بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ محبّة أولياء الله هي شعاع من محبّة الله عزّ وجلّ؛ فنحن نحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) لكونه عبد الله وحبيبه. يروى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سلّم عليه [في الطريق] غلامٌ دون البلوغ وبشّ له وتبسّم فرحاً بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال له: «أتحبّني يا فتىٰ؟ فقال: إي والله يا رسول الله. فقال له: مثل عينيك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل أبيك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل أمّك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل نفسك؟ فقال: أكثر والله يا رسول الله. فقال: أمثل ربّك؟ فقال: الله الله الله يا رسول الله، ليس هذا لك ولا لأحد فإنّما أحببتك لحبّ الله»[7]. تخيّلوا البيئة الثقافيّة التي كانت سائدة في ذلك العصر! وكيف تمكّن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من تربية الناس يا ترى كي يتحدّث حَدَثٌ لم يبلغ العاشرة أو الثانية عشرة من عمره بهذا المنطق؟! فحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) وكلّ ما قدّمه الناس له من تضحيات هو لأجل أنّه حبيب الله وعبده الصالح.
فمن أجل أن نسلك طريق محبّة الله سبحانه وتعالى يتحتّم علينا أن نمتلك المعرفة وأن نعلم ما الذي علينا صنعه كي نضاعف من حبّنا لله. بالطبع نحن نعلم إجمالاً بأنّ جميع الكمالات هي بيده عزّ وجلّ، وأنّه هو من ينبغي أن يفيضها علينا، ولكن نحن بدورنا علينا أيضاً أن نهيّئ في أنفسنا الأرضيّة والأهليّة لذلك.
المعرفة أوّلاً، أم المحبّة؟
أحياناً يُطرح السؤال التالي: هل المعرفة هي مقدّمة للمحبّة، أم العكس هو الصحيح؟ بتعبير أبسط: عندما نقول إنّه ينبغي لنا أن ننمّي محبّتنا لله فهذا يعني أنّه حتّى وإن كنّا نشعر بقليل من المحبّة، فإنّنا نرغب في زيادتها، ومن أجل زيادة المحبّة لابدّ أن نسعى وراء المعرفة. وبناءً على ذلك فالمحبّة مقدّمة على المعرفة. لكنّ الإنسان – من ناحية اُخرى – لا يحبّ شيئاً إذا لم يعرفه، وإذن فلابدّ من معرفةٍ لحصول هذه المحبّة ابتداءً. إذن يتبادر إلى الذهن هنا سؤال: هل المعرفة هي مقدّمة، أم المحبّة؟
ولا بأس أن نطرح السؤال بشكل أشمل: فنحن جميعاً نعلم أنّ هناك عاملَين مؤثّرين في أفعال الإنسان الإراديّة هما: المعرفة والإرادة. لكن هل ينبغي حصول المعرفة أوّلاً كي تنبثق الإرادة، أم لابدّ من وجود الإرادة ابتداءً كي تحصل المعرفة؟ والجواب هو أنّ العلاقة بين هذه المسائل هي علاقة متماسكة ومتصاعدة؛ فالله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان مرتبة من مراتبها مجّاناً. فإن أفاد الإنسان منها على النحو الصحيح، ترتّبت عليها نتائج، وإذا ما أحسن استغلال هذه النتائج أيضاً، فإنّه يصار إلى تدعيم الطرف الآخر من القضيّة، وهكذا. وهذه العلاقة تلاحَظ في الطبيعيّات أيضاً؛ فلابدّ لأوراق الشجرة – على سبيل المثال – أن تستعمل الهواء، والضوء، والحرارة كي تبقى الشجرة على قيد الحياة. فأوراق الشجرة، لاسيّما في وقت المطر، تمتصّ الرطوبة لتنقلها إلى الساق التي تنقلها بدورها إلى الجذور، لتحصل هناك عمليّة صنع الغذاء النباتيّ. ثمّ ينتقل هذا الغذاء من الجذور عبر الساق إلى الأغصان والأوراق لتنمو، فتُزهر الشجرة، وتعطي الثمر. فلولا نزول المطر لجفّت الشجرة ولم تعد الجذور تؤدّي وظيفتها ولجفّت شيئاً فشيئاً. فالمطر وضوء الشمس والهواء يصلون إلى الورقة من الأعلى ثمّ ينتقلون إلى الجذور، ثمّ تعود المواد الغذائيّة لتنتقل من الجذور إلى الأوراق ثانية. وتتكرّر هذه العمليّة مرّة اُخرى. وهذه العلاقة المتأرجحة تتحقّق غالباً فيما يتّصل بالكمالات والقيم الإنسانيّة أيضاً؛ أي إنّ إحداها تكون مقدّمة للاُخرى، فإذا توفّرت هذه تهيّأت الأرضيّة أكثر لنموّ الاولى. وإنّ علاقة الإيمان بالعمل هي نموذج آخر على ذلك؛ فالإنسان يؤمن أوّلاً ثمّ يعمل بمقتضى هذا الإيمان. فإن أنجز المرء عملاً، قَوِي إيمانه، وإنّ قوّة الإيمان ستدفعه إلى الإتيان بعمل أكثر وأفضل. وكلّما استمرّت هذه العلاقة زمناً أطول، فإنّها ستقود إلى مزيد من التكامل والنضج وبلوغ المرء كمالات أكثر. وقد تتحقّق هذه العلاقة تارةً بشكل واضح ومن دون واسطة، لكنّها لا تحصل تارةً اُخرى إلاّ بواسطة وحلقة خفيّة نوعاً ما.
المعرفة؛ شرط ضروريّ
على أيّة حال، فلابدّ لنا من معرفة السبيل إلى استكمال محبّتنا. وعلى هذا فإذا قلنا إنّه يتعيّن علينا تقوية معرفتنا من أجل مواصلة طريق التكامل، والتقرّب، والعبوديّة، والمحبّة، واكتساب جميع القيم الإلهيّة السامية، فإنّنا لم نتكلّم جزافاً. لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ العلم والمعرفة ليسا هما العلّة التامّة. فالمعرفة تهيّئ البيئة للنموّ والتكامل، بشرط أن يضيف إليها الإنسان الهمّة والإرادة ومن ثمّ الطلب، وإلاّ فقد تؤدّي مفعولاً عكسيّاً؛ كما هو الحال في النبات؛ فنفس ذلك الماء الذي يبعث الحياة في النبات فإنّه لا يقود - عند غياب العوامل الاُخرى - إلى عدم نموّ الشجرة فحسب، بل وإلى اندراس جذورها وتفسّخها أيضاً. لكنّ المرء، على أيّة حال، إذا رغب في سلوك سبيل الله وبلوغ ما يرضاه بارئه من الكمالات، فإنّ اكتساب المعرفة والازدياد في العلم يُعدّ شرطاً لازماً لذلك.
نسأل الله جلّ وعلا، ببركة سيّد الشهداء (صلوات الله عليه) وأصحابه المضحّين في سبيله، وكلّ من يعمُر حبُّ الحسين قلبَه، ويسير في مثل هذه الأيّام وغيرها من الأيّام على طريق محبّة الإمام الحسين، أن يتفضّل علينا بتنمية معرفتنا ومحبّتنا، ويعيننا على مواصلة الطريق التي نحظى فيها برضا ربّنا وبالزيادة في كمالنا.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ محبّة أولياء الله هي شعاع من محبّة الله عزّ وجلّ؛ فنحن نحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) لكونه عبد الله وحبيبه. يروى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سلّم عليه [في الطريق] غلامٌ دون البلوغ وبشّ له وتبسّم فرحاً بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال له: «أتحبّني يا فتىٰ؟ فقال: إي والله يا رسول الله. فقال له: مثل عينيك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل أبيك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل أمّك؟ فقال: أكثر. فقال: مثل نفسك؟ فقال: أكثر والله يا رسول الله. فقال: أمثل ربّك؟ فقال: الله الله الله يا رسول الله، ليس هذا لك ولا لأحد فإنّما أحببتك لحبّ الله»[7]. تخيّلوا البيئة الثقافيّة التي كانت سائدة في ذلك العصر! وكيف تمكّن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من تربية الناس يا ترى كي يتحدّث حَدَثٌ لم يبلغ العاشرة أو الثانية عشرة من عمره بهذا المنطق؟! فحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) وكلّ ما قدّمه الناس له من تضحيات هو لأجل أنّه حبيب الله وعبده الصالح.
فمن أجل أن نسلك طريق محبّة الله سبحانه وتعالى يتحتّم علينا أن نمتلك المعرفة وأن نعلم ما الذي علينا صنعه كي نضاعف من حبّنا لله. بالطبع نحن نعلم إجمالاً بأنّ جميع الكمالات هي بيده عزّ وجلّ، وأنّه هو من ينبغي أن يفيضها علينا، ولكن نحن بدورنا علينا أيضاً أن نهيّئ في أنفسنا الأرضيّة والأهليّة لذلك.
المعرفة أوّلاً، أم المحبّة؟
أحياناً يُطرح السؤال التالي: هل المعرفة هي مقدّمة للمحبّة، أم العكس هو الصحيح؟ بتعبير أبسط: عندما نقول إنّه ينبغي لنا أن ننمّي محبّتنا لله فهذا يعني أنّه حتّى وإن كنّا نشعر بقليل من المحبّة، فإنّنا نرغب في زيادتها، ومن أجل زيادة المحبّة لابدّ أن نسعى وراء المعرفة. وبناءً على ذلك فالمحبّة مقدّمة على المعرفة. لكنّ الإنسان – من ناحية اُخرى – لا يحبّ شيئاً إذا لم يعرفه، وإذن فلابدّ من معرفةٍ لحصول هذه المحبّة ابتداءً. إذن يتبادر إلى الذهن هنا سؤال: هل المعرفة هي مقدّمة، أم المحبّة؟
ولا بأس أن نطرح السؤال بشكل أشمل: فنحن جميعاً نعلم أنّ هناك عاملَين مؤثّرين في أفعال الإنسان الإراديّة هما: المعرفة والإرادة. لكن هل ينبغي حصول المعرفة أوّلاً كي تنبثق الإرادة، أم لابدّ من وجود الإرادة ابتداءً كي تحصل المعرفة؟ والجواب هو أنّ العلاقة بين هذه المسائل هي علاقة متماسكة ومتصاعدة؛ فالله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان مرتبة من مراتبها مجّاناً. فإن أفاد الإنسان منها على النحو الصحيح، ترتّبت عليها نتائج، وإذا ما أحسن استغلال هذه النتائج أيضاً، فإنّه يصار إلى تدعيم الطرف الآخر من القضيّة، وهكذا. وهذه العلاقة تلاحَظ في الطبيعيّات أيضاً؛ فلابدّ لأوراق الشجرة – على سبيل المثال – أن تستعمل الهواء، والضوء، والحرارة كي تبقى الشجرة على قيد الحياة. فأوراق الشجرة، لاسيّما في وقت المطر، تمتصّ الرطوبة لتنقلها إلى الساق التي تنقلها بدورها إلى الجذور، لتحصل هناك عمليّة صنع الغذاء النباتيّ. ثمّ ينتقل هذا الغذاء من الجذور عبر الساق إلى الأغصان والأوراق لتنمو، فتُزهر الشجرة، وتعطي الثمر. فلولا نزول المطر لجفّت الشجرة ولم تعد الجذور تؤدّي وظيفتها ولجفّت شيئاً فشيئاً. فالمطر وضوء الشمس والهواء يصلون إلى الورقة من الأعلى ثمّ ينتقلون إلى الجذور، ثمّ تعود المواد الغذائيّة لتنتقل من الجذور إلى الأوراق ثانية. وتتكرّر هذه العمليّة مرّة اُخرى. وهذه العلاقة المتأرجحة تتحقّق غالباً فيما يتّصل بالكمالات والقيم الإنسانيّة أيضاً؛ أي إنّ إحداها تكون مقدّمة للاُخرى، فإذا توفّرت هذه تهيّأت الأرضيّة أكثر لنموّ الاولى. وإنّ علاقة الإيمان بالعمل هي نموذج آخر على ذلك؛ فالإنسان يؤمن أوّلاً ثمّ يعمل بمقتضى هذا الإيمان. فإن أنجز المرء عملاً، قَوِي إيمانه، وإنّ قوّة الإيمان ستدفعه إلى الإتيان بعمل أكثر وأفضل. وكلّما استمرّت هذه العلاقة زمناً أطول، فإنّها ستقود إلى مزيد من التكامل والنضج وبلوغ المرء كمالات أكثر. وقد تتحقّق هذه العلاقة تارةً بشكل واضح ومن دون واسطة، لكنّها لا تحصل تارةً اُخرى إلاّ بواسطة وحلقة خفيّة نوعاً ما.
المعرفة؛ شرط ضروريّ
على أيّة حال، فلابدّ لنا من معرفة السبيل إلى استكمال محبّتنا. وعلى هذا فإذا قلنا إنّه يتعيّن علينا تقوية معرفتنا من أجل مواصلة طريق التكامل، والتقرّب، والعبوديّة، والمحبّة، واكتساب جميع القيم الإلهيّة السامية، فإنّنا لم نتكلّم جزافاً. لكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ العلم والمعرفة ليسا هما العلّة التامّة. فالمعرفة تهيّئ البيئة للنموّ والتكامل، بشرط أن يضيف إليها الإنسان الهمّة والإرادة ومن ثمّ الطلب، وإلاّ فقد تؤدّي مفعولاً عكسيّاً؛ كما هو الحال في النبات؛ فنفس ذلك الماء الذي يبعث الحياة في النبات فإنّه لا يقود - عند غياب العوامل الاُخرى - إلى عدم نموّ الشجرة فحسب، بل وإلى اندراس جذورها وتفسّخها أيضاً. لكنّ المرء، على أيّة حال، إذا رغب في سلوك سبيل الله وبلوغ ما يرضاه بارئه من الكمالات، فإنّ اكتساب المعرفة والازدياد في العلم يُعدّ شرطاً لازماً لذلك.
نسأل الله جلّ وعلا، ببركة سيّد الشهداء (صلوات الله عليه) وأصحابه المضحّين في سبيله، وكلّ من يعمُر حبُّ الحسين قلبَه، ويسير في مثل هذه الأيّام وغيرها من الأيّام على طريق محبّة الإمام الحسين، أن يتفضّل علينا بتنمية معرفتنا ومحبّتنا، ويعيننا على مواصلة الطريق التي نحظى فيها برضا ربّنا وبالزيادة في كمالنا.
تعليق