اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: ما الذي جعل الامام زين العابدين عليه السلام يتأخر عن دفن اهل بيته عليهم السلام ثلاثة ايام وبأمكانه أن يأتي باليوم الاول أو الثاني. ولا شك بأنه لديه الولاية التكوينية ؟؟؟
الجواب: لابد أن تكون الإجابة من منظورين:
أولاً: من المنظور الطبيعي لحال الامام زين العابدين(ع)
حيث أنه كان في حال لا يمكنه أن يتوجه الى دفن الأجساد إلا بعد أن يستقر به الوضع في الكوفة بحيث يستطيع أن يتخفى عن أنظار القوم دون أن يشعروا به، لانه لا يستطيع أن يتخفى عنهم وهو في الطريق الى الكوفة بسبب وجود الرقابة المشدّدة عليه، فغيابه حينئذٍ سيلفت نظر الأعداء وبالتالي سيكون عُرضةً للقتل حين رجوعه، لذا قام بتأجيل دفن الأجساد الطاهرة الى حين استقرار الوضع نسبياً.
ثانياً: من المنظور الغيبي ومن جهة الحكمة الإلهية فيمكن الجواب على ذلك بعدة أمور كلها محتملة وأهمها:
1- إنّ في التأخير ابتلاءً لنفس الإمام الحسين(ع)
مما ينتج له أعلى الدرجات التي وعده بها رسول الله(ص) بقوله(إنّ لك مقامات في الجنة لا تنالها إلا بالشهادة)
فيكون عليه السلام قد حاز على تلك الشهادة التي أنتجت له هذه النتيجة العظيمة بسبب ما أعقبها الكثير من الأحداث والتي منها بقاء الأجساد الطاهرة على رمضاء كربلاء تصهرها حرارة الشمس لمدة ثلاثة أيام.
2- إنّ ثورة الامام الحسين(ع) تحتوي على عدة جوانب(فكرية وثقافية وإعلامية وعسكرية وعاطفية) فإذا نظرنا إلى الجنبة العاطفية فقط فإننا سنجد أنّ الثورة قد توفرت فيها الكثير من المواقف التي تثير العاطفة والبكاء،
ومنها تأجيل دفن الأجساد الطاهرة وهي مصيبة عظيمة بحد ذاتها تظهر لنا مدى الظلم الذي وقع على آل الرسول..
3- في واقعة الطف حصلت الكثير من الحوادث التي فيها دلالة واضحة على وجود الغضب الإلهي بسبب تخاذل المجتمع عن نصرة الامام(ع)
فظهر الغضب الإلهي بأن مطرت السماء دماً، وكلما كان يُرفع حجر فإنه يوجد تحته الدم..
وكذلك يمكن أن يكون الغضب الإلهي قد ظهر ببقاء الجسد الطاهر ثلاثاً من دون أن يدفن..
4- روي أنه لما وصل حبيب بن مظاهر الاسدي إلى كربلاء ورأى قلَّة الأنصار وكثرة الأعداء،
قال للإمام الحسين (ع):
إنَّ ههنا حيَّاً من بني أسد قريباً فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتُهم إلى نصرتك؟
فأذِن له الإمام(ع)
فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم..
فاستجابوا له وتوجه معه ما يقارب تسعين فارساً إلا أنّ عمر بن سعد بعث إليهم من جيشه مَن يعترضهم ويمنعهم من الوصول الى معسكر الإمام الحسين(ع)
فهؤلاء قد عوّضهم الله سبحانه بشرف المشاركة في دفن الأجساد بعد إنتهاء المعركة واستقرار الوضع الأمني آنذاك..
5- إنّ في التأخير ابتلاءً وامتحاناً لعائلة الحسين(ع) الذين تحمّلوا مسؤولياتهم بعد واقعة الطف بما فيهم
الإمام السجاد(ع)
فإنهم مروا بصعوبات ومصائب قلَّ نظيرها وكل ذلك ينتج لهم مقاماتهم الخاصة التي ادخرها الله تعالى لهم بسبب مساهمتهم في ثورة الإمام الحسين(ع)
لينهلوا من ذلك العطاء الخاص كلٌ بحسبه واستحقاقه.
ومن تلك الفجائع التي ابتلوا بها هي أن يتركوا سيدهم وإمامهم وحبيبهم مقطعاً على ثرى الطف..فلقد ساروا بهم إلى الكوفة وعيونهم تنظر الى تلك الاجساد الزواكي بتلك الحالة التي أبكت الحجر دماً فكيف بهم وقد عاشوا في كنفه وتحت ظله وقتاً طويلاً من الزمن يحنو عليهم بعطفه وحنانه ويمدهم بالتربية المركزة علماً وعملاً.
فليس من السهل على الفرد أن يترك أخاه أو أباه أو زوجه بتلك الحالة، فكيف إذا كان هذا الشهيد هو شيخهم وسيدهم وإمامهم.
فكانت في ذلك بلاءات مضاعفة ترفع من شأنهم ودرجاتهم إذا قابلوها بالصبر والتسليم وعدم الإعتراض على ما أراده الله سبحانه وتعالى..
أعظم الله لنا ولكم الأجر بهذا المصاب الجلل ....
تعليق