مفهومُ التّشيعِ وآفاقُ الإنفتاحِ الحضاري
وليس الأمر بمعزل عن العنوان الأوسع للساحة الإسلامية الكبرى، فكلٌ يدور في فلك الإنماء الفكري والفلسفي، ونال حظه الأوفر في الدعوة لألفة القلوب واستئناسها بالمعبود المطلق جل وعلا...
ولكن الخصوصية التي حملها مذهب أهل البيت عليهم السلام أنه لم يتوانَ طيلة عهود تصديه لرفع حجب الرين عن موسوعة الإسلام الكونية، لتبقى متألقة بنضارة أحكامها، وتفرعاتها الدقيقة التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها.
فكان من أساسيات التشيع ليس فقط الإتباع والنصرة أو المحبة والموالاة لأئمة أهل البيت عليهم السلام، وإنما اضفاء النور على كل عتمة في زوايا الحيرة والجهالة التي نصب المنحرفون ومتبعو الأهواء المضلة أشراكها في سبيل التفسخ والضياع.
والمتتبع اللبيب للسنين التي عاشها أئمة أهل البيت عليهم السلام يجدهم لم يدخروا وسعا في رفد الأديان والطوائف التي كانت تستجلي الهداية، وتبحث عن تعاليم الدين الإسلامي بمسائل وقضايا فيها الإستطباب والدواء الناجع الذي طالما تحيّرت الأمم السالفة في إيجاده، ولم تسعفهم مللهم التي يتبعونها هم وآباؤهم، في شفاء غليل النفس الإنسانية الطامحة على مر العصور إلى معرفة كل الحقائق، وما يدور في فلك الإنسان من موجودات.
فكان الخط الرسالي لمذهب التشيع، والدفاع عن أساسياته التشريعية، وملامحه العقائية، مع كل العلماء الأجلاء الذين تمسكوا بحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، في الذب عن حرمات الدين، ورفع الشبهات التي يروّج لها مطفئو السنن، وشذاذ الأحزاب، الذين أعمتهم الحجج الدامغة والبراهين الساطعة في كل سطر وضّاء من صفحات التشيع المشرقة على مر التاريخ...
فبدل أن يهتدوا ويرعووا فيما آتاهم الله من نعمه... تلك المذاهب التي أغارت علينا على حين غرة، باتوا يدقون الفتن، ويقرعون التكفير والتناحر، تسندهم الإمكانيات والسياسة الهوجاء... فمثلهم في كتابه العزيز أن قال سبحانه وتعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشيْطانُ فَكانَ مِنَ الغاوِينَ).
من هذه المنطلقات والظروف التي أحاطت بمفهوم التشيع باعتباره الناطق الرسمي للرسالة النبوية المباركة، تكون الأمة الإسلامية بأشد الحاجة اليوم إلى التمسك بتلك الرؤى والآفاق الحضارية التي حمل رايتها مولى المؤمنين والمؤمنات علي بن أبي طالب عليه السلام في دعوته لأن يسخر الإنسان كل طاقاته في استثمار خيرات الأرض للنهوض بالنوع الإنساني إلى أعلى مراتب الشرف والسمو كما أراد له سبحانه...
تعليق