بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
ثقة الأهل بأولادهم قد لا تكون في مكانها دائماً
كانت تنام قريرة العين، مرتاحة البال، هانئة، لا هم ولا غم، فابنها الذي بلغ الثامنة عشرة، حصل على الثانوية العامة، وانتسب إلى جامعة أجنبية، لتتفرغ أخيراً لنفسها وحياتها التي كانت وعلى مدار السنوات الماضية تدور حول فلكه.
إلا أنّ مريم عاشت تجربة “الثقة في غير مكانها”، وها هي تروي مأساتها باختصار، تقول: “وليد هو ابني الوحيد، ربيته على الغالي، وكبرته “كلّ شبر بندر”، وحين رأيت جناحيه تكبران، فتحت له القفص ليطير خارجاً”. لكن، هل أجاد وليد الطيران؟تجيب بحسرة وغصة: “في الحقيقة، وقع على رأسه ووقعنا معه”.
تضيف: “في الوقت الذي كان يكسر القواعد التي ربيناه عليها قاعدة وراء قاعدة، ويرمي بالدروس التي تعلمها من نافذة البيت الذي استأجره له أبوه في لندن، كنت أنا أضع يديّ وقدمي في مياه باردة”.
لم تشك مريم يوماً في أنّ وليد قد يخذلها، ذلك أنّ ثقتها العمياء كانت بتربيتها له قبل أن تكون به، فابنها “مربّى” كما اعتادت أن تقول لكلِّ من يلومها على إرسال ابن الـ17 عاماً إلى الخارج، معللة موقفها بأنّ ابنها “يعرف الصح من الخطأ”.كما اعتادت أن تجيب عن كلِّ من أتاها لاحقاً ومعه خبر سيئ عنه، بالقول إنّ ابنها “أبن أصول” لا يمكن له أن يرتكب ما يرتكبه أولاد الشوارع، وغيرها من المرافعات التي بدأت مريم تتخذها بعد عام من سفر ابنها.
وماذا بعد؟ تجيب مريم: “لا شيء أكثر من أنّ ابني وقع في حبال امرأة تكبره سناً، فترك الجامعة بعد أن أوهمنا لعامين أنّه الطالب النجيب، لنلحق به بغية ترميم ما يمكن ترميمه، ولكن الجواب الذي استقبلنا به كان صادماً: “حياتي وأنا حر بها”.
أنام مفتوحة العينين:
“ليست التربية منهاجاً مدرسياً يبدأ بالصف الأوّل الابتدائي وينتهي عند الحصول على الثانوية” بحسب ما تقول سائدة الدقاق (موظفة وأم)، لافتة إلى “أنّها مشوار يبدأ من أوّل يوم يخرج فيه الطفل إلى الحياة”.
وتضيف: “لهذا، لا يمكن أن يبعد الأهل أياديهم عن تربية أبنائهم لمجرد أنهم كبروا، أو دخلوا الجامعة، أو حتى اشتغلوا، علماً بأنّ من حقِّ الأبناء التزود بقواعد السلوك، ومن واجب الأهل مدهم بتلك القواعد”. ولكن “الأقسى” كما تقول سائدة: “هو أنّ سلوك الأبناء ليس نتاجاً شخصياً يلخص طريقة أهلهم في التربية، ذلك أنهم في النهاية مثل الإسفنجة التي تمتص سلوكيات وصفات الآخرين، والله أعلم من يكون هولاء الآخرون”.
هذا الإدراك لتأثير الغير في الأبناء، هو الذي دفع سائدة منذ سنوات لمغادرة أستراليا والعودة إلى أبوظبي لتحول دون حدوث تلك التأثيرات، فهي كانت “مدركة”، كما تقول، “لعجزها عن ضبط ما يحصل بعيداً عن عين الرقيب. لهذا، اتخذت الخطوة الدفاعية الأولى والتي تتلخص في إبعاد أبنائها عن التربة التي قد تفسد تربيتها وتبدد تعبها بتلك التربية”.
وهل تضعين اليوم يديك في مياه باردة في ما يخص تربيتهم؟ تجيب: “الأم الحكيمة هي التي لا تضع علامة 10 من 10 على شيء يتعلق بأمور أبنائها، لهذا، أنام وعيناي مفتوحتان حتى أحميهم من شر الحياة ومن شر أنفسهم”.
استحالة:
“من هو الرجل المغفل الذي سيضع يديه في مياه باردة وعنده أولاد؟” بهذا السوال يعلق عماد رزق (مدير إدارة وأب) على الموضوع. فـ”الإشراف”، كما يقول، “هو الدور الذي لا تنتهي صلاحيته في علاقتنا مع أبنائنا، إنّه مثل الضوء الذي يتدحرجون من دونه، ومثل العصا التي يتكئون عليها ولو كان عمرهم خمسين عاماً”.
ويضيف: “لهذا، حرام أن نغفل عن أبنائنا إذا كنا بحقِّ نحرص على حمايتهم”.
ويتابع: “حين نتأمل الحياة من حولنا، نبدأ بتسخيف الأمور العظيمة التي كانت تثير غضبتنا وخوفنا”.ويواصل عماد الحديث عن أخطاء الأهل الذين يرفعون راية “أولادنا على خلق”، فيقول: “كثيراً ما صدم آباء بأبناء سلموهم مفاتيح الثقة وقالوا لهم: هيا، أنتم أولياء أنفسكم”.
ويضيف: “حرام أن نعرض الأولاد لتجارب أكبر من طاقتهم، ونضع على عاتقهم حملاً يصعب التعامل معه لأنّهم وصلوا إلى الـ18 مثلاً، فسن الرشد مطلوبة حين نتحدث عن حضور فيلم، أو دخول سينما، ولكن في علاقة الأهل بأبنائهم، لا يوجد ذلك المصطلح على الإطلاق”، موكداً “أنّ الأبناء يبقون تحت وصاية آبائهم وأمهاتهم حتى ولو حملوا شهادات جامعية أطول منهم”، لافتاً إلى أنّ “ما يفعله الشباب اليوم من انحرافات خارج المسار التربوي، ليس سوى تأكيد على خطأ الأهل الكبير المتمثل في “ترك الحبل على الغارب”.
الرقابة من بعيد:
وبما أنّ “الثقة المطلقة في أحيان كثيرة قد تكون الوجه الآخر للتسيب المطلق”.لهذا، يقف محمّد صوراني (أستاذ مساعد جامعي، وأب) في صف أولياء الأمور الرافضين لتسليم الثقة والجلوس بعيداً عن أداء الأبناء، فيقول: “إنّ التعامل مع مسألة الثقة حساس ودقيق ويتطلب الكثير من الانتباه، خاصة أنّه يقود إلى ثقة الأبناء بأنفسهم”.
ويضيف: “لهذا، علينا كآباء أن نريهم مقدار ثقتنا بهم وبقدرتهم على التعامل الشخصي مع مشاكلهم”، مشيراً إلى “ضرورة الوقوف قرب الأبناء، شرط ألا يلحظونا، لنراقب ونتدخل في الوقت المناسب”
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
ثقة الأهل بأولادهم قد لا تكون في مكانها دائماً
هل من الخطأ أن نضع ثقتنا كاملة في أبنائنا، فنتنفس الصعداء، ونطوي الصفحة، ونحمد الله أننا كبرنا وربّينا وأنهينا دورنا والباقي عليهم؟ أم أنّ علينا أن نغمض عيناً ونفتح أخرى تحسباً لاحتمالات قد لا تكون في الحسبان؟
هل ثقتنا بأبنائنا في محلها؟ سوال يستحق التوقف والتأمل لا الإسراع والحماسة في صياغة الإجابة عنه.
ذلك أنّ الثقة، تلك الكلمة التي كثيراً ما يتغنى أولياء الأمور بها، قد تكون في واقعها مجرد وهم يضحك به الأهل على أنفسهم، أو يضحك به الأبناء على الأهل.
وفي الحالتين، وبغض النظر عمن يضحك على الآخر، لابدّ أن نعترف بأنّ الطرفين سيدفعان الثمن معاً..
ندم ولكن:هل ثقتنا بأبنائنا في محلها؟ سوال يستحق التوقف والتأمل لا الإسراع والحماسة في صياغة الإجابة عنه.
ذلك أنّ الثقة، تلك الكلمة التي كثيراً ما يتغنى أولياء الأمور بها، قد تكون في واقعها مجرد وهم يضحك به الأهل على أنفسهم، أو يضحك به الأبناء على الأهل.
وفي الحالتين، وبغض النظر عمن يضحك على الآخر، لابدّ أن نعترف بأنّ الطرفين سيدفعان الثمن معاً..
كانت تنام قريرة العين، مرتاحة البال، هانئة، لا هم ولا غم، فابنها الذي بلغ الثامنة عشرة، حصل على الثانوية العامة، وانتسب إلى جامعة أجنبية، لتتفرغ أخيراً لنفسها وحياتها التي كانت وعلى مدار السنوات الماضية تدور حول فلكه.
إلا أنّ مريم عاشت تجربة “الثقة في غير مكانها”، وها هي تروي مأساتها باختصار، تقول: “وليد هو ابني الوحيد، ربيته على الغالي، وكبرته “كلّ شبر بندر”، وحين رأيت جناحيه تكبران، فتحت له القفص ليطير خارجاً”. لكن، هل أجاد وليد الطيران؟تجيب بحسرة وغصة: “في الحقيقة، وقع على رأسه ووقعنا معه”.
تضيف: “في الوقت الذي كان يكسر القواعد التي ربيناه عليها قاعدة وراء قاعدة، ويرمي بالدروس التي تعلمها من نافذة البيت الذي استأجره له أبوه في لندن، كنت أنا أضع يديّ وقدمي في مياه باردة”.
لم تشك مريم يوماً في أنّ وليد قد يخذلها، ذلك أنّ ثقتها العمياء كانت بتربيتها له قبل أن تكون به، فابنها “مربّى” كما اعتادت أن تقول لكلِّ من يلومها على إرسال ابن الـ17 عاماً إلى الخارج، معللة موقفها بأنّ ابنها “يعرف الصح من الخطأ”.كما اعتادت أن تجيب عن كلِّ من أتاها لاحقاً ومعه خبر سيئ عنه، بالقول إنّ ابنها “أبن أصول” لا يمكن له أن يرتكب ما يرتكبه أولاد الشوارع، وغيرها من المرافعات التي بدأت مريم تتخذها بعد عام من سفر ابنها.
وماذا بعد؟ تجيب مريم: “لا شيء أكثر من أنّ ابني وقع في حبال امرأة تكبره سناً، فترك الجامعة بعد أن أوهمنا لعامين أنّه الطالب النجيب، لنلحق به بغية ترميم ما يمكن ترميمه، ولكن الجواب الذي استقبلنا به كان صادماً: “حياتي وأنا حر بها”.
“ليست التربية منهاجاً مدرسياً يبدأ بالصف الأوّل الابتدائي وينتهي عند الحصول على الثانوية” بحسب ما تقول سائدة الدقاق (موظفة وأم)، لافتة إلى “أنّها مشوار يبدأ من أوّل يوم يخرج فيه الطفل إلى الحياة”.
وتضيف: “لهذا، لا يمكن أن يبعد الأهل أياديهم عن تربية أبنائهم لمجرد أنهم كبروا، أو دخلوا الجامعة، أو حتى اشتغلوا، علماً بأنّ من حقِّ الأبناء التزود بقواعد السلوك، ومن واجب الأهل مدهم بتلك القواعد”. ولكن “الأقسى” كما تقول سائدة: “هو أنّ سلوك الأبناء ليس نتاجاً شخصياً يلخص طريقة أهلهم في التربية، ذلك أنهم في النهاية مثل الإسفنجة التي تمتص سلوكيات وصفات الآخرين، والله أعلم من يكون هولاء الآخرون”.
هذا الإدراك لتأثير الغير في الأبناء، هو الذي دفع سائدة منذ سنوات لمغادرة أستراليا والعودة إلى أبوظبي لتحول دون حدوث تلك التأثيرات، فهي كانت “مدركة”، كما تقول، “لعجزها عن ضبط ما يحصل بعيداً عن عين الرقيب. لهذا، اتخذت الخطوة الدفاعية الأولى والتي تتلخص في إبعاد أبنائها عن التربة التي قد تفسد تربيتها وتبدد تعبها بتلك التربية”.
وهل تضعين اليوم يديك في مياه باردة في ما يخص تربيتهم؟ تجيب: “الأم الحكيمة هي التي لا تضع علامة 10 من 10 على شيء يتعلق بأمور أبنائها، لهذا، أنام وعيناي مفتوحتان حتى أحميهم من شر الحياة ومن شر أنفسهم”.
“من هو الرجل المغفل الذي سيضع يديه في مياه باردة وعنده أولاد؟” بهذا السوال يعلق عماد رزق (مدير إدارة وأب) على الموضوع. فـ”الإشراف”، كما يقول، “هو الدور الذي لا تنتهي صلاحيته في علاقتنا مع أبنائنا، إنّه مثل الضوء الذي يتدحرجون من دونه، ومثل العصا التي يتكئون عليها ولو كان عمرهم خمسين عاماً”.
ويضيف: “لهذا، حرام أن نغفل عن أبنائنا إذا كنا بحقِّ نحرص على حمايتهم”.
ويتابع: “حين نتأمل الحياة من حولنا، نبدأ بتسخيف الأمور العظيمة التي كانت تثير غضبتنا وخوفنا”.ويواصل عماد الحديث عن أخطاء الأهل الذين يرفعون راية “أولادنا على خلق”، فيقول: “كثيراً ما صدم آباء بأبناء سلموهم مفاتيح الثقة وقالوا لهم: هيا، أنتم أولياء أنفسكم”.
ويضيف: “حرام أن نعرض الأولاد لتجارب أكبر من طاقتهم، ونضع على عاتقهم حملاً يصعب التعامل معه لأنّهم وصلوا إلى الـ18 مثلاً، فسن الرشد مطلوبة حين نتحدث عن حضور فيلم، أو دخول سينما، ولكن في علاقة الأهل بأبنائهم، لا يوجد ذلك المصطلح على الإطلاق”، موكداً “أنّ الأبناء يبقون تحت وصاية آبائهم وأمهاتهم حتى ولو حملوا شهادات جامعية أطول منهم”، لافتاً إلى أنّ “ما يفعله الشباب اليوم من انحرافات خارج المسار التربوي، ليس سوى تأكيد على خطأ الأهل الكبير المتمثل في “ترك الحبل على الغارب”.
وبما أنّ “الثقة المطلقة في أحيان كثيرة قد تكون الوجه الآخر للتسيب المطلق”.لهذا، يقف محمّد صوراني (أستاذ مساعد جامعي، وأب) في صف أولياء الأمور الرافضين لتسليم الثقة والجلوس بعيداً عن أداء الأبناء، فيقول: “إنّ التعامل مع مسألة الثقة حساس ودقيق ويتطلب الكثير من الانتباه، خاصة أنّه يقود إلى ثقة الأبناء بأنفسهم”.
ويضيف: “لهذا، علينا كآباء أن نريهم مقدار ثقتنا بهم وبقدرتهم على التعامل الشخصي مع مشاكلهم”، مشيراً إلى “ضرورة الوقوف قرب الأبناء، شرط ألا يلحظونا، لنراقب ونتدخل في الوقت المناسب”
تعليق