وقد اشترك الإمام عليّ عليه السلام في أكثرها.
وكانت الزهراء توفّر الجوّ اللازم والدفء والحنان المطلوب في البيت المشترك، وبهذا كانت تشترك في جهاد عليّ أيضاً فإنّ جهاد المرأة حسن التبعّل كما ورد في الحديث الشريف.
لقد كانت الزهراء عليها السلام تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه وتمتص آلامه، وتسرّي عنه أتعابه، حتى قال الإمام عليّ عليه السلام: " ولقد كنت أنظر اليها فتنجلي عنّي الغموم والأحزان بنظرتي اليها".
ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة عليها السلام من بيتها يوماً بدون إذن زوجها، وما أسخطته يوماً وما كذبت في بيته وما خانته وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ عليه السلام بنفس الاحترام والودّ وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: «فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً».
هكذا عاش هذان الزوجان النموذجيان في الإسلام، وأدّيا واجباتهما، وضربا المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية السامية، كيف لا؟ وقد قال النبيّ(ص) في ليلة الزفاف لعليّ عليه السلام: «يا عليّ، نِعمَ الزوجة زوجتك» وقال لفاطمة عليها السلام: «يا فاطمة نعِم البعل بعلُك».
وقال(ص): «لو لا عليّ لم يكن لفاطمة كفؤ».
هكذا كانت فاطمة(ع): ابنة داعية، وزوجة عاملة، وأماً مربية، وقانتة عابدة، وكانت إلى ذلك، المتكلمة الفصيحة، والمتحدثة البليغة، والعالمة العارفة.. وصفات أخرى لا يبلغ كنهها المتكلمون، ولا يصل إلى مداها العادّون، ومن أحق أن يكون كذلك سواها؟! وقد استقت من فيض النور الإلهي الذي خلقت منه، وحباها الله به، وقبست من شعلة النبوة التي عاشت في كنفها، ورضعت لبانها الصافي، ونهلت من نبع الإمامة، تشهد تفجره في بيتها، وتسعد بتدفقه وجريانه من بين يديها. ولم لا تكون كذلك؟ وهي بنت سيد المرسلين، وقرينة سيد الوصيين، وأم الأئمة الأبرار المطهرين، وهي في نفسها سيدة نساء العالمين..
فهي الرمز المقدس، والأنموذج الكامل، والمثال الذي يقتدى، والأسوة التي تحتذى، سلام عليها في الأولين، وسلام عليها في الآخرين..
تعليق