بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
[جواب الشبهة]
خبر تركة الرسول وخبر شكوى فاطمة :
تولى الصحابيان الخليفتان أبو بكر وعمر مرّة واحدة على كلّ ما تركه الرسول من ضياع من بعده و لم يتعرّضا لشيء ممّا أقطع منها للمسلمين عدا ما فعلا بفدك التي كان النبي قد أقطعها ابنته فاطمة في حياته، فإنّهما استوليا عليها كما استوليا على سائر ضياع النبيّ و من هنا نشأ الخلاف بين فاطمة و بينهما على ذلك، و على إرثها من الرسول كما شرحته الروايات الآتية:
أ- رواية عمر:
عن عمر: لمّا قبض رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) جئت أنا و ابو بكر إلى علي فقلنا: ما تقول في ما ترك رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ؟
قال: نحن أحقّ الناس برسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) .
قال: فقلت: و الّذي بخيبر؟
قال: و الّذي بخيبر.
قلت: و الّذي بفدك؟
قال: و الذي بفدك.
فقلت: أما و اللّه حتّى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا (1).
ب- رواية أمّ المؤمنين عائشة :
في صحيح البخاري و مسلم و مسند أحمد و سنن أبي داود و النسائي و طبقات ابن سعد و اللفظ للأوّل: عن أمّ المؤمنين عائشة: انّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ ( صلى الله عليه واله ) في ما أفاء اللّه على رسوله ( صلى الله عليه واله ) تطلب صدقة النبيّ الّتي بالمدينة (2) ، و فدك و ما بقي من خمس خيبر (3).
فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) قال «لا نورث ما تركنا فهو صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال يعني مال اللّه ليس لهم أن يزيدوا على المأكل» و إنّي و اللّه لا أغيّر شيئا من صدقات النّبيّ الّتي كانت عليها في عهد النبيّ ( صلى الله عليه واله ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) (4).
في هذا الحديث سمّى أبو بكر تركة الرسول: «الصدقات» استنادا إلى الرواية الّتي رواها هو عن الرسول بأنّه قال: «ما تركنا فهو صدقة» و منذ ذلك التاريخ و إلى يومنا هذا سمّيت تركة الرسول بالصدقات.
أمّا قوله: «لأعملنّ فيها بما عمل رسول اللّه فيها» و ما هو قصده من العمل الّذي قال إنّه سيعمل فيها، فإنّه يعرف من الحديث الآتي عن أمّ المؤمنين عائشة:
إنّ أوّل هذا الحديث كالحديث الماضي إلى قولها: «... فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت و عاشت بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ستّة أشهر، قالت عائشة: فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول اللّه من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة (5).
فأبى أبو بكر عليها ذلك، و قال: لست تاركا شيئا كان رسول اللّه يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و عبّاس، و أمّا خيبر و فدك فأمسكهما عمر و قال: هما صدقة رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) كانتا لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولى الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم .
في حديث عائشة الثاني هذا: يصرّح الخليفة بأن ضياع رسول اللّه كانت لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر من بعده، إذن فهو الّذي ينفق منها لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و هذا هو معنى قول الخليفة في الحديث الأول: لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول اللّه أي لأنفقنّ منها لحقوقي الّتي تعروني و نوائبي.
وإلى هذا- أيضا- يشير في حديث عائشة الثالث الآتي في صحيح البخاري و مسلم عن عائشة: أنّ فاطمة (س) بنت النبيّ ( صلى الله عليه واله ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد ( صلى الله عليه واله ) في هذا المال»، وانّي لا اغيّر شيئا من صدقة رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) عن حالها الّتي كان عليها في عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيّت و عاشت بعد النبيّ ستة اشهر فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا، و لم يؤذن بها أبا بكر و صلّى عليها، و كان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلمّا توفّيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته و لم يكن بايع تلك الأشهر ... الحديث (6).
اقتصرت أمّ المؤمنين عائشة في ذكرها مورد نزاع فاطمة مع أبي بكر في أحاديثها المطوّلة بذكر مطالبتها إيّاهم إرث أبيها الرسول بينما كانت خصومتها معهم في ثلاثة أمور:
أ- مطالبتها إياهم بمنحة الرسول، ب- مخاصمتها إياهم في إرث الرسول، ج- مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى. و في ما يلي بيان ذلك:
أ- مطالبتها إياهم بمنحة الرسول :
[ توضيح في امر فدك ] :
قال ياقوت: فدك قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان و قيل ثلاثة، و فيها عين فوّارة و نخيل كثير (7).
بعث رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) إلى أهل فدك و هو بخيبر أو منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فابوا (8).
فلما فرغ رسول اللّه (صلى الله عليه واله) من خيبر، قذف اللّه الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يصالحونه على النصف فقبل ذلك منهم (9).
وفي الأموال لأبي عبيد: كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فبايعوه على أنّ لهم رقابهم و نصف أراضيهم و نخلهم، و لرسول اللّه شطر أراضيهم و نخلهم (10).
وفي فتوح البلدان: فكان نصف فدك خالصا لرسول اللّه، لأنّه لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب و كان يصرف ما يأتيه منها (11).
وفي شواهد التنزيل للحسكانيّ، وميزان الاعتدال للذهبيّ، ومجمع الزوائد للهيثمي، و الدّرّ المنثور للسيوطي، و منتخب كنز العمال، واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري: لمّا نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] دعا النبيّ فاطمة وأعطاها فدك (12).
و في تفسير الآية -38- من سورة الروم عن ابن عباس كذلك (13).
[ مطابة السيدة الزهراء عليها السلام بحقها ] :
في فتوح البلدان: إنّ فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصدّيق (رض): أعطني فدك فقد جعلها رسول اللّه لي، فسألها البيّنة فجاءت بأمّ أيمن و رباح مولى النبيّ فشهدا لها بذلك، فقال: إنّ هذا الأمر لا تجوز فيه إلّا شهادة رجل و امرأتين.
وفي رواية أخرى: شهد لها عليّ بن أبي طالب، فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن (14).
من البديهي إنّ هذه الخصومة كانت بعد أن استولى أبو بكر على فدك كما استولى على ضياع رسول اللّه غير فدك. و بعد ردّ أبي بكر شهود فاطمة في شأن فدك ثنّت بخصومة أخرى في شأن إرث الرسول كما توضحه الروايات الآتية بالإضافة إلى أحاديث أمّ المؤمنين عائشة السالفة.
ب- مخاصمتها إياهم في إرث الرسول :
1- رواية أبي الطفيل (15):
بمسند أحمد و سنن أبي داود، و تاريخ الذهبيّ، و تاريخ ابن كثير، و شرح النهج، و اللفظ للأوّل، عن أبي الطفيل قال: لما قبض رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) أم أهله؟
قال: فقال «لا، بل أهله».
قالت: فأين سهم رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) (16).
قال فقال أبو بكر: انّي سمعت رسول اللّه يقول: «إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أطعم نبيّا طعمة ثمّ قبضه جعله للّذي يقوم من بعده، فرأيت أن أردّه على المسلمين».
قالت: فأنت و ما سمعت من رسول اللّه أعلم (17).
وفي شرح النهج بعد هذا: ما أنا بسائلتك بعد مجلسي!
2- رواية أبي هريرة :
أ- في سنن الترمذي عن أبي هريرة: انّ فاطمة جاءت إلى أبي بكر و عمر (رض) تسأل ميراثها من رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فقالا: سمعنا رسول اللّه يقول «إنّي لا أورث».
قالت: و اللّه لا أكلّمكما أبدا، فماتت و لا تكلّمهما (18).
ب- في مسند أحمد و سنن الترمذي و طبقات ابن سعد و تاريخ ابن كثير و اللفظ للأوّل عن أبي هريرة قال: إنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا متّ؟
قال: ولدي وأهلي.
قالت: فما لنا لا نرث النبيّ ( صلى الله عليه واله ) ؟! قال: سمعت النبيّ ( صلى الله عليه واله ) يقول: «إنّ النبيّ لا يورث» و لكنّي أعول من كان رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يعول و أنفق على من كان رسول اللّه ينفق عليه (19).
3- رواية عمر:
في طبقات ابن سعد عن عمر قال: لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة لأبي بكر معها عليّ فقالت: ميراثي من رسول اللّه أبي ( صلى الله عليه واله ) فقال أبو بكر: أمن الرثة أو من العقد؟
قالت: فدك، و خيبر و صدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا متّ.
فقال أبو بكر: أبوك و اللّه خير منّي و أنت و اللّه خير من بناتي و قد قال رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) : «لا نورث ما تركنا صدقة» يعني هذه الأموال القائمة (20).
نرى أنّ تحديد عمر زمن مجيء فاطمة إلى أبي بكر، لا يستقيم مع مجرى الحوادث بعد السقيفة، و إنّما الصواب ما قاله ابن أبي الحديد:
«حديث فدك و حضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيّام من وفاة رسول اللّه» (21).
و مهما كان من أمر زمان ذلك، فإنّ أبا بكر منعها إرثها من الرسول بما روى هو عن الرسول «إنّا لا نورث ما تركنا صدقة» كما صرّحت بذلك أمّ المؤمنين حيث قالت:
و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يقول: «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» (22).
وكذلك قال ابن أبي الحديد في شرح النهج «المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلّا أبو بكر وحده» (23).
وقال: «إنّ اكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد، و قال شيخنا أبو عليّ: لا يقبل في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون و الفقهاء كلهم، و احتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده: نحن معاشر الأنبياء لا نورث (24).
وفي تعداد السيوطى لروايات أبي بكر قال: «التاسع و العشرون حديث لا نورث، ما تركناه صدقة» (25).
قال المؤلّف: مع كلّ هذا وضعوا أحاديث أسندوا فيها إلى غير أبي بكر أنّه روى ذلك عن الرسول (26).
ج- مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى :
لمّا منعوا ابنة الرسول من إرث ابيها بحديث أبي بكر، طالبتهم بسهم ذي القربى كما روى أبو بكر الجوهريّ ذلك في ثلاث روايات:
1- عن أنس بن مالك أنّ فاطمة (سلام الله عليها) أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات (27) وما أفاء اللّه علينا من الغنائم في القرآن الكريم من سهم ذوي القربى. ثمّ قرأت عليه قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] الآية، فقال لها أبو بكر: بأبي أنت و أمي و والد ولدك، السمع و الطاعة لكتاب اللّه و لحقّ رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) و حقّ قرابته، و أنا أقرأ من كتاب اللّه الّذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملا، قالت: أ فلك هو و لأقربائك؟ قال: لا، بل انفق عليكم منه و أصرف الباقي في مصالح المسلمين، قالت: ليس هذا حكم اللّه ... الحديث.
2- عن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك و سهم ذوي القربى فأبى عليها و جعلها في مال اللّه تعالى.
3- عن الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّ أبا بكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل اللّه، في السلاح والكراع (28).
وفي كنز العمال عن أمّ هاني قالت: انّ فاطمة اتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول اللّه يقول: «سهم ذوي القربى لهم في حياتي و ليس لهم بعد موتي» (29).
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
[جواب الشبهة]
خبر تركة الرسول وخبر شكوى فاطمة :
تولى الصحابيان الخليفتان أبو بكر وعمر مرّة واحدة على كلّ ما تركه الرسول من ضياع من بعده و لم يتعرّضا لشيء ممّا أقطع منها للمسلمين عدا ما فعلا بفدك التي كان النبي قد أقطعها ابنته فاطمة في حياته، فإنّهما استوليا عليها كما استوليا على سائر ضياع النبيّ و من هنا نشأ الخلاف بين فاطمة و بينهما على ذلك، و على إرثها من الرسول كما شرحته الروايات الآتية:
أ- رواية عمر:
عن عمر: لمّا قبض رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) جئت أنا و ابو بكر إلى علي فقلنا: ما تقول في ما ترك رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ؟
قال: نحن أحقّ الناس برسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) .
قال: فقلت: و الّذي بخيبر؟
قال: و الّذي بخيبر.
قلت: و الّذي بفدك؟
قال: و الذي بفدك.
فقلت: أما و اللّه حتّى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا (1).
ب- رواية أمّ المؤمنين عائشة :
في صحيح البخاري و مسلم و مسند أحمد و سنن أبي داود و النسائي و طبقات ابن سعد و اللفظ للأوّل: عن أمّ المؤمنين عائشة: انّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ ( صلى الله عليه واله ) في ما أفاء اللّه على رسوله ( صلى الله عليه واله ) تطلب صدقة النبيّ الّتي بالمدينة (2) ، و فدك و ما بقي من خمس خيبر (3).
فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) قال «لا نورث ما تركنا فهو صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال يعني مال اللّه ليس لهم أن يزيدوا على المأكل» و إنّي و اللّه لا أغيّر شيئا من صدقات النّبيّ الّتي كانت عليها في عهد النبيّ ( صلى الله عليه واله ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) (4).
في هذا الحديث سمّى أبو بكر تركة الرسول: «الصدقات» استنادا إلى الرواية الّتي رواها هو عن الرسول بأنّه قال: «ما تركنا فهو صدقة» و منذ ذلك التاريخ و إلى يومنا هذا سمّيت تركة الرسول بالصدقات.
أمّا قوله: «لأعملنّ فيها بما عمل رسول اللّه فيها» و ما هو قصده من العمل الّذي قال إنّه سيعمل فيها، فإنّه يعرف من الحديث الآتي عن أمّ المؤمنين عائشة:
إنّ أوّل هذا الحديث كالحديث الماضي إلى قولها: «... فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ، فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت و عاشت بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ستّة أشهر، قالت عائشة: فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول اللّه من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة (5).
فأبى أبو بكر عليها ذلك، و قال: لست تاركا شيئا كان رسول اللّه يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.
فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و عبّاس، و أمّا خيبر و فدك فأمسكهما عمر و قال: هما صدقة رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) كانتا لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولى الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم .
في حديث عائشة الثاني هذا: يصرّح الخليفة بأن ضياع رسول اللّه كانت لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر من بعده، إذن فهو الّذي ينفق منها لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و هذا هو معنى قول الخليفة في الحديث الأول: لأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول اللّه أي لأنفقنّ منها لحقوقي الّتي تعروني و نوائبي.
وإلى هذا- أيضا- يشير في حديث عائشة الثالث الآتي في صحيح البخاري و مسلم عن عائشة: أنّ فاطمة (س) بنت النبيّ ( صلى الله عليه واله ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إنّ رسول اللّه قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمّد ( صلى الله عليه واله ) في هذا المال»، وانّي لا اغيّر شيئا من صدقة رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) عن حالها الّتي كان عليها في عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) ، و لأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفيّت و عاشت بعد النبيّ ستة اشهر فلمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا، و لم يؤذن بها أبا بكر و صلّى عليها، و كان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلمّا توفّيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر و مبايعته و لم يكن بايع تلك الأشهر ... الحديث (6).
اقتصرت أمّ المؤمنين عائشة في ذكرها مورد نزاع فاطمة مع أبي بكر في أحاديثها المطوّلة بذكر مطالبتها إيّاهم إرث أبيها الرسول بينما كانت خصومتها معهم في ثلاثة أمور:
أ- مطالبتها إياهم بمنحة الرسول، ب- مخاصمتها إياهم في إرث الرسول، ج- مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى. و في ما يلي بيان ذلك:
أ- مطالبتها إياهم بمنحة الرسول :
[ توضيح في امر فدك ] :
قال ياقوت: فدك قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان و قيل ثلاثة، و فيها عين فوّارة و نخيل كثير (7).
بعث رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) إلى أهل فدك و هو بخيبر أو منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فابوا (8).
فلما فرغ رسول اللّه (صلى الله عليه واله) من خيبر، قذف اللّه الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يصالحونه على النصف فقبل ذلك منهم (9).
وفي الأموال لأبي عبيد: كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فبايعوه على أنّ لهم رقابهم و نصف أراضيهم و نخلهم، و لرسول اللّه شطر أراضيهم و نخلهم (10).
وفي فتوح البلدان: فكان نصف فدك خالصا لرسول اللّه، لأنّه لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب و كان يصرف ما يأتيه منها (11).
وفي شواهد التنزيل للحسكانيّ، وميزان الاعتدال للذهبيّ، ومجمع الزوائد للهيثمي، و الدّرّ المنثور للسيوطي، و منتخب كنز العمال، واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري: لمّا نزلت {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] دعا النبيّ فاطمة وأعطاها فدك (12).
و في تفسير الآية -38- من سورة الروم عن ابن عباس كذلك (13).
[ مطابة السيدة الزهراء عليها السلام بحقها ] :
في فتوح البلدان: إنّ فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصدّيق (رض): أعطني فدك فقد جعلها رسول اللّه لي، فسألها البيّنة فجاءت بأمّ أيمن و رباح مولى النبيّ فشهدا لها بذلك، فقال: إنّ هذا الأمر لا تجوز فيه إلّا شهادة رجل و امرأتين.
وفي رواية أخرى: شهد لها عليّ بن أبي طالب، فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن (14).
من البديهي إنّ هذه الخصومة كانت بعد أن استولى أبو بكر على فدك كما استولى على ضياع رسول اللّه غير فدك. و بعد ردّ أبي بكر شهود فاطمة في شأن فدك ثنّت بخصومة أخرى في شأن إرث الرسول كما توضحه الروايات الآتية بالإضافة إلى أحاديث أمّ المؤمنين عائشة السالفة.
ب- مخاصمتها إياهم في إرث الرسول :
1- رواية أبي الطفيل (15):
بمسند أحمد و سنن أبي داود، و تاريخ الذهبيّ، و تاريخ ابن كثير، و شرح النهج، و اللفظ للأوّل، عن أبي الطفيل قال: لما قبض رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) أم أهله؟
قال: فقال «لا، بل أهله».
قالت: فأين سهم رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) (16).
قال فقال أبو بكر: انّي سمعت رسول اللّه يقول: «إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا أطعم نبيّا طعمة ثمّ قبضه جعله للّذي يقوم من بعده، فرأيت أن أردّه على المسلمين».
قالت: فأنت و ما سمعت من رسول اللّه أعلم (17).
وفي شرح النهج بعد هذا: ما أنا بسائلتك بعد مجلسي!
2- رواية أبي هريرة :
أ- في سنن الترمذي عن أبي هريرة: انّ فاطمة جاءت إلى أبي بكر و عمر (رض) تسأل ميراثها من رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) فقالا: سمعنا رسول اللّه يقول «إنّي لا أورث».
قالت: و اللّه لا أكلّمكما أبدا، فماتت و لا تكلّمهما (18).
ب- في مسند أحمد و سنن الترمذي و طبقات ابن سعد و تاريخ ابن كثير و اللفظ للأوّل عن أبي هريرة قال: إنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا متّ؟
قال: ولدي وأهلي.
قالت: فما لنا لا نرث النبيّ ( صلى الله عليه واله ) ؟! قال: سمعت النبيّ ( صلى الله عليه واله ) يقول: «إنّ النبيّ لا يورث» و لكنّي أعول من كان رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يعول و أنفق على من كان رسول اللّه ينفق عليه (19).
3- رواية عمر:
في طبقات ابن سعد عن عمر قال: لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة لأبي بكر معها عليّ فقالت: ميراثي من رسول اللّه أبي ( صلى الله عليه واله ) فقال أبو بكر: أمن الرثة أو من العقد؟
قالت: فدك، و خيبر و صدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا متّ.
فقال أبو بكر: أبوك و اللّه خير منّي و أنت و اللّه خير من بناتي و قد قال رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) : «لا نورث ما تركنا صدقة» يعني هذه الأموال القائمة (20).
نرى أنّ تحديد عمر زمن مجيء فاطمة إلى أبي بكر، لا يستقيم مع مجرى الحوادث بعد السقيفة، و إنّما الصواب ما قاله ابن أبي الحديد:
«حديث فدك و حضور فاطمة عند أبي بكر كان بعد عشرة أيّام من وفاة رسول اللّه» (21).
و مهما كان من أمر زمان ذلك، فإنّ أبا بكر منعها إرثها من الرسول بما روى هو عن الرسول «إنّا لا نورث ما تركنا صدقة» كما صرّحت بذلك أمّ المؤمنين حيث قالت:
و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما، فقال أبو بكر: سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) يقول: «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» (22).
وكذلك قال ابن أبي الحديد في شرح النهج «المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلّا أبو بكر وحده» (23).
وقال: «إنّ اكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتّى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد، و قال شيخنا أبو عليّ: لا يقبل في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون و الفقهاء كلهم، و احتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده: نحن معاشر الأنبياء لا نورث (24).
وفي تعداد السيوطى لروايات أبي بكر قال: «التاسع و العشرون حديث لا نورث، ما تركناه صدقة» (25).
قال المؤلّف: مع كلّ هذا وضعوا أحاديث أسندوا فيها إلى غير أبي بكر أنّه روى ذلك عن الرسول (26).
ج- مخاصمتها إياهم في سهم ذي القربى :
لمّا منعوا ابنة الرسول من إرث ابيها بحديث أبي بكر، طالبتهم بسهم ذي القربى كما روى أبو بكر الجوهريّ ذلك في ثلاث روايات:
1- عن أنس بن مالك أنّ فاطمة (سلام الله عليها) أتت أبا بكر فقالت: لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات (27) وما أفاء اللّه علينا من الغنائم في القرآن الكريم من سهم ذوي القربى. ثمّ قرأت عليه قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] الآية، فقال لها أبو بكر: بأبي أنت و أمي و والد ولدك، السمع و الطاعة لكتاب اللّه و لحقّ رسول اللّه ( صلى الله عليه واله ) و حقّ قرابته، و أنا أقرأ من كتاب اللّه الّذي تقرئين منه، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملا، قالت: أ فلك هو و لأقربائك؟ قال: لا، بل انفق عليكم منه و أصرف الباقي في مصالح المسلمين، قالت: ليس هذا حكم اللّه ... الحديث.
2- عن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فدك و سهم ذوي القربى فأبى عليها و جعلها في مال اللّه تعالى.
3- عن الحسن بن محمّد بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّ أبا بكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى، وجعله في سبيل اللّه، في السلاح والكراع (28).
وفي كنز العمال عن أمّ هاني قالت: انّ فاطمة اتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى، فقال لها أبو بكر: سمعت رسول اللّه يقول: «سهم ذوي القربى لهم في حياتي و ليس لهم بعد موتي» (29).
تعليق