جاء الشتاء برائحة الذكريات ، والتي نستشقها كلما طرقتْ أبوابنا حبات مطره ..
كان الشتاء يعني لنا الكثير ..
كان لصوت المطر ، وصفير الرياح ، لحنٌ يسحبنا بكل براءة
نحو نوافذ بيتنا البسيط لنلقي نظرة التعجب والاندهاش ، وكأننا نشاهده لاول مرة ..
كنا نرسم على تلك النوافذ بعض أحلامنا ثم نمسحها ، ونعيدها ببخار أنفاسنا ..
ثم نركض لنختبأ تحت أغطيتنا بمجرد سماع صوت الرعد او رؤية وميض البرق ..
لازلتُ أذكر إجتماعنا حول ( الصوبة ) وحرارتها تلامس وجوهنا التي إحمرت منها او من نزلة برد ..
رائحة قشور البرتقال المحروقة فوق ( الصوبة ) يجعل من صوت أمي يعلو بلهجة التحذير والوعيد ..
أمي تتنقل كالفراشة مابين مطبخها وبعض غرف المنزل ..
ولابي مساحة واسعة من ذلك الشتاء ، يُطيبها بحكاياته عن ( الذيب ) و ( السعلوة ) و ( الطنطل ) ..
ونحن غارقين في رسم صورها في أذهاننا الطفولية التي لم تُدركها إلاّ بعد أن كبرنا ..
لنجدها تتجسد في بعض البشر ولكن بأسماءٍ مختلفة ..
وأكثر ما كان يسرنا من ذلك الشتاء والمطر هو العطلة التي نمنحها لانفسنا من المدرسة ..
كبرنا وذهب ذلك الشتاء ، ورحلت معه طفولتنا ..
وذهب من كان يحكي لنا القصص والحكايات ..
فلم نعد نجتمع حول ( الصوبة ) ..
صرنا نتحسر على ذلك الشتاء وأهله ..
نعم ذهبت لحظات المرح والدفئ ، ذهبت مع ذهاب اوراق الخريف ..
تركنا الشتاء لرائحة الذكريات الموجوعة ..
فلم يعد له ذلك الطعم ، ولم تعد أيامه بتلك النكهة الحانية ..
نشتاق بقدر أنين الفقد ..
تعليق