السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
********************
كيف يكون هناك انس دنيوي وانس برزخي وانس أخروي في الاقتداء بالسيدة زينب عليها السلام؟
الأنس من أنس إلى فلان أنس بفلان: سكن إليه وذهبت به وحشته ألفه وارتاح إليه.
والأنس يقابل الوحشة وهو سرور وانشراح النفس بالمحبوب وسكينة واطمئنان القلب بالمرغوب وانسجام العقل وارتياحه للمطلوب.
وتختلف طبيعة المأنوس به من شخص لآخر تبعاً لاختلاف الرؤى والميول والرغبات فضلاً عن الاختلاف الفكري والمعرفي والنفسي بينهم فالبعض يأنس بالشهوات والملذات من أطعمة وألبسة وما إلى ذلك وهو أدنى أنواع الأنس فيما يأنس من تكون نفسه ألطف ومشاعره ارهف بالمناظر الطبيعية الخلابة وبالزهور وتأمل البحر مثلاً في حين أن المهتم بتغذية العقل والمنطق يأنس بالعلم والمعرفة فتجده يلتذ كلما فهم مسألة جديدة ويمتع قلبه وعقله في بساتين السطور قاضياً برفقتها أوقاتاً سعيدة وأما الأولياء فلا يأنسون إلا بالله (تعالى) والسبيل المؤدي إليه.
ومقام الأنس به (جل وعلا) من أعلى مقامات اليقين لا يصله أيُّ أحد من العالمين إنما هو مقام يقتصر على الأوحدين لأنه مقام يكمن فيه الرضا التام الذي لا يشوبه اعتراض والسعادة الخالصة التي لا يكسرها حزن والقوة الحقيقية التي لا يساورها وهن والعزة الكاملة التي لا يعتريها ذل.
ومن أوضح مصاديق من بلغ هذا المقام الرفيع هم الرسول الأكرم محمد وعترته الطاهرة (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام)لا سيما السيدة زينب (سلام الله عليها) التي نعيش ذكرى أسرها بعد مصابها بأعزتها (عليهم السلام)فهي بالرغم من كل ما واجهته من نوائب وما ألّمتها من مصائب وما وقع في الطف من مواقف مفجعة وما تلتها من أحداث مروِّعة،إلا أنها لم تنسَ صلاة الليل وهي بعدُ لم يمر على فقدها لأحبتها سوى سويعاتٍ قليلةٍ بل وأحالت تلك الليلة الغاية في الوحشة بسبب فقد الأهل والأحبة إلى ليلة أنس بأحب الأحبة ولا غروَ في ذلك أليست هي بنت من توَرمت قدماها من قيام الليل وبنت من أقام في ليلة الهرير صلاة الليل؟!
أليست هي ذات الإيمان الصلب الذي لم تزعزعه مصائب كربلاء على شدة قسوتها ولم تنل معركة الطف من قوته قيد أنملة على شدة ضراوتها؟!
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)من خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسه الله عز وجل بغير أنيس وأعانه بغير مال.
كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه انسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش.
ومن علامات بلوغ هذا المقام السامي هو الالتذاذ بالطاعات، والشوق إليها ومراقبة موعد حلولها في الأوقات، والوحشة من الناس والنزوع الى مناجاة الحبيب في الخلوات والتسليم التام لكل ما يقضي به رب الأرض والسموات وإن كان مخالفاً لطبع النفس وما جُبِلت عليه من رغبات.
ولو تأملنا بكل تلك الصفات لوجدناها مجتمعة في فخر المخدرات فقد خطفها التذاذها بالطاعات من بين كل تلك الأحداث الأليمة لتصلي صلاتها وتجدد في نفسها القوة والعزيمة وهي التي رفعت طرف جثمان خامس أهل الكساء قائلةً: ربنا تقبل هذا القربان" مسجلةً بذلك أرقى صور الرضا والتسليم للقضاء..
تلك هي العظيمة الحوراء زينب (عليها السلام) وذلك هو أنسها في الحياة الدنيا الذي أمدّها بالقوة والتصميم على تحقيق الهدف من القيام الحسيني، وبالرضا والتسليم للقضاء الإلهي. فحريٌّ بمن تقتدي بها –بل بمن يقتدي بها أن تحقق ذلك الأنس ولا تنثني لصروف الدهر ولا لما تمر به من شدة أو عسر.
ومن الجدير بالذكر أن الأنس بالله (تعالى) في الحياة الدنيا ينعكس على العوالم التي تليها، وبعبارة أوضح: أن الأنس الدنيوي يثمر أنساً برزخياً وأنساً أخروياً.
فأما الأنس البرزخي فيكون بمؤانسة الأرواح المؤمنة لبعضها البعض في ذلك العالم فقد روي عن حبة العرني أنه قال:خرجت مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الظهر أي ظهر الكوفة فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتّى أعييت ثمّ جلست حتّى مللت ثمّ قمت حتّى نالني مثل ما نالني أوّلا ثمّ جلست حتّى مللت ثمّ قمت و جمعت ردائي فقلت يا أمير المؤمنين إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ثمّ طرحت الرّداء ليجلس عليه .
فقال عليه السّلام لي : يا حبّة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته قال : قلت : يا أمير المؤمنين وإنّهم لكذلك ؟ قال عليه السّلام : نعم و لو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون.
فقلت : أجساد أم أرواح ؟
فقال عليه السّلام لي :أرواح وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاّ قيل لروحه : ألحقي بوادي السلام وانّها لبقعة من جنّة عدن
فهذه الرواية تدل على أنس المؤمنين ببعضهم في عالم البرزخ بل والتحاقهم بوادي السلام الذي هو بقعة من جنة عدن.
كما أكدت كتب الحديث أن عمل الإنسان يؤثر تأثيراً كبيراً في قبره فإما أن يجعله روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران والاقتداء ببنت سيدة النساء زينب الحوراء (عليهما السلام) بلا شك يثمر في عالم البرزخ روضة من رياض الجنان وأنساً برزخياً..
ميزان الحكمة ج1 ص235
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ج1 ص228
وأما أثر هذا الاقتداء في عالم الآخرة فواضح وضوح الشمس لأنه إن لم يثقل كفة الحسنات فإنه يسهم في تحصيل الشفاعات إذ من تجعل الصديقة الصغرى قدوة لها في حركاتها وسكناتها إن لم ترد الجنان بفضل الله (تعالى) فإنها بلا ريب ممن تستحق شفاعة أهل البيت (عليهم السلام)وفي كلتا الحالتين لا تعدم الأنس الأخروي سواء بالتنعم بنعيم الجنان أو بمصاحبة الأهل والأحبة أو بالتنعم برؤية الصفوة الطاهرة (عليهم السلام)أو ببلوغ مقام الرضوان الالهي وذلك أعلى درجات الأنس الأخروي.
قال (تعالى)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
مما تقدم يتضح جلياً أن المواظبة على طاعة الله (تعالى) تثمر الأنس به (جل وعلا) وأن الأنس به في الدنيا يورث الأنس في البرزخ وفي الآخرة وقد جسدت لنا الحوراء زينب (عليها السلام) الأنس بالله (تعالى) في الدنيا في أجلى صوره وبذلك يكون الاقتداء بها محققاً للأنس في العوالم الثلاث الدنيا والبرزخ والاخرة.
اللهم صل على محمد وال محمد
********************
كيف يكون هناك انس دنيوي وانس برزخي وانس أخروي في الاقتداء بالسيدة زينب عليها السلام؟
الأنس من أنس إلى فلان أنس بفلان: سكن إليه وذهبت به وحشته ألفه وارتاح إليه.
والأنس يقابل الوحشة وهو سرور وانشراح النفس بالمحبوب وسكينة واطمئنان القلب بالمرغوب وانسجام العقل وارتياحه للمطلوب.
وتختلف طبيعة المأنوس به من شخص لآخر تبعاً لاختلاف الرؤى والميول والرغبات فضلاً عن الاختلاف الفكري والمعرفي والنفسي بينهم فالبعض يأنس بالشهوات والملذات من أطعمة وألبسة وما إلى ذلك وهو أدنى أنواع الأنس فيما يأنس من تكون نفسه ألطف ومشاعره ارهف بالمناظر الطبيعية الخلابة وبالزهور وتأمل البحر مثلاً في حين أن المهتم بتغذية العقل والمنطق يأنس بالعلم والمعرفة فتجده يلتذ كلما فهم مسألة جديدة ويمتع قلبه وعقله في بساتين السطور قاضياً برفقتها أوقاتاً سعيدة وأما الأولياء فلا يأنسون إلا بالله (تعالى) والسبيل المؤدي إليه.
ومقام الأنس به (جل وعلا) من أعلى مقامات اليقين لا يصله أيُّ أحد من العالمين إنما هو مقام يقتصر على الأوحدين لأنه مقام يكمن فيه الرضا التام الذي لا يشوبه اعتراض والسعادة الخالصة التي لا يكسرها حزن والقوة الحقيقية التي لا يساورها وهن والعزة الكاملة التي لا يعتريها ذل.
ومن أوضح مصاديق من بلغ هذا المقام الرفيع هم الرسول الأكرم محمد وعترته الطاهرة (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام)لا سيما السيدة زينب (سلام الله عليها) التي نعيش ذكرى أسرها بعد مصابها بأعزتها (عليهم السلام)فهي بالرغم من كل ما واجهته من نوائب وما ألّمتها من مصائب وما وقع في الطف من مواقف مفجعة وما تلتها من أحداث مروِّعة،إلا أنها لم تنسَ صلاة الليل وهي بعدُ لم يمر على فقدها لأحبتها سوى سويعاتٍ قليلةٍ بل وأحالت تلك الليلة الغاية في الوحشة بسبب فقد الأهل والأحبة إلى ليلة أنس بأحب الأحبة ولا غروَ في ذلك أليست هي بنت من توَرمت قدماها من قيام الليل وبنت من أقام في ليلة الهرير صلاة الليل؟!
أليست هي ذات الإيمان الصلب الذي لم تزعزعه مصائب كربلاء على شدة قسوتها ولم تنل معركة الطف من قوته قيد أنملة على شدة ضراوتها؟!
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)من خرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة آنسه الله عز وجل بغير أنيس وأعانه بغير مال.
كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه انسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش.
ومن علامات بلوغ هذا المقام السامي هو الالتذاذ بالطاعات، والشوق إليها ومراقبة موعد حلولها في الأوقات، والوحشة من الناس والنزوع الى مناجاة الحبيب في الخلوات والتسليم التام لكل ما يقضي به رب الأرض والسموات وإن كان مخالفاً لطبع النفس وما جُبِلت عليه من رغبات.
ولو تأملنا بكل تلك الصفات لوجدناها مجتمعة في فخر المخدرات فقد خطفها التذاذها بالطاعات من بين كل تلك الأحداث الأليمة لتصلي صلاتها وتجدد في نفسها القوة والعزيمة وهي التي رفعت طرف جثمان خامس أهل الكساء قائلةً: ربنا تقبل هذا القربان" مسجلةً بذلك أرقى صور الرضا والتسليم للقضاء..
تلك هي العظيمة الحوراء زينب (عليها السلام) وذلك هو أنسها في الحياة الدنيا الذي أمدّها بالقوة والتصميم على تحقيق الهدف من القيام الحسيني، وبالرضا والتسليم للقضاء الإلهي. فحريٌّ بمن تقتدي بها –بل بمن يقتدي بها أن تحقق ذلك الأنس ولا تنثني لصروف الدهر ولا لما تمر به من شدة أو عسر.
ومن الجدير بالذكر أن الأنس بالله (تعالى) في الحياة الدنيا ينعكس على العوالم التي تليها، وبعبارة أوضح: أن الأنس الدنيوي يثمر أنساً برزخياً وأنساً أخروياً.
فأما الأنس البرزخي فيكون بمؤانسة الأرواح المؤمنة لبعضها البعض في ذلك العالم فقد روي عن حبة العرني أنه قال:خرجت مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الظهر أي ظهر الكوفة فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتّى أعييت ثمّ جلست حتّى مللت ثمّ قمت حتّى نالني مثل ما نالني أوّلا ثمّ جلست حتّى مللت ثمّ قمت و جمعت ردائي فقلت يا أمير المؤمنين إنّي قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ثمّ طرحت الرّداء ليجلس عليه .
فقال عليه السّلام لي : يا حبّة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته قال : قلت : يا أمير المؤمنين وإنّهم لكذلك ؟ قال عليه السّلام : نعم و لو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون.
فقلت : أجساد أم أرواح ؟
فقال عليه السّلام لي :أرواح وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاّ قيل لروحه : ألحقي بوادي السلام وانّها لبقعة من جنّة عدن
فهذه الرواية تدل على أنس المؤمنين ببعضهم في عالم البرزخ بل والتحاقهم بوادي السلام الذي هو بقعة من جنة عدن.
كما أكدت كتب الحديث أن عمل الإنسان يؤثر تأثيراً كبيراً في قبره فإما أن يجعله روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران والاقتداء ببنت سيدة النساء زينب الحوراء (عليهما السلام) بلا شك يثمر في عالم البرزخ روضة من رياض الجنان وأنساً برزخياً..
ميزان الحكمة ج1 ص235
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ج1 ص228
وأما أثر هذا الاقتداء في عالم الآخرة فواضح وضوح الشمس لأنه إن لم يثقل كفة الحسنات فإنه يسهم في تحصيل الشفاعات إذ من تجعل الصديقة الصغرى قدوة لها في حركاتها وسكناتها إن لم ترد الجنان بفضل الله (تعالى) فإنها بلا ريب ممن تستحق شفاعة أهل البيت (عليهم السلام)وفي كلتا الحالتين لا تعدم الأنس الأخروي سواء بالتنعم بنعيم الجنان أو بمصاحبة الأهل والأحبة أو بالتنعم برؤية الصفوة الطاهرة (عليهم السلام)أو ببلوغ مقام الرضوان الالهي وذلك أعلى درجات الأنس الأخروي.
قال (تعالى)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
مما تقدم يتضح جلياً أن المواظبة على طاعة الله (تعالى) تثمر الأنس به (جل وعلا) وأن الأنس به في الدنيا يورث الأنس في البرزخ وفي الآخرة وقد جسدت لنا الحوراء زينب (عليها السلام) الأنس بالله (تعالى) في الدنيا في أجلى صوره وبذلك يكون الاقتداء بها محققاً للأنس في العوالم الثلاث الدنيا والبرزخ والاخرة.
تعليق