بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الامام السجاد عليه السلام في الأسْر
إنَ البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كر بلاء، و هو في أسر الأعدأ، وفي الكوفة في مجلس أميرها، وفي الشام في مجلس ملكها، لا تقل هذه البطولة أهميّةً من الناحية السياسية عن بطولة الميدان، و على الأقلّ: لا يقف تلك المواقف البطولية مَن هالَتْهُ المصارع الدامية في كر بلاء، أو فجعَتْه التضحيات الجسيمة التي قُدّمَت أمامه، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممَن فضَلَ السلامة .
نعم، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قَلْبٍ جسور، صلب يتحمّل كلّ الآلام، و يتصدى لتحقيق كلّ الآمال، التي من أجلها حضر في ميدان كر بلاء مَنْ حضر، وناضل مَنْ ناضل، واستشهد مَنْ استشهد، والآن يقف ليؤدّي دوراً آخر مَنْ بقي حيّاً من أصحاب كر بلاء، ولو في الأسر .
إنّ الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليه السلام، بلسانه الذي أفصح عن الحقّ ببلاغة معجزة، فأتمَ الحجة على الجميع، بكل وضوحٍ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين، بكل جلاء، وأزاح الستار عن فسادهم و جورهم و انحرافهم عن الإسلام . إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد، من أثر سيف واحد، يجرّده الإمام في وجه الظلمة، إذ لم يجد مُعيناً في تلك الظروف الصعبة .
لكنّه كان الشاهد الوحيد، الذي حضر معركة كر بلاء بجميع مشاهدها، من بدايتها، بمقدّماتها و أحداثها و ملابساتها و ما تعقّبها، و هو المصدَق الأمين في كل ما يرويه و يحكيه عنها .
فكان وجوده استمراراً عينيّاً لها، و ناطقاً رسميّاً عنها .
مع أن وجوده، و هو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكلّ فروع: العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والعرفان، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته و سيرته و سنته، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لاَياته، إن وجوده حيّاً كان أنفع للإسلام و أنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل، والجفاف القاتل، في المجتمع الإسلامي .
كان وجودُه أقضَ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيفٍ وسيف، لأن الإسلام إنّما يحافَظُ عليه ببقاء أفكاره و قيمه، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه، و إذا كان شخص مثل الإمام موجوداً في الساحة، فإنه لا ريب أعظم سد أمام محاولات الأعداء.
و كذلك الأعداء إنما يُبادون بضرب أهدافهم، واجتثاب بدعهم و فضح أحابيلهم، والكشف عن دجلهم، و رفع الأغطية عن نِيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين و أهله، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل .
و على يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة، و أعمق تأثير .
ثمَ، أليس الجهاد بالكلمة واحداً من أشكال الجهاد، وإن كان أضعفها ? بل، إذا انحصر الأمر به، فهو الجهاد كلّه بل أفضله، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام، كما ورد في الحديث الشريف، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
ولنصغ إلى الإمام السجاد عليه السلام في بعض تلك المواقف :
فمن كلام له عليه السلام كان يُعلنه و هو في أسر بني أمية:
أيّها الناس :
إنّ كلّ صمتٍ ليس فيه فكر فهو عيّ، وكل كلامٍ ليس فيه ذكر فهو هباء.
ألا، و إنَ الله تعالى أكرم أقواماً باَبائهم، فحفظ الأبناء بالآباء، لقوله تعالى: (وكان أبوهما صالحاً )( سورة الكهف الآية 82) فأكرمهما .
ونحن و الله عترة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم، فأكرمونا لأجل رسول الله، لأن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في منبره: احفظوني في عترتي و أهل بيتي، فمن حفظني حفظه الله، و من آذاني فعليه لعنة الله، ألا، فلعنة الله على من آذاني فيهم حتّى قالها ثلاث مرات .
و نحن والله أهل بيت أذهب الله عنّا الرجس والفواحش ما ظهر منها و ما بطن ...
و بهذه الصراحة، والقوة، والبلاغة، عرّف الإمام السجاد عليه السلام للمتفرّجين ولمن وراءهم هذا الركب المأسور، الذي نبزوه بأنَه ركب الخوارج .
ففضح الدعايات، و أعلن بذلك أنه رَكْب يتألّف من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وأفصح بتلاوة الآيات والأحاديث، أنه ركب يحمل القرآن والسنّة، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب و السنّة .
و هو من لسان هذين المصدرين يصبّ اللعنة والنقمة على مَنْ آذى هذا الركب، من دون أن يُمَكن الأعدأ من التعرّض له، لأنه عليه السلام إنّما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه.
كان هذا الموقف، حين أخذ الناسَ الوجومُ، من عظم ما جرى في وقعة كر بلاء، و ما حلّ بأهل البيت عليه السلام من التقتيل والأسر، و ذُهلوا حينما رأوا الحسينَ سبط الرسول و أهله و أصحابه مجزّرين و يرون اليوم ابنَه، و عيالاته أسرى، يُساقون في العواصم الإسلامية .
والأسر في قاموس البشر يُوحي معاني الذلّ والهوان، والضعف والانكسار هذا، والناس يفتخرون بالانتماء إلى دين الرسول وسنّته .
والأنكى من ذلك أنّ الجرائم وقعتْ ولمّا يمضِ على وفاة الرسول جدّ هؤلاء الأسرى نصف قرنٍ من الزمن و موقفه الآخر في مجلس يزيد، فقد أوضح فيه عن هويّته الشخصية، فلم يَدَعْ لجاهل عُذراً في الجلوس المريب، و ذلك في المجلس الذي أقامه يزيد، للاحتفال بنشوة الانتصار ولابدّ أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان، انبرى الإمام السجاد عليه السلام، في خطبته البليغة الرائعة، التي لم يزل يقول فيها: أنا ... أنا ... عرّفاً بنفسه، و ذاكراً أمجاد أسلافه حتّى ضَجَ المجلسُ بالبكاء والنحيب حَسَبَ تعبير النص(3) الذي سنُثبته كاملاً :
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الامام السجاد عليه السلام في الأسْر
إنَ البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كر بلاء، و هو في أسر الأعدأ، وفي الكوفة في مجلس أميرها، وفي الشام في مجلس ملكها، لا تقل هذه البطولة أهميّةً من الناحية السياسية عن بطولة الميدان، و على الأقلّ: لا يقف تلك المواقف البطولية مَن هالَتْهُ المصارع الدامية في كر بلاء، أو فجعَتْه التضحيات الجسيمة التي قُدّمَت أمامه، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممَن فضَلَ السلامة .
نعم، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قَلْبٍ جسور، صلب يتحمّل كلّ الآلام، و يتصدى لتحقيق كلّ الآمال، التي من أجلها حضر في ميدان كر بلاء مَنْ حضر، وناضل مَنْ ناضل، واستشهد مَنْ استشهد، والآن يقف ليؤدّي دوراً آخر مَنْ بقي حيّاً من أصحاب كر بلاء، ولو في الأسر .
إنّ الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليه السلام، بلسانه الذي أفصح عن الحقّ ببلاغة معجزة، فأتمَ الحجة على الجميع، بكل وضوحٍ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين، بكل جلاء، وأزاح الستار عن فسادهم و جورهم و انحرافهم عن الإسلام . إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد، من أثر سيف واحد، يجرّده الإمام في وجه الظلمة، إذ لم يجد مُعيناً في تلك الظروف الصعبة .
لكنّه كان الشاهد الوحيد، الذي حضر معركة كر بلاء بجميع مشاهدها، من بدايتها، بمقدّماتها و أحداثها و ملابساتها و ما تعقّبها، و هو المصدَق الأمين في كل ما يرويه و يحكيه عنها .
فكان وجوده استمراراً عينيّاً لها، و ناطقاً رسميّاً عنها .
مع أن وجوده، و هو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكلّ فروع: العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والعرفان، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته و سيرته و سنته، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لاَياته، إن وجوده حيّاً كان أنفع للإسلام و أنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل، والجفاف القاتل، في المجتمع الإسلامي .
كان وجودُه أقضَ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيفٍ وسيف، لأن الإسلام إنّما يحافَظُ عليه ببقاء أفكاره و قيمه، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه، و إذا كان شخص مثل الإمام موجوداً في الساحة، فإنه لا ريب أعظم سد أمام محاولات الأعداء.
و كذلك الأعداء إنما يُبادون بضرب أهدافهم، واجتثاب بدعهم و فضح أحابيلهم، والكشف عن دجلهم، و رفع الأغطية عن نِيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين و أهله، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل .
و على يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة، و أعمق تأثير .
ثمَ، أليس الجهاد بالكلمة واحداً من أشكال الجهاد، وإن كان أضعفها ? بل، إذا انحصر الأمر به، فهو الجهاد كلّه بل أفضله، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام، كما ورد في الحديث الشريف، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
ولنصغ إلى الإمام السجاد عليه السلام في بعض تلك المواقف :
فمن كلام له عليه السلام كان يُعلنه و هو في أسر بني أمية:
أيّها الناس :
إنّ كلّ صمتٍ ليس فيه فكر فهو عيّ، وكل كلامٍ ليس فيه ذكر فهو هباء.
ألا، و إنَ الله تعالى أكرم أقواماً باَبائهم، فحفظ الأبناء بالآباء، لقوله تعالى: (وكان أبوهما صالحاً )( سورة الكهف الآية 82) فأكرمهما .
ونحن و الله عترة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم، فأكرمونا لأجل رسول الله، لأن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في منبره: احفظوني في عترتي و أهل بيتي، فمن حفظني حفظه الله، و من آذاني فعليه لعنة الله، ألا، فلعنة الله على من آذاني فيهم حتّى قالها ثلاث مرات .
و نحن والله أهل بيت أذهب الله عنّا الرجس والفواحش ما ظهر منها و ما بطن ...
و بهذه الصراحة، والقوة، والبلاغة، عرّف الإمام السجاد عليه السلام للمتفرّجين ولمن وراءهم هذا الركب المأسور، الذي نبزوه بأنَه ركب الخوارج .
ففضح الدعايات، و أعلن بذلك أنه رَكْب يتألّف من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وأفصح بتلاوة الآيات والأحاديث، أنه ركب يحمل القرآن والسنّة، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب و السنّة .
و هو من لسان هذين المصدرين يصبّ اللعنة والنقمة على مَنْ آذى هذا الركب، من دون أن يُمَكن الأعدأ من التعرّض له، لأنه عليه السلام إنّما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه.
كان هذا الموقف، حين أخذ الناسَ الوجومُ، من عظم ما جرى في وقعة كر بلاء، و ما حلّ بأهل البيت عليه السلام من التقتيل والأسر، و ذُهلوا حينما رأوا الحسينَ سبط الرسول و أهله و أصحابه مجزّرين و يرون اليوم ابنَه، و عيالاته أسرى، يُساقون في العواصم الإسلامية .
والأسر في قاموس البشر يُوحي معاني الذلّ والهوان، والضعف والانكسار هذا، والناس يفتخرون بالانتماء إلى دين الرسول وسنّته .
والأنكى من ذلك أنّ الجرائم وقعتْ ولمّا يمضِ على وفاة الرسول جدّ هؤلاء الأسرى نصف قرنٍ من الزمن و موقفه الآخر في مجلس يزيد، فقد أوضح فيه عن هويّته الشخصية، فلم يَدَعْ لجاهل عُذراً في الجلوس المريب، و ذلك في المجلس الذي أقامه يزيد، للاحتفال بنشوة الانتصار ولابدّ أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان، انبرى الإمام السجاد عليه السلام، في خطبته البليغة الرائعة، التي لم يزل يقول فيها: أنا ... أنا ... عرّفاً بنفسه، و ذاكراً أمجاد أسلافه حتّى ضَجَ المجلسُ بالبكاء والنحيب حَسَبَ تعبير النص(3) الذي سنُثبته كاملاً :
تعليق